“أسياد الحريري”: قصّة العبارة التي نسفت تشكيل الحكومة
بقلم: فارس خشان

 

النشرة الدولية –

يوم الخميس ١٥ تموز(يوليو) 2021، في باحة القصر الجمهوري في بعبدا، اعتذر الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، بعد 266 يوماً على تكليفه، بصفته “المرشّح الطبيعي”.

قبل ذلك، وتحديداً، يوم الإثنين 12 تموز 2021، وعلى أثير إذاعة “النور” الناطقة باسم “حزب الله”، أعلن رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد، بلا مواربة، سقوط تكليف الحريري، بقوله، جهاراً نهاراً: “حاول الحريري أن يتعايش مع أكثرية مناهضة لمشروعه، لكن غلبه أسياده في ما بعد (…) ولم يعد هناك فرصة لتشكيل حكومة تنهض بالوضع الاقتصادي”.

عندما نطق رعد بموقفه هذا، لم يكن الحريري قد اقترح بعد تصوّره الحكومي الذي شكّل رفض رئيس الجمهورية ميشال عون له، مبرّراً للإحراج والإخراج فالاعتذار.

إنّ كلام رعد هذا يتضمّن سرّ العملية المدروسة التي أدّت إلى “إبعاد” الحريري، وهو يذهب الى أعمق بكثير ممّا قدّمه عون والحريري من سرديات.

في كلامه هذا، سجّل رعد عودة علنية ل”حزب الله” الى التعاطي مع الحريري، بصفته اداة ل”مشروع خارجي”، يتحرّك، وفق مشيئة “أسياده”.

 من هم “أسياد الحريري” هؤلاء؟

تبيّن مراجعة مواقف المحسوبين على “حزب الله”، مباشرة أو غير مباشرة، أنّ “أسياد الحريري” هم: الأميركيون، الفرنسيون، المصريون، السعوديون والإماراتيون.

ووفق جماعة “حزب الله”، فإنّ “أسياد الحريري” يتآمرون على لبنان لوضعه تحت وصاية دولية تتستّر بأدوات داخلية!

وتعيد عبارة “أسياد الحريري” الزمن الى ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥، عندما أطلق رئيس النظام السوري بشّار الاسد عبارته التحقيرية الشهيرة ضد الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، اذ قال إن الأول هو “عبد مأمور” عند “عبد مأمور” هو الحريري.

يومها، اتّهم الأسد القيادات اللبنانية المناوئة له أنّها أدوات لبنانية في خدمة مشروع تدويل لبنان ونقله في اتجاه إسرائيل.

وليس ثمة فرق فرق حقيقي بين الاسد و”حزب الله”، فالجهتان تنتميان الى محور واحد وتتحدثان من منطلق واحد ويستخدمهما مشروع واحد، ويتوسّلان عقيدة ترهيبية واحدة.

ماذا تعني عودة “حزب الله” الى أدبيات “العبيد” و”الأسياد” التي مهّدت لإسقاط تكليف الحريري؟

تتخطى هذه المسألة شخص الحريري، لتنال روحية الحراك الدولي الذي نشط، في الاسبوعين الاخيرين، على ايقاع تفاهم اميركي-فرنسي كان قد غاب، طوال ولاية الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وشمل دولاً عربية مهمة مثل مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، وسط جدية تهدف الى توفير مقوّمات الصمود للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ومؤسسات المجتمع المدني، بصفتها ضامنة لاستمرارية لبنان، في حمأة تهديم الدولة.

ولم يخرج الاهتمام الدولي بتشكيل حكومة عن ثابتة تقضي بأن تكون تشكيلتها قادرة على جذب ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته النقدية وصناديقه الإستثمارية.

وإذا تمّ عطف كلام النائب محمّد رعد ومن يدور في الفلك نفسه على روحية الحراك الدولي، يصبح مؤكّداً أنّه، بمفهوم “حزب الله” أنّ وجود حكومة بهذه المواصفات، ليس سوى مؤامرة تستهدف نقل لبنان ليكون “الجندي الصغير” في جيش “محور الممانعة” الكبير.

وكان الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله قد مهّد لإفشال الحراك الدولي بأن اشترط على القيادات اللبنانية التي ترغب بأن تتعاون معه إلى إسقاط مفاعيل “الرصاصة” التي يُهدّد بها الأميركيون والفرنسيون “معرقلي المسار السياسي” في لبنان، من خلال عدم الخشية من إدراجها على لوائح العقوبات، مطلقاً عليها “لوائح الشرف”.

وكان هذا الشرط الذي ترافق مع تأكيد نصرالله أنّ “أيّاماً قليلة تفصلنا عن وضوح الصورة بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة”، هو “الإنذار الأخير” للحريري، ليخرج نفسه نهائياً من عباءة “أسياده”، وينتمي، بصورة كاملة، إلى “تيار لوائح الكرامة”.

إنّ “حزب الله” في زمن لم تعد فيه الجمهورية الإسلامية في إيران تحتاج الى “قناع” الإصلاحيين، للتفاعل مع المجتمع الدولي، لم يعد هو الآخر في لبنان، يحتاج الى سعد الحريري اليوم.

وكما أنّ النقاش في إيران يحتدم، حالياً، بين تيارين كبيرين، الأوّل يمثله المتشددون الذين يرفضون كل إنقاذ اقتصادي يأتي، بفعل التناغم مع المجتمع الدولي، والثاني يمثّله الإصلاحيون المنادون بالعكس، كذلك الأمر في لبنان، حيث يقود “حزب الله” تيّار “التحدّي” المتدثّر بشعارات طنّانة رنّانة.

ولكن، ماذا يريد “حزب الله” من وراء تقديم توجهه المتشدّد الى الواجهة، في هذه اللحظة الإقليمية والدولية؟

بغض النظر عن مشروع “حزب الله” النهائي الهادف الى نقل لبنان الى موقع آخر، فإنّه، في هذه اللحظة، لن يسمح بإحداث أي تعديل على ميزان القوى “الطابش” لمصلحته، لأنّ هذه الفترة تلزمه أن يُبقي لبنان في وضعية “المتراس” لا أن يساهم في نقله الى وضعية “الدولة.

ولفهم هذا التوجه لدى “حزب الله”، يجب التوقف مليّاً عند النقاشات المحتدمة في إسرائيل وفي الإطلاع على المفضوح من اتصالاتها الدولية، اذ إنّ هناك تمحيصاً حقيقياً، لجدوى وإمكانية توجيه ضربات عسكرية ضد إيران تستهدف برنامجها النووي، الأمر الذي سوف ينتج مواجهة مع “حزب الله” في لبنان.

وتُحاكي إسرائيل سيناريوهات حرب جديدة محتملة على جبهتها الشمالية، بهدف الردع وإلّا بهدف التهيئة.

وعليه، فإنّ “حزب الله” يرفض، في إطار تعزيز جهوزيته ضمن “الأجندة الإيرانية”، دخول المجتمع الدولي الى لبنان، بمشروع من شأنه أن يلزم الجميع بتحييد أنفسهم عن حروب المنطقة وصراعات المحاور، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به “حزب الله”، بأيّ معيار من المعايير.

ولم يعد الحريري، على الرغم من ليونته “السيادية”، يلبّي تطلعات “حزب الله”، بمجرّد أنّه رفض تشكيل حكومة تراعي شروط “حزب الله” واستراتيجيته الحربية، على اعتبار أنّ نجاحه، بعدما وصل رصيده الى أدنى مستوى، معقود على تشكيل حكومة جاذبة للمساعدات والإستثمارات والقروض العربية والدولية. بمعنى آخر، إنّ الحريري كان يتطلّع الى أن يكون في لبنان، مثله مثل مصطفى الكاظمي في العراق.

ولكن، التمثّل بالكاظمي، بذاته، بدأ يثير استياء “حزب الله”، لأنّه لا يبحث عمّن يراعي “خواطره”، بل عمّن ينفّذ مشاريعه.

إن رئيس الجمهورية ميشال عون، في هذا الإطار، ليس سوى عامل ثانوي، وقد استخدمه “حزب الله”، بداية، في التعطيل، قبل ان يستعمله، اخيراً، في “التهشيل”.

ولم ينطق عون أمام الحريري بعبارة ” لا يمكن أن نتفاهم”، إلّا بعدما تلقى الضوء الأخضر من “حزب الله” لتنفيذ عملية “التخلّص” من الحريري.

وهذه القراءة لخلفية اعتذار الحريري ليست غائبة عن دوائر القرار مطلقاً.

ويقول مسؤول فرنسي يرفض كشف هويته:” نحن لسنا سذّجاً، ونعرف، بالتحديد، موقع “حزب الله” ودوره”.

اذن، والحالة هذه، لماذا قام مسؤول ملف لبنان في الخلية الدبلوماسية في قصر الاليزيه باتريك دوريل بزيارة محمّد رعد؟

يجيب:” حتى يقنعه بأن يجمّد حزبه ما ينوي فعله، ويذكّره بما كان قد قاله له الرئيس ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر من أنّ الشعب اللبناني لم يعد يحتمل أن تتم التضحية بمصالحه من أجل مشاريع خارجية، وأن المسعى الفرنسي سوف يخدم، ايضاً، الفئة التي يمثلها “حزب الله”، وهي تعاني، كما غيرها، الأمرّين”.

ولا يحتاج فشل دوريل في مهمته هذه الى أيّ دليل، وهو، في الاساس، انطلق نحوها بشبه يأس، لأنّ “حزب الله” يستخدم الشعب لمصلحة خطته ولا يعدّل في خطته لمصلحة الشعب.

وما يقوله المسؤولون الفرنسيون، في الكواليس، يقوله الاميركيون في العلن، وقد أشارت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول الى أنّ “حزب الله”، مستفيداً من الدعم الايراني المستمر، “يريد إبقاء لبنان ضعيفاً، وتقديم بديل عن الحكومة اللبنانية الشرعية”.

وعليه، فإنّ “حزب الله” أدخل لبنان في مواجهة قاسية جداً، في ظروف مأساوية جداً.

ولا يبدو أنّ المآسي تقلقه، فهو لم يبحث يوماً عن رضى الناس، بل عن القوة التي تخضع الناس له وتضطرهم الى استجداء رضاه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى