عودة الى ثقافة “نهر الجنون”
بقلم: فلك مصطفى الرافعي

النشرة الدولية –

نقلاً عن موقع الشراع –

في فيديو مبكي انتشر بكثافة  يقف رجل  معروف من طرابلس ،اب مقهور يصرخ وسط الشارع بحرقة ان ابنته الصغيرة تعاني من سكرات الموت نتيجة إصابتها بإلتهابات مضنية ولم يجد في الصيدليات مضاد حيوي يوقف زحف الرحيل القاسي …..

يبكي، يخرج عن وقاره وفي حالة من التوتر المفهوم والمعذور ،دواء رخيص الثمن مفقود او محتكر حبيس المستودعات يناشد بلهفة طالبا الإنقاذ المرتجى ،لعلّه كان ينتظر ان تفديه السماء بكبش سمين يوقف سكين الموت عن رقبة فلذة كبده ، فقد كان آخر فداء لأبي الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام لينجو بامتثاله للامر ولده اسماعيل والفداء كان في اللحظة الحاسمة.

وقد عالجت السماء قضية القرابين والغت مفاعيلها خاصة ان القربان الاول المرفوض حمل “قابيل ” على قتل اخيه “هابيل” ، ونهر الجنون البشري من وقتها يقدّم قرابين سوداء من نسل القاتل ،  والضحايا من نسل الدم المظلوم…

ونحن اليوم على عتبات ايام الأضاحي والمواطن الضحية يتعرّق لارتفاع منسوب نهر الجنون بحثا عن دواء ورغيف ومخزون من الوقود لقضاء حوائجه الملحّة ،بحاجة الى امان في تفلت وحشي لحراس نهر الجنون ،مواطن يتلقى صفعات “لا دواء ،لا أسرّة ويافطات على مخابز مقفلة بسبب نفاد مادة المازوت… والجنون يستعيد ويستذكر شخصية “غوبلز”وزير الفوهرر هتلر الذي افتى بالكذب والكذب ربما يجد من يصدقه، وهذا حال الناس من الوعود الكاذبة من تاجر محتكر، من مؤسسة رسمية او خاصة ويعاني من سحنة مسؤول يشوش شاشة المرئي.

قديما كتب الفيلسوف الالماني “نيتشيه”في رواية من وراء الخير والشر قائلا “من النادر ان يصاب الافراد بالجنون ،  ولكن ليس من النادر ان تصاب به المجموعات والاحزاب والعصور ..” ، وها نحن اليوم نعاني كشعب كامل بكل ما يوصلنا الى الجنون .ثم يخوض الاديب العربي الكبير “توفيق الحكيم “لوضع قصة نهر الجنون و”ضرورة الإختيار”حيث لا امكنة وسطى بين العقل والجنون …..”

تحكي القصة ان ماء نزل من السماء في نهر مجتمع ما فكان كل من يشرب منه يصاب بالجنون ،  وليس هذا فحسب بل انه يعتقد جازما ان من لايشرب من النهر هو المصاب باللوثة ، حتى زوجة الحاكم شربت وآمنت ان زوجها حاكم البلد “ووزيره الاول” غير جديرين بالحكم وبدات الناس بالتململ والتجمع لازاحة الحاكم او قتله مع حاشيته وادرك حينها المسؤول انه المقتول لا محالة ليفاجأ بالوزير يسر في اذنه ” مولاي …هيا بنا نشرب “… لتبقى المعضلة من هو المجنون حقا والناس على يقين ان الحاكم وبطانته هم الذين فقدوا بصائرهم وعقولهم.

ونهر الجنون صنع مسافة بُعد بين المواطن والمسؤول ،بين الناس والمشافي،بين المرضى والصيدلية ،

الناس بدأت بالإستسلام بعدما فقدت كل امل بقيادة حكيمة تخرجهم من “جهنم”. ..

شربنا او لم نشرب فنهر الجنون لن يطفئ سعيرها .

وقد سُئل جحا يوما وهو يشيع جنازة اي مكان اسلم للمرء امام النعش ام خلفه فأجاب …” المهم ان لا تكون فيه ” ..

ياترى من الميت حقا من في النعش ام المشيعون…؟؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button