“المنعطف” الذي أرسته موسكو وواشنطن في مجلس الأمن
بقلم: طوني فرنسيس
النشرة الدولية –
هناك جديد في المشهد الدولي، عنوانه حد أدنى من التعاون سينعكس من دون شك على بؤر الأزمات خصوصاً في منطقتنا. هذا الجديد يمكن أن نؤرخ لبداياته مع القمة الأميركية – الروسية في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الفائت.
في ذلك اللقاء الذي أعقب مرحلة من القطيعة والتوتر في العلاقات بين البلدين، خرج الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين باتفاقات صريحة على الرغم من التحفظ الملحوظ في تصريحات الإشادة والترحيب.
قال بوتين إن الاجتماع كان بناء وخلا من المشاعر العدائية، وأثبت رغبة الرئيسين في فهم بعضهما بعضاً، وأكد بايدن “ألا بديل عن الحوار وجهاً لوجه”، وكشف عن أنه بحث مع بوتين الخطوات الواجبة لمنع وقوع صراعات مسلحة، وتم الاتفاق على العمل معاً لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
كانت تلك القمة مناسبة لاستعراض كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، الثنائية والإقليمية، وخلصت إلى الاتفاق على آلية للحوار الثنائي حول الاستقرار الاستراتيجي، ولم يطل الوقت حتى ظهر أن بإمكان البلدين ولوج مسيرة تعاون كان يصعب تصورها قبل أشهر.
كانت سوريا تحديداً امتحاناً أولياً لهذا التعاون، ففيها كل عوامل الحضور الروسي خارج الحدود، وعلى أرضها تتقاطع المصالح الأميركية من أفغانستان إلى المغرب، مروراً بمشكلات التصادم والتفاوض مع إيران في العراق ولبنان واليمن، إضافة إلى سوريا نفسها.
كان الاتفاق الروسي – الأميركي في مجلس الأمن حول المساعدات الإنسانية لسوريا محطة بارزة في علاقات الدولتين العُظميين، ففي يوم التصويت على القرار الروسي – الأميركي المشترك كان بايدن وبوتين على الهاتف “يقدران إيجابياً التنسيق بين البلدين حول قضية نقل المساعدات إلى سوريا”، وفي مجلس الأمن وصف المندوب الروسي نيبينزيا الاتفاق على القرار باللحظة التاريخية قائلاً إن “روسيا والولايات المتحدة تمكنتا للمرة الأولى من التوصل إلى اتفاق، بل عرض نص مشترك دعمه جميع زملائنا في مجلس الأمن”.
ووصف المندوب الروسي ما حصل بـ “المنعطف” الذي “نأمل بأن يصبح سيناريو تستفيد منه سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، بل العالم بأسره”.
كانت روسيا تعارض إدخال المساعدات إلى سوريا من خارج “بوابة سلطات الأسد”، لكنها أجرت تسوية مع الأميركيين والأوروبيين قضت باستمرار إدخال المعونات عبر باب الهوى بين تركيا وشمال سوريا، وهو ما لم يرض إيران والنظام الذي أعلن عبر مندوبه في الأمم المتحدة رفضه القرار الدولي، إلا أن روسيا صاحبة اليد الطولى عسكرياً في سوريا كانت مهدت لخطوتها بهدوء في مؤتمر ثلاثي “أستانا” الذي يضمها إلى جانب إيران وتركيا، وفي البيان الختامي لذلك المؤتمر عشية اجتماع مجلس الأمن، فرضت روسيا لغة “معتدلة” تلاقي الأميركيين، فلم تتضمن نقاط البيان الـ 16 إشارة إلى رفض الوجود الأميركي في سوريا، ولم تتطرق تفصيلاً إلى حصر المساعدات ببوابة الأسد، والتزمت في المقابل بوحدة سوريا واستقلالها وتنفيذ القرار الدولي (2254)، وتنشيط عمل اللجنة الدستورية والتسوية بين السوريين وعودة النازحين لبلادهم.
واختلفت لغة البيان عن اللغة الإيرانية المتوترة ضد الأميركيين، كما استوعبت التوتر التركي ضد الأسد، وبدا واضحاً أن مساراً جديداً في التعاون الأميركي – الروسي قد انفتح.
ربما يفسر ذلك الغضب الإيراني على الأميركيين في العراق وتكرار ميليشيات مرتبطة بها الهجمات على مواقع تضم جنوداً أميركيين، ومثل ذلك يحصل في اليمن حيث تتنكر الميليشيات المرتبطة بإيران لكل محاولات التسوية، وتواصل اعتداءاتها على المواطنين والسعودية، ويحصل مثله بطريقة أخرى في لبنان حيث يحتجز أنصار إيران التسوية والمحاسبة، ويشرفون على الانهيار الشامل.
لكن ملامح أُخرى تبرز مشيرة إلى محاصرة سياسات التوتير واحتمال تحقيق تسويات خصوصاً في لبنان وربما في اليمن، والانخراط الدولي والعربي أخيراً بخصوص الوضع اللبناني قد يكون تتمة “للمنعطف” الذي أرسته روسيا وأميركا لدى اتفاقهما في مجلس الأمن.