رغم انتشارها الواسع… المجتمع السوري ينظر إلى ظاهرة المساكنة كسلوك منافٍ للأخلاق

النشرة الدولية –

بدأت ظاهرة المساكنة تزداد شيوعا في سوريا، وأصبحت نموذجا لحياة شباب ما بعد الحرب الغارقين في الأزمات المادية وصعوبة الارتباط والزواج، رغم أنها مازالت تعدّ خطيئة وإثما ومخالفة للدين والعقيدة والتقاليد.

وساهم ارتفاع التكلفة المادية للزواج التقليدي والملل من العادات القديمة، والرغبة في اكتشاف الآخر والحرية الفردية، يضاف إليها تلبية الرغبات الجنسية؛ في إقبال العديد من الشباب على المساكنة التي هي ظاهرة تلفّها السرية في الأغلبية الساحقة من حالاتها.

واتخذ البعض من الأصدقاء أو الشركاء العاطفيين قرارا بالعيش معا بلا عقود زواج، رغم أنّ القضية لا تزال مثيرة للجدل، وغير قانونية في سوريا.

ودفعت الرغبة في اكتشاف الشريك قبل الارتباط رسميا بناديا (25 عاما) لخوض تجربة المساكنة مع طارق (27 عاما) الذي ترك منزل عائلته قبل وقت طويل وقرر مع تعارفهما قبل عامين مشاطرتها هذه التجربة، إضافة إلى رغبتهما بقضاء أطول وقت معا تحت سقف واحد، دون أن يندما في ما بعد على قرار الزواج.

ويقتسم ناديا وطارق أجرة المنزل والمصروف والسرير كأي زوجين، إنما دون عقد زواج أو عرس وتقاليد عائلية. وقالت ناديا “تظهر المساكنة لي حقيقته التي لا يمكنني اكتشافها في الساعات القليلة التي سأقضيها معه خارج إطار المساكنة، فغالبا ما يقدم الطرف نفسه للآخر في العلاقات الأخرى بأبهى حلة وبصورة مثالية تكون منسلخة عن الحقيقة التي تبدأ بالتكشف تدريجيا بعد الزواج”.

شهدت المفاهيم الاجتماعية في سوريا في السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة ومن ضمنها مفهوم العلاقات على اختلاف أنواعها، وبات الشباب يتجرأون على الجهر بمعتقداتهم وأسلوب الحياة الذي يؤمنون به كاعترافهم بالمساكنة التي أصبحت ظاهرة ملحوظة حتى في المجتمعات المحافظة.

والمساكنة ليست حالة طارئة وغريبة عن المجتمع السوري، وإن كان مسكوتا عنها، بل هي ظاهرة موجودة في الأصل ولكنها برزت الآن بشكل علني وجريء أكثر من ذي قبل، نتيجة تحرر قسم كبير من الشباب من قيود الأهل والرقابة الاجتماعية التي كانت تمنعهم من المجاهرة بها كما يفعلون الآن.

وترفض ناديا النظرة السلبية العامة للمساكنة بوصفها علاقة عابرة لإشباع الجوع العاطفي والجنسي بين رجل وامرأة، فهي ترى أن الكثير من علاقات المساكنة تتسم بالجدية والالتزام الكلي مع الشريك “ربما أكثر مما يحققه عقد الزواج الرسمي، شريطة توفر الوعي والنضج بين الشريكين”.

ويتفق طارق مع ناديا في نظرتها للمساكنة، ويصف علاقته بها بـ”المتينة، المدفوعة بالحب والاكتفاء بها عاطفيا وجنسيا، والالتزام الطوعي، وليس القسري المتجسد بورقة الزواج”.

وأضاف “برأيي تمثل المساكنة منتهى الالتزام لأي علاقة حب بين شخصين يتقاسمان الحياة بكافة تفاصيلها وأعبائها المادية، وبقاؤنا معا ناجم عن قرارنا الشخصي، ورغبة باكتشاف طباع وعادات بعضنا إلى حين اتخاذ قرار الزواج لاحقا بشكل رسمي وفي الوقت المناسب”.

ووفق تجارب الشباب المتساكنين هناك ثلاثة أنواع من المساكنة، الأول المساكنة الجزئية وهي التي لا تتضمن علاقة جنسية، أي أن الطرفين مرتبطان ببعضهما عاطفيا ويسكنان تحت سقف واحد لكن لا توجد علاقة جنسية بينهما.

وهناك المساكنة الكاملة التي يعيش فيها الطرفان حياتهما كأي زوجين، ويمارسان العلاقة بشكل كامل، والنوع الثالث هو تشارك السكن فقط دون وجود علاقة عاطفية أو جنسية بين الشاب والفتاة وهذا عادة يكون لأسباب اقتصادية لعدم قدرة شركاء السكن على دفع إيجار بيت مستقل خاص بهم.

ويرى خبراء الاجتماع أن المساكنة تفرض نفسها بشكل أو بآخر على المجتمع، وهو إن كان يرفضها نظريا لكنه يطبقها عمليا. لأن طبيعة العلاقات الحديثة بين الشباب تفرض تعدد أشكال العلاقات العاطفية وعدم بقائها محصورة بشكل واحد وهو الزواج التقليدي.

كان الشباب في سوريا يلجأون إلى المساكنة سابقا قبل الحرب لعدة أسباب من بينها التمرد على القيود أو لكسر المحرّمات، أو كتعبير عما يؤمنون به ويعبّرون عنه. ورغم أن المجتمع السوري لا يتقبل المساكنة في المجمل، لكنها موجودة وإن كانت لم تصل إلى مرحلة المجاهرة بها أو عدم السعي لكشفها، مع العلم أن الكثيرين بدأوا في الدفاع عنها كخيار شخصي لهم.

واليوم اختلف الأمر مع سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وصعوبة اتخاذ قرار الزواج وإنشاء عائلة، فبدت المساكنة الحل الأمثل للكثير من الشباب.

ومن وجهة نظر هؤلاء فإن البلاد تمرّ بأوقات صعبة على الصعيد المعيشة، وجيل الشباب لا يمكنه أن ينتظر الأوضاع لتتحسّن حتّى يتمكّن من اختيار شركاء حياتنا والبدء معهم من جديد، وفي الوقت ذاته ليس بإمكانهم الإقدام على خطوة كالزواج في أوضاع كهذه لا يعلم فيها أحدهم إذا ما كان سيبقى غدا في البلاد أو سيرحل.

بالتأكيد لا تزال ظاهرة المساكنة في المجتمع السوري دون اتفاق على إنجاب الأولاد كما هو الحال في المجتمعات الغربية.

ويفسر بعضهم ازدياد ظاهرة المساكنة في المجتمع السوري بوجود ظروف أخرى أيضا تتعلق بالاستقلالية وعدم فقدان الحرية وفي نفس الوقت تلبية الرغبة الجنسية الناشئة بشكل طبيعي بين الطرفين بما يتناسب مع الظروف الحالية وتأجيل فكرة الزواج الرسمي وعدم اعتبارها كشرط أساسي لإقامة العلاقة الحميمية.

تبدو المساكنة في الكثير من المجتمعات أمرا طبيعيا أو بديهيا لا نقاش فيه، ولكنها تعد في المجتمعات الشرقية “سلوكا منافيا للأخلاق”، وذلك من منطلقات دينية بالدرجة الأولى ومجتمعية بدرجة أخرى.

وفي سوريا التي ينزع مجتمعها نحو العلمانية في ظل موجات من التطرف الديني اكتسحت البلاد خلال سنوات الحرب تبدو هذه الظاهرة قابلة للحياة في مراكز المدن الكبرى فقط، في حين لا يمكن أن تكون موجودة في غالبية مجتمعات سوريا المحافظة الضيقة بعض الشيء.

تتفق الديانتان المسيحية والإسلام على رفض المساكنة والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وتعتبران أنّ سكن شخصين مع بعضهما من غير عقد زواج غير شرعي هو زنا، باعتبار أنّ المساكنة تشجّع على الرذيلة. فالزواج في المسيحيّة عقد وعهد وهو غير متوفر في المساكنة، فيما الإسلام يشترط لسكن رجل وامرأة تحت سقف واحد أنّ يكون بينهما عقد شرعي أي الزواج، حفاظا على الأسرة والمجتمع.

وأحيانا يكون اختلاف الدين هو السبب لاختيار المساكنة. فبدلا من قيام أحد الطرفين باعتناق دين الآخر أو السفر إلى دولة أخرى للزواج مدنيا، فإن المساكنة هي الحل الأنسب بالنسبة إليه. ويبقى هناك السبب الأقل شيوعا لدى بعض الشباب وهو الانتصار للحب والتمرد على العادات والتقاليد والوقوف بوجه مجتمعات لا تشبههم. لكن حتى هذه الفئة لا تجاهر بما تقوم به.

وتتنوع آراء الشباب عموما حول هذه التجربة، فمنهم من يتقبّلون هذا الأمر ويعتبرونه حرية شخصية، ومنهم من يضعونه في مرتبة الاختبار الذاتي، تأكيدا منهم على أنّ العلاقة الثنائية – العاطفية لا يمكن أن يسبروا أغوارها إذا لم يعطوها الوقت الكافي، وهذا لا يتحقق حسب وجهة نظرهم إلا من خلال العيش في بيت واحد، واكتشاف إيجابيات الارتباط وسلبياته، وهناك شريحة ليست قليلة تلجأ إلى هذا الخيار بسبب صعوبة الأوضاع المادية، وعدم رغبتها في تقاسم السكن مع غرباء.

عند استطلاع آراء الشارع السوري، اعتبر أحد المواطنين أن المساكنة تعتبر حلا “ولكن ليس في مجتمعنا وإنما في أوروبا”، بينما تقبل بعض المواطنين هذا الأمر وقالت إحدى الفتيات “لا أعرف في ما لو كنت أنا قادرة على تطبيقها”.

واعتبر آخرون أن المساكنة تساعد الشاب في ظل هذه الظروف الحالية الصعبة، وقال أحدهم “إن المساكنة لها جوانب إيجابية كثيرة تتمثل في غياب ظاهرة المصلحة في الزواج ويكون الثنائي في هذه الحالة غير مرتبطين رسميا وكل طرف ليس مأسورا بالآخر”.

وعبرت فتاة شابة عن تأييدها لهذه الفكرة “ولكن المشكلة تكمن في تقبل المجتمع لها”.

وفي رأي حيادي لإحدى الفتيات قالت “كل شخص له الحرية في وجهة نظره خصوصا وأننا لا نعلم جميعا مكنونات وظروف كل شخص في هذه الحياة”.

وقال أحد الشبان “بعد كل ما نراه في الشارع من ظواهر لم تكن مألوفة في المجتمع السوري فإن الأفضل في هذه الحالة أن تكون في البيوت وبعيدا عن الأنظار، فذلك أفضل للجميع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى