باسيل والخازن والرئاسة ثالثهما
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
في زمن الاستحقاق الرئاسي الذي دخلته البلاد من أوسع أبوابه فإن أيّ لقاء ثنائي أو جماعي لا بد أن يرتدي أبعاداً رئاسية فكيف إذا جمع مثل هذا اللقاء رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل بالنائب فريد هيكل الخازن عضو التكتل الوطني المستقل النيابي. قيل الكثير عن هذا اللقاء وحُمِّل أكثر مما يحتمل من أبعاد وإسقاطات مبالغ فيها أحياناً. فاللقاء كان مطلوباً عقده قبيل الانتخابات النيابية لكن الرأي استقرّ على أفضلية عقده بعد الانتخابات مباشرة كي لا يعطى أي طابع انتخابي لم يكن قابلاً للحصول أصلاً. وقبل أي اعتبار آخر فإن اللقاء أتى كجزء من حوارات فتحها التيار الوطني الحر مع عدد من الأطراف والشخصيات السياسية منها ما تم تظهيره الى العلن فيما الآخر بقي خلف الستار. وخلافاً لكل ما تردد فإن اللقاء لم يكن مرتبطاً بترتيب اجتماع ثنائي بين باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. طبيعة العلاقة ولا سيما بعد لقائهما معاً مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله تجعل إمكانية لقائهما قائمة في أي وقت من دون الحاجة الى وسيط وأي جدول أعمال يمكن ان يوضع بالاتفاق في ما بينهما.
لكن هذا لا يلغي وجود مسعى من الخازن لتقريب المسافات والتبرع بلعب دور يرتب علاقته مع باسيل مجدداً. يؤكد المطلعون على فحوى اللقاء أنه أنهى زمناً من القطيعة بين الخازن والتيار الوطني الحر من دون أن ينهي الخلافات العديدة في وجهات النظر وأن الخازن جزء من تكتل نيابي وطرف سياسي له حيثيته. لا ينكر الطرفان ان الموضوع الرئاسي حضر بقوة في الحديث المتداول دون أن يعني ذلك التداول بنقطة بعينها.
وبغض النظر عن النتائج فإن أي لقاء وتقارب مطلوب على عتبة الانتخابات الرئاسية وتتحدث مصادر مطلعة عن محاولات حثيثة بذلت لإسقاط آخر العوائق التي تحول دون عودة العلاقات بين «التيار الوطني الحر» و»تيار المردة» إلى سابق صفائها. وشكلت زيارة النائب الخازن إلى اللقلوق فاتحة لسلسلة مرشحة للتواصل بوتيرة مكثفة، علماً ان هذه الزيارة هي حاجة للخازن لفك عزلته الكسروانية، وأن اختياره فتح الخطوط مع التيار، تم على قاعدة «الكحل أفضل من العمى»، لأن لا «حيط عمار» بينه وبين «القوات اللبنانية» حالياً.
في ميزان الحليف المشترك اي «حزب الله» فإن ثمة تقاطع مصالح بأن تعود المياه إلى مجاريها بين الحليفين المسيحيين اي المردة والتيار الوطني الحر وضمن هذا الاطار اندرجت الإشارات الكلامية الإيجابية التي أطلقها باسيل إلى سليمان فرنجية، خصوصاً بعد لقائهما في ضيافة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وعلى اثر الانتخابات النيابية الأخيرة، إلا أن ذلك بقي في إطار الكلام الذي لم يترجم الى واقع بعد. زيارة الخازن لباسيل تفتح على هدفين، تزخيم حضور الخازن السياسي، ودوره في تدوير الزوايا بين مكونين مسيحيين أساسيين على عتبة الاستحقاق الرئاسي وهو الذي تربطه علاقة عائلية تاريخية مع بكركي.
منذ فترة ليست بعيدة يتصرف رئيس تيار المردة وكأنه بات على قاب قوسين أو أدنى من القصر الرئاسي. وفي اعتقاده أن الأجواء الاقليمية والدولية تصبّ في صالحه ما لم يحصل أي طارئ وان «حزب الله» سيفي بوعد أمينه العام لا محالة. الرئاسة التي تذوّق طعمها لدقائق معدودة قبل ست سنوات سيكون لوجوده خارجها اليوم تداعياتها على اكثر من جبهة وأهمها علاقته مع «حزب الله».يحرص تيار المردة على هندسة علاقته مع باسيل متحسباً للاستحقاق الانتخابي. تشكل علاقة كهذه ممراً طبيعياً الى قصر الرئاسة وضرورة ملحة شرط ان تكون على أسس متينة واضحة لا تلغي اي طرف ما يفسر على انه بداية اتفاق او تفاهم على آفاق المرحلة المقبلة بالتفاهم على سلسلة ملفات اساسية في البلد وقطع الطريق على أي ترشيحات محتملة.
وتقول أوساط متابعة للملف الرئاسي إن «حزب الله» يتعاطى بصبر وتأنٍّ شديدين مع هذا الملف، ويحاذر طلب الشيء قبل أوانه، وهو يعمل على طمأنة باسيل، وتعزيز التحالف معه، وتقديم كل الضمانات التي تحصن مستقبله السياسي بعد مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا في الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل. والحزب ينصح باستمرار فرنجية بعدم القيام بـ»دعسة ناقصة» غير متعمدة، تكون من نتائجها عودة العلاقة بين «الوطني الحر» و»المردة» إلى المربع الأول، إن لم يكن إلى نقطة الصفر.
ورئاسياً، ثمة من يخشى، ولأسباب مفاجئة وغير محسوبة، أن يتكرر في مواجهة ترشيح فرنجية «السيناريو» الذي ووجه به مخايل الضاهر في ايلول 1988، عندما اجتمع ميشال عون وسمير جعجع، على ما كان بينهما من حسابات دامية ومواجهات – على رفض ترشيح نائب عكار يومها، وقد تحديا التوافق الأميركي- السوري، ورسالة الإنذار التي وجهها الموفد الأميركي يومذاك: «مخايل الضاهر أو الفوضى» وكان ما كان من تطورات قادت لاحقاً إلى الطائف.
ورقة قائد الجيش العماد جوزاف عون موجودة، ولم تطوَ، في انتظار ما ستؤول اليه العلاقة الأميركية – الإيرانية. وفي ضوء نتائجها يتحدد الكثير من الأمور.
والسؤال المطروح: هل يمرّ الاستحقاق الرئاسي، أو ينتظر «معمودية نار» تحمل معها أسماء من خارج النادي المعروف تقود المرحلة المقبلة، على ما حصل بعد أحداث الـ 1958، وحرب السنتين 1975- 1976، أو حرب « التحرير» أو» الإلغاء» في العام 1990 مع فارق في نوعية الشخص الذي جاء به الطائف أول رئيس لجمهورية لبنان، فاعوج الاثنان معاً. منذ اليوم وقبل نهاية عهد ميشال عون كرّس باسيل نفسه لاعباً رئاسياً. لقاؤه مع الخازن يعد باكورة اللقاءات والحبل على الجرار.