انفجار لم يهزّ ضمائرهم: أيمن نور الدين: بطل رقّاه القدر الظالم من ملازم الى نقيب شهيد
النشرة الدولية –
لبنان 24 – لينا غانم –
يواصل “لبنان ٢٤” نشر سلسلة حلقات عن انفجار مرفأ بيروت وقصص ضحايا ذاك النهار المشؤوم ٤ آب ٢٠٢٠
“يا حبيبي يا خيي…يا وجع العمر …كسرتلي ضهري…” هي العبارة التي خطّتها ثروت نور الدين على جدار الحزن الحارق المواجه لمرفأ بيروت. ثروت كتبت، لكنها لم تستطع إكمال قراءة تقرير الطبيب الشرعي عن سبب وفاة شقيقها النقيب في الجيش أيمن نور الدين، شيء ما دفعها لتفادي قراءة التفاصيل الموجعة في التقرير. هي أرادت أن تحتفظ في ذاكرة الألم الأزلي بصورة أخيها أيمن كما عهدتها، صورة الشاب الوسيم والطموح والمتفوق في دراسته، في المدرسة الأكاديمية والجامعة و المدرسة الحربية.
الضابط أيمن كان آخر العنقود لعائلة مؤلفة من خمسة أبناء وبنات تربّوا في كنف أم علي وأبو علي على المودة وحب العائلة والطبيعة التي رسموا خيوطها الملونة من جذور وتراب بلدتهم الجنوبية “النميرية”، تراب “مرج الوفا” الذي احتضن في اليوم الثالث بعد إنفجار آب المشؤوم أيمن مع ثلاث نجمات فوق كتفيه، نجمات “الشرف والتضحية والوفاء” لتضيء ظلمة قبرٍ مفتوحٍ على رياض جنّة وخلود.
بصوت ثابت يعتصر وجع العمر تروي ثروت تفاصيل مفارقة لا يجيد سوى القدر الغاشم حياكتها ببراعة مبكية،إذ بعد ثلاثة أيام على مرسوم ترقيته، إحتفل أيمن بمراسم هذه الترقية عند الساعة الثانية والربع من بعد ظهر يوم الرابع من آب، حيث علًق النجمة الثانية ليرتقي الى رتبة ملازم أول قبل أربع ساعات فقط من وقوع إنفجار المرفأ، وعند السادسة وسبع دقائق إرتقى الى رتبة نقيب شهيد.
عند الساعة الخامسة والنصف من عصر ذاك اليوم الطاعن في الظلم والقهر، إتصلت ثروت بشقيقها الذي كان في مركز عمله داخل حرم المرفأ، سألته أمراً ما فردّ بالإيجاب على طلبها لتسمع منه آخر عبارة عبر الهاتف ” إتكلي على الله”.
وعلى الله كان اتكال العائلة والأشقاء والأهل بعد وقوع الإنفجار لمعرفة مصير إبنهم الذي روى لهم من رآه خلال اللحظات الأخيرة أن “أيمن شاهد الحريق الذي اندلع فاتصل بقائد فوج المدفعية لإبلاغه، وبعدها إندفع بإتجاه مكانه أمام جنوده الإثني عشرة الذين لحقوا به لكنهم لم يدركوه.
بقي هاتف أيمن يرنّ وقتاً طويلاً بعد وقوع الإنفجار وما من مجيب،وعند سؤال الأشقاء الذين هُرعوا أمام بوابة المرفأ عن مصير أخيهم كان الجواب خادعاً بنيّة تطمين الأهل ” عم بيساعد الجرحى”.
يوم شُكّل أيمن الى مركز عمله في المرفأ قبل شهر من الإنفجار، فَرِح الوالدان وأهل البيت إذ اعتقدوا أنهم سيتمكنون من رؤيته لفترات أطول على اعتبار أن المرفأ قريب من منزله، فهو بعد تخرجه من المدرسة الحربية في العام ٢٠١٧، أُلحق بفوج المدفعية، ثم غادر الى الولايات المتحدة الأميركية مدة ستة أشهر في دورة تدريبية تخرّج منها يوم عيد ميلاده في ٢١ أيار، وبعد عودته شُكل الى عكار ثم الى صيدا ليلتحق بعدها بدورة رماية في العاقورة.
أيمن المناقبي والإنضباطي منذ الصغر، بحسب قوانين “الكشاف اللبناني” الذي كان ينتمي اليه، تابع دراسته الجامعية online بعد التحاقه بالمؤسسة العسكرية وقبلها درس المعلوماتية، كان يخطط مع صبية جميلة لتأسيس بيت وبناء عائلة، صبية لا تزال تزور أهله، بعد أحد عشر شهراً على ضياع حلمها الذي احتواه نعش أبيض يغفو فيه أيمن ” عا تلة بتضلّ تصلّي….ومغطّى بعلم لبنان”.