الدول العربية تتقدم نسب إهدار الطعام في العالم بسبب غياب الوعي
النشرة الدولية –
في أبريل الماضي نشرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية مقطعًا دراميًا مصورًا تدعو فيه إلى عدم إهدار الطعام مرفوقا بهاشتاغ “النقص ولا الزود”، وتظهر في المقطع سيدة تلقي بفضلات الطعام في سلة المهملات فيما ينصحها صوت بأن النقص في الطعام أفضل من زيادة تُلقى في القمامة.
وتنتشر هذه الحملة التوعوية على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تحذير المواطنين من مخاطر هدر الطعام وتداعياته الوخيمة على الأمن الغذائي والبيئة، في ظل أرقام رسمية تشير إلى أن كمية الهدر الغذائي في المملكة تبلغ 4 ملايين و66 ألف طن سنويا بتكلفة تقدر بـ40 مليار ريال سعودي.
وعلى خطى السعودية التي لوّحت بفرض عقوبة مالية في حال تواصلت ظاهرة الإسراف والتبذير، تنتهج بقية دول الخليج العربي سياسة مماثلة للحد من هذه الظاهرة، حيث تحاول المطاعم في الإمارات الحد من إهدار الطعام من خلال إحدث تقنيات الخدمة الذكية والعمليات الصديقة للبيئة للحد من مخلفات الطعام دون المساس بشعور الوفرة في كميات الطعام المقدّم للزبائن.
وأطلقت الإمارات العديد من المبادرات التي تستهدف خفض معدلات هدر المواد الغذائية عبر نشر ثقافة ترشيد الاستهلاك بين جميع أفراد المجتمع. ويقدم بنك الإمارات للطعام الذي أسس عام 2017 نموذجا للتعامل مع فائض الطعام الطازج والمعلّب بإشراف الجهات المعنية المختصة.
يعزو الخبراء استشراء هذه الظاهرة في دول الخليج إلى ازدياد استهلاك الغذاء بنسبة 4.2 في المئة سنوياً؛ بما يتماشى مع نمو دخل الفرد ونصيب الفرد من الدخل، وذلك حسب تقرير صادر عن شركة “ألبن كابيتال” الاستثمارية في مايو 2019. كما فسّر التقرير هذا النمو بعوامل أخرى لا تقل أهمية مثل الزيادة السكانية وطبيعة هذه المجتمعات التي تميل إلى الاستهلاك والإنفاق الكبير على الطعام.
وفيما قطعت دول الخليج أشواطا مهمة في جهود الحد من إهدار الطعام، إلا أن دول المنطقة التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة تهدر أطنانا من الأغذية في القمامة سنويا، وتواجه تحديا في مقاومة هذه الظاهرة بسبب غياب ثقافة ترشيد الاستهلاك.
حسب تقرير أممي صادر في مارس الماضي عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يرمي كل شخص بالغ سنويا حوالي 91 كيلوغراما من الطعام في سلة المهملات. ووجد التقرير أن كل بلد تقريباً قد قام بقياس هدر الأغذية والذي كانت نسبته كبيرة بغض النظر عن مستوى دخل البلد.
ويظهر التقرير أن معظم هذا الهدر يأتي من الأسر المعيشية والتي تتخلّص من 11 في المئة من إجمالي الأغذية المتاحة في مرحلة الاستهلاك في سلسلة التوريد. وتهدر الخدمات الغذائية ومنافذ البيع بالتجزئة 5 في المئة و2 في المئة على التوالي. وعلى المستوى العالمي للفرد يتم إهدار 121 كيلوغراماً من الغذاء على مستوى المستهلك كل عام، ويحدث ما مجموعه 74 كيلوغراماً من هذا بين الأسر المعيشية.
وحسب بيانات الأمم المتحدة فإن نصف إنتاج العالم من الخضروات والفاكهة يتم إهداره كل عام. كما أن الطعام الذي يُهدر في العالم ينقسم إلى قسمين، الفاقد الغذائي الذي يضيع خلال مرحلة الحصاد حتى الوصول إلى تجار التجزئة، والهدر الغذائي وهو ما يُهدر بمرحلة تجارة التجزئة أو من قبل المستهلك النهائي.
وتتقدم الدول العربية نسب إهدار الطعام في العالم. وسبق أن أوضح تقرير للبنك الدولي أن مصر تتقدم بلدان شمال أفريقيا على مستوى إهدار الأغذية، ليليها السودان بـ4.16 مليون طن، الجزائر بـ3.91 مليون طن، المغرب بـ3.31 مليون طن، تونس بـ1.06 مليون طن، ليبيا بأكثر من 513 ألف طن، وموريتانيا بـ450 ألف طن.
ويأتي العراق في مقدمة البلدان المهدرة للأغذية في منطقة الشرق الأوسط بـ4.73 مليون طن، متبوعا بالسعودية بـ3.59 مليون طن، اليمن بـ3.02 مليون طن، سوريا بـ1.77 مليون طن، الأردن بـ939 ألف طن، الإمارات بـ923 ألف طن، لبنان بـ717 ألف طن، فلسطين بـ501 ألف طن، عمان بـ470 ألف طن، الكويت بـ397 ألف طن، قطر بـ267 ألف طن، والبحرين بـ216 ألف طن.
وكشفت بيانات التقرير أن مساهمة الفرد في إهدار الطعام تصل في العراق إلى 120 كيلوغراماً في العام، ثم السعودية ولبنان بـ105 كيلوغرامات، واليمن بـ104 كيلوغرامات، و100 كيلوغرام في موريتانيا، بينما تتجاوز 90 كيلوغراماً في البلدان الأخرى، وتصل إلى أدنى مستوى في ليبيا كي تستقر في حدود 76 كيلوغراماً.
وبين تقرير للبنك الدولي أن ما بين 14 و19 في المئة من إنتاج الحبوب في المنطقة العربية يتم هدره، في الوقت نفسه تعرف المنطقة هدر 16 في المئة من الخضر، و45 في المئة من الفواكه، و13 في المئة من اللحوم، و28 في المئة من الأسماك، و18 في المئة من الحليب، وفق تقرير للبنك الدولي.
وبموازاة ذلك قدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في تقرير سابق قيمة الخسائر على مستوى الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ250 كيلوغراماً للفرد الواحد في العام، وهو ما يمثل 50 مليار دولار بالنسبة إلى جميع بلدان المنطقة سنوياً.
وفيما يؤكد الخبراء أن ربع كمية الغذاء الذي يتم إهداره حول العالم سنويا تكفي لإطعام 870 مليون جائع بمختلف أرجاء الأرض، إلا أن ترشيد استهلاك الوجبات الغذائية يشكل تحديا للدول العربية. ويعزو هؤلاء استمرار هذه الظاهرة إلى غياب ثقافة مجتمعية تحفز سكان هذه الدول على عدم الإسراف في الطعام، وهو ما دفع في نهاية المطاف إلى إهدار دول المنطقة العربية أكثر من 40 مليون طن من الغذاء.
يجمع الخبراء أن غياب ثقافة ترشيد الاستهلاك وراء استشراء هذه الظاهرة في دول المنطقة، وليست الأسر وحدها مسؤولة عن هذا الهدر، بل أيضا النظام الاقتصادي الذي يحفز على الاستهلاك بدل الإنتاج.
وفي تونس التي تحتل المرتبة الثالثة في مؤشرات هدر الطعام بـ23.5 كيلوغراما من الطعام المهدور لكل فرد سنويا، يدق نشطاء المجتمع المدني ناقوس الخطر لعجز الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 على الحد من هذه الظاهرة بسبب انهماكها في المعارك السياسية فيما لم تعد قضايا الأمن الغذائي والبيئة تحتل سلم الأولويات.
وعي محدود
يشير خبراء إلى غياب الوعي لدى الحكومات بأضرار هذا الهدر فيما يكافح نشطاء بهدف التوعية ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك. وأوضح سليم سعدالله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في حديثه لـ”العرب” أن “الخبز يحتل صدارة المواد الغذائية المهدرة في البلاد”.
وكشف أنه وقع إهدار أكثر من 900 ألف رغيف خبز يوميا خلال شهر رمضان. وبرر ذلك بسبب ثمن الخبز الملائم لكل الطبقات الاجتماعية كون هذه المادة مدعومة من الدولة. وتابع “يقتني المواطن أكثر من حاجته من الخبز ثم نجده في سلة المهملات”، لافتا إلى أن المنظمة قامت بحملات توعوية مكثفة تحذر من مخاطر التبذير.
وحسب سعدالله طالبت المنظمة بنشر هذه الثقافة في المدارس والكليات للتخفيف من العادات الغذائية السيئة. وتوقع أن تأتي هذه الحملات بنتائج إيجابية وذلك بسبب ما فرضته الجائحة التي ساهمت في تغيير العادات الغذائية للمواطن.
وبرأيه فإن الظرف الاقتصادي الصعب وما نجم عنه من نقص في المواد الأساسية مثل الحبوب ساهم في نشر وعي بقيمة الطعام ومخاطر إهداره خاصة في ما يتعلق بالخبز.
واستنتج أن الجائحة والوضع الاقتصادي غيّرا بشكل إيجابي السلوك الغذائي ومعضلة هدر الطعام. وبالنسبة إلى المواطن غالبًا ما يكون الهدر ناتجا عن سوء الشراء والتخطيط للوجبات، والشراء الزائد للحاجيات الغذائية. أما في المتجر فترتبط أسباب هدر الطعام على مستوى البيع بالتجزئة بمدة الصلاحية المحدودة، والحاجة إلى تلبية المنتجات الغذائية للمعايير الجمالية من حيث اللون والشكل والحجم والتنوع في الطلب.
لكن بالنسبة إلى المنطقة العربية، فدوافع هذه الظاهرة تقف وراءها العوامل الاجتماعية والاقتصادية. ولفت ممدوح عزالدين أستاذ علم الاجتماع في حديثه لـ”العرب” إلى أن “هناك فرقا كبيرا في مستوى الاستهلاك بين الدول العربية والغربية، حيث يتقدم الغرب في نسب الاستهلاك وإهدار الطعام”.
ولاحظ أن الطبقة المرموقة هي الأكثر استهلاكا في الدول العربية. وفي تقديره تبالغ هذه الفئة في الاستهلاك لإبراز تميزها الطبقي وتموقعها الاجتماعي، في حين بدا جليا تراجع الطبقة المتوسطة في دول عدة مثل تونس والتي كانت سببا في التوازن الاجتماعي والاقتصادي لكنها اليوم تعاني بسبب تراجع المقدرة الشرائية، وعلى العكس تشكو اليوم من أزمة غذاء.
وبينما تقوم الثقافة العربية الإسلامية على التقشف والتوفير، إلا أن عدم بلورة مفهوم واضح للديمقراطية الاجتماعية القائم على توزيع عادل للثروة والسلطة، قاد إلى استشراء ثقافة الاستهلاك، حسب عزالدين. وبرأيه فإن “أغلب فئات المجتمع العربي غير منتجة وتعتمد التبذير”.
وفي تقديره فإن الإشكالية تكمن في انخراط المجتمع العربي في نظام اقتصادي ليبرالي عولمي يركز على الاستهلاك وتوريد المنتجات من الدول الغربية دون أن يكون لديه أي إنتاج خاص وذلك في ظل اقتصاد ريعي يفتقر إلى رؤية سياسية قائمة على العدالة الاجتماعية.
واستنتج “بات كل فرد يشعر أنه مهدد في وجوده لذلك عليه أن يفتك أكثر من الموارد، مادية أو رمزية بشكل شرعي أو غير شرعي”. وأمام هذه المعضلة وبينما ترتفع نسب الفقر في الدول العربية، يطرح خبراء تساؤلات بشأن كيفية الحد من إهدار الطعام في هذه الدول.
بخصوص الخطوات اللازم اتخاذها للحد من فقد وإهدار الغذاء يؤكد خبراء أن نجاح الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة فقد وإهدار الغذاء مرتبط بالتعاون بين القطاع العام وقطاع الصناعة والمستهلكين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والحفاظ على البيئة.
ففي فرنسا على سبيل المثال أعلنت الحكومة مؤخرا ضمن قانون مكافحة التبذير وإهدار الطعام عن إلزام أصحاب المطاعم باقتراح تقديم ما تبقى من وجبات طعام الزبائن في أوعية قابلة لإعادة الاستخدام. ويتضمن هذا القانون توعية الأطفال في المدارس على عدم التبذير ورمي الغذاء في النفايات، كما تتعهد المؤسسات باحترام هذه الإجراءات التي تأتي بعد حملة توقيعات حملت اسم “يكفي إضاعة للغذاء” وذلك بهدف توفير الغذاء اللازم لحوالي 10 ملايين فرنسي.
وبرأي هؤلاء على دول المنطقة الالتفاف حول هذه المبادرات العالمية لتشكيل وعي جديد لدى المستهلك، كما ستساهم مثل هذه المبادرات في القضاء على فقد وإهدار الغذاء في أماكن التخزين المستمر.
وبرأي الخبراء فإن تغييرات طفيفة يقوم بها المستهلك في حياته اليومية يمكن أن تساهم في الحد من فقد وإهدار الطعام. ولتقليل الإهدار ينصح هؤلاء المستهلكين باتباع حميات غذائية صحية مستدامة وتحديد أكثر أنواع الطعام التي يحدث بها الهدر أثناء الاستهلاك في المنزل وشراء الأطعمة على قدر الاحتياج فقط. وأيضا بالانتباه إلى بيانات المنتجات الغذائية الخاصة بمدة الصلاحية وظروف الحفظ والتخزين، إلى جانب توزيع الطعام الفائض الذي لا يزال صالحا للاستهلاك على المحتاجين بدلا من رميه.
وتأتي الدعوات للحد من هذه الظاهرة بسبب آثارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة. وتلفت الأمم المتحدة إلى أنه في وقت لا يزال فيه العامل المناخي متأخرًا عن الركب، ترتبط نسبة 10 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بالأغذية التي لا يتم استهلاكها، وذلك حين تتم مراعاة الخسائر قبل مستوى المستهلك.
وتقول إنغر أندرسن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “إذا أردنا أن نكون جادين في معالجة تغير المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي والتلوث والنفايات، يتعين على الشركات والحكومات والمواطنين في جميع أنحاء العالم القيام بدورهم للحد من هدر الطعام”.
وخلصت أندرسن بالقول إن “الحد من هدر الطعام سيقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وسيبطئ تدمير الطبيعة من خلال تحويل الأراضي والتلوث، ويعزز توافر الغذاء، ويقلل من الجوع في وقت الركود العالمي”.