الفن يُعيد الحياة إلى لبنان من وسط الركام…. الخط العربي يحتضن بيروت قُبيل الذكرى السنوية لجرحها الحيّ

النشرة الدولية –

نظّمت ونفّذت مؤسسة “خولة للفن والثقافة” الإماراتية معرضا مميّزا في بيروت تحت عنوان “مهرجان الخط العربي”.

وجاء المعرض ضمن أجواء تعاليم التباعد الاجتماعي والإصرار على الإبقاء على الكمامة الوقائية ضد انتشار وباء كوفيد – 19، إن من ناحية توصية الفنانين والزائرين بذلك أو عبر هندسة وتنظيم مساحات العرض بطريقة فنية. وساهم اختيار أربعة فنانين فقط لكي يشكّلوا هذا المعرض في تخفيف الاكتظاظ وسهولة التنقل بين الأعمال.

مبادرة ملهمة

رولا دليقان أمام إحدى لوحاتها المحتفية بالخط الكوفي
رولا دليقان أمام إحدى لوحاتها المحتفية بالخط الكوفي

تعدّ مؤسسة “خولة للفن والثقافة” المنظّمة والحاضنة لمهرجان الخط العربي ببيروت من أكبر المؤسسات الثقافية التي مدّت نشاطها بعيدا خارج الإمارات لتحتضن الفن الصاعد عبر توفير كافة المقوّمات الأساسية لتمكين الفنانين ولإغناء عملهم وضمان استمراريته في زمن تزول فيه المؤسسات الثقافية، ويصعب على الفنانين عرض أعمالهم، وذلك بشكل خاص إثر وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم بشكل عام وبالمنطقة العربية بشكل خاص، لاسيما بعد انتشار وباء كوفيد – 19 الذي يُخاف من عودة انتشاره تحت مُسمى متطوّر آخر. وهي تنوي أخذ هذا المعرض إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

ومعروف عن هذه المؤسسة اهتمامها بالخط العربي وتطوّره كفن أصيل وكحمّال للغة التواصل ما بين الشعوب العربية.

وحين نكتب كلمة “مميّز” فليس المقصود وضع كلمة “مائعة” يُمكن أن تُطلق على أي معرض يمكن إقامته في أي وقت كان، وخاصة إن كان معرضا فنيا مُشتركا كالذي نحن بصدده.

فكما لا يخفى على أحد، أن أي معرض يُقام تحت مُسمى “الخط العربي” على الأقل في لبنان، يُحيلنا مباشرة إلى كونه سيكون معرضا تقليديا كغيره.

معرض فيه حشد من أسماء معروفة لبنانية أو عربية لا زالت تُقدّم ما لديها من كلاسيكيات فن الخط أو ذاك المُتفرّع عنه الذي تمثّل في تأليف أشياء وكائنات ومشاهد من “مادة” الخط وأساسياته، والذي هو، وعلى جماليته في أحيان كثيرة، لا يُقدّم أي جديد ولا ينخرط في صلب نبض العصر وهمومه.

لكن تميّز معرضنا هذا يجيء من كونه ليس حاشدا بالمعنى المتداول للكلمة، بل ضمّ ما يقارب 25 عملا فنيا لأربعة فنانين معاصرين، هم فنانون محترفون يقيمون في بيروت. هؤلاء، وحسب ما تدلّ عليهم أعمالهم اتصلوا بروح الخط العربي عبر “سؤاله” عن حاله وأحواله في هذا الآن المُتلبّد.

معرض معاصر

الخط العربي يكتب حكايات بيروت في الزمن الراهن
الخط العربي يكتب حكايات بيروت في الزمن الراهن

على الرغم من التباين لناحية القيمة الفنية للوحات، جاءت كل الأعمال على مستوى يليق بأن يؤلَّف منها معرض مُعاصر بكل ما تعني الكلمة من معنى، إن من ناحية دمج الألوان المُستخدمة، أو لناحية الأفكار المطروحة بصريا، أو لانسيابية الخط الذي تكسّر وتمدّد وارتجّ دون أن يفقد أي عنصر من عناصر أصالته.

وقلة عدد الفنانين الذين عرضوا أعمالهم ساهمت في تسليط الضوء على خصوصية منجزهم واختلافه عن بعضه البعض، وبذلك جعل العرض غير معني بأن يأخذ شكل “بازار” (سوق) فني يختلط فيه الحابل بالنابل، الطالح بالصالح.

أما الفنانون المشاركون فهم: الفنان فادي العوّاد الذي اعتبر المعرض “رسالة حب من الإمارات إلى بيروت ولفتة كريمة من الشيخة خولة بنت أحمد بن خليفة السويدي، للمساهمة في تمتين الحياة في بيروت بشكل عام ودرج مار نقولا بشكل خاص”.

وأيضا الفنان غالب حويلا الذي ذكر بأن أعماله فيها الكثير من الصوفية والأفكار الفلسفية، والفنانة رولا دليقان التي يظهر في أعمالها عشقها للخط الكوفي، والفنان الأميركي أفيريت باربي الذي يعيش في لبنان منذ أكثر من عشرة سنوات وتلقى دراسته في الخط العربي في سوريا قبل أن يجيء إلى بيروت ليعمّق معرفته وتجربته في الفن الحروفي.

الفنانون الأربعة المشاركون في المعرض اتصلوا بروح الخط العربي عبر سؤاله عن حاله وأحواله في هذا الآن المُتلبّد

وما يجعل المعرض مميزا إلى جانب كل ما تقدّم، هو المكان والزمان اللذان اختارهما منظموه، حيث تم اختيار درج مار نقولا الذي يبعد بضعة أمتار عن موقع انفجار بيروت ليكون الفضاء الحاضن للمعرض، أما الزمان فأتى أياما قليلة قبل مرور سنة عن الانفجار المروّع.

وعن هذا الاختيار قالت ممثلة مؤسسة “خولة للفنون والثقافة” في لبنان ريان حقي “ترتكز مهمة المؤسسة على الحفاظ على الفن والثقافة في العالم العربي والشرق الأوسط، لاسيما فن الخط العربي. وأتى اختيارنا للبنان ومدينة بيروت تحديدا انطلاقا من هويتها المعروفة كمدينة للفن والثقافة رغم صراعاتها، وهو وسيلة فعالة لمساعدتها على استعادة بريقها وإعطاء جرعة أمل للبنانيين لتخطي الصعوبات التي يمرون بها”.

وأضافت “أي مكان هو أفضل من درج مار نقولا المعروف أيضا بدرج الفن الذي كان شاهدا على انفجار الرابع من أغسطس الماضي لعرض أعمال فنية تدبّ الحياة في أهلها وأهل بيروت من جديد؟”.

Thumbnail

أما حول الهدف من هذا المعرض فأكّدت، قائلة “يهدف هذا المعرض إلى إعادة الحياة الثقافية لمدينة بيروت والهوية الحقيقية للبنان كمنارة حضارية وفنية للشرق، وهو معرض يتضمن رسائل قوية وجريئة عن الأمل والحرية”.

صحيح بأن هذا المعرض أحدث ألقا في بيروت المنكوبة غير أنه ليس أول حدث فني تشهده الجميزة ولا العاصمة، كما ذكرت ريان حقي، بل واحد منها.

ففي وسط الردم تعاضد الفنانون وأقيمت المعارض، بعضها منبثق من معنى الحدث وبعضها أُعيد إتمامه بعد الجريمة التي لم يكشف حتى اللحظة عن المتسبّب في وقوعها، في ظل غياب التحقيق الجدي، وذلك لأسباب معروفة للبنانيين تتلخّص في فساد السلطة المستشري.

وبيروت ليست بحاجة، تماما، إلى أن “يُعاد إليها مركزها في عالم الفن ولا تأمين ما لم تفقده أصلا، أي كونها منارة حضارية وفنية للشرق”، لكن هذا المعرض جاء ليضيف إلى تألقها، ألقا إضافيا.

ألق وتألق راكمته لبنان عبر العديد من السنوات، ألق انبعث منها، تماما، لأنها وفّقت ما بين الموت والحياة في أكثر من مناسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى