البوصلة الإماراتية نحو قارة أفريقيا المنسية
بقلم: محمد خلفان الصوافي
النشرة الدولية –
إذا ما ركزنا على النشاط الدبلوماسي الإماراتي عموماً، نجد أن هناك توسعاً في الانفتاح على كافة دول العالم وفي كل الاتجاهات، وآخر تلك الاتجاهات كانت أفريقيا. وذلك بهدف خلق وتوثيق علاقات دبلوماسية وتجارية وإنسانية بعد أن أصبحت قارة “منسية” لكل الدول العربية، بما فيها تلك التي ارتبط بعضها بعلاقات تاريخية وحضارية معها، والبعض الآخر الذي تربطه معها علاقات الجوار الجغرافي، وبالتالي المصالح المشتركة، لدرجة أن هذا “النسيان” أو القطيعة جعلا من الصعب إيجاد آلية تفاهم عربي أفريقي بيني، رغم حجم التداخل بينهما، دون اللجوء إلى المنظمة الدولية لإيجاد حل لخلافاتهما.
اليوم، نستطيع أن نشير إلى أن العلاقات الإماراتية – الأفريقية مرشحة لأن تحتل موقعاً مهماً ضمن ملف إدارة دولة الإمارات لعلاقاتها الخارجية خلال الفترة المقبلة، بعد أن مهدت سبل الاتصال مع بعض تلك الدول، وبعد أن أظهرت دول أفريقية ترحيبها بالمبادرة الإماراتية. فالجولة التي قام بها الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير دولة، مؤخراً وشملت 16 دولة، بعضها تم افتراضياً، والتقى خلالها بعدد من رؤساء الدول الأفريقية منهم رئيسة تنزانيا سامية صلوحي ورئيس زامبيا إدغار لونغو، كشفت عن أن البوصلة الدبلوماسية الإماراتية تتجه نحو الاهتمام بالقارة المنسية عربياً.
تعكس قراءة التوجهات الدبلوماسية لأي دولة في العالم شيئين اثنين. الأول، نشاط الدولة ضمن النظام العالمي وازدهارها الدبلوماسي الذي تعيشه، وفي الحالة الإماراتية يمكننا رصد العديد من الأنشطة التي توافقت خلال فترة واحدة، وهي زيارة أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات إلى الولايات المتحدة ولقاؤه بعدد من المسؤولين هناك، وكذلك افتتاح السفارة الإماراتية في العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، ما يعني أنها شهدت حالة من الحراك الدولي من شأنه أن يؤثر على المسار الدبلوماسي إيجابياً خلال تواجد الإمارات في مجلس الأمن الدولي.
والشيء الثاني، أن طموحات الدبلوماسية الإماراتية تعدت دوائرها الاستراتيجية، حيث كانت تركز على إقليمها، وهو الدائرة الخليجية والعربية، ثم الآسيوية وبعدها الدولية، وبدأت تخلق دبلوماسية متعددة الأطراف بتوجيه بوصلتها نحو أفريقيا التي رغم أنها ترتبط بالعرب تاريخياً وحضارياً وإنسانياً، إلا أن الإمارات هي من كسر هذه المرة الشكل النمطي العربي في التعامل مع قارة أفريقيا، التي تزخر بالكثير من المواد الأولية وفرص الاستثمارات.
إذا كان التركيز على الاستثمار في آسيا والغرب يرجع لكونها مجتمعات أكثر استقراراً، على الأقل من الناحية السياسية، فإن الاتجاه نحو أفريقيا للتواجد يعكس وعياً استراتيجياً، خاصة أنها محل تنافس العديد من دول العالم، وبالتالي من المهم البدء في مد الجسور معها إدراكاً للأبعاد الاستراتيجية للقارة السمراء واستيعاباً لحقيقة أن بعض الخلافات العربية – الأفريقية سببها ندرة التواصل الدبلوماسي وحالة الانقطاع عن القارة.
ومع أن اهتمام دولة الإمارات بالقارة الأفريقية ليس جديداً، خاصة في المجال التنموي، حيث حازت القارة الأفريقية بالنصيب الأكبر من دعم صندوق أبوظبي للتنمية، كما أن الإمارات عززت وجودها في القرن الأفريقي خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى أن شركة موانئ دبي العالمية هي من يدير ميناء جيبوتي على البحر الأحمر. هذا إلى جانب الاستثمارات الأخرى على مستوى رجال الأعمال الإماراتيين.
هذا الاتجاه الجديد بدأ يأخذ مساراً ضمن سياسة “المرحلة الأفريقية”، وهي الاستراتيجية التي تنتهجها الإمارات في التركيز على الانفتاح على العالم، فقد سبق الاهتمام بقارة أفريقيا تكوين علاقات استراتيجية مع دول آسيوية وفي مقدمتها الصين والهند، ثم انتقل العمل للتركيز على إقامة علاقات مع دولة إسرائيل، وهذه هي طريقة الدول العريقة في التخطيط لعلاقاتها الخارجية، أو تلك التي تسعى لصناعة صداقات مع كافة دول العالم، فهي أدوات التأثير الجديدة.
أهداف الإمارات في أفريقيا خليط من علاقات تجارية وإنسانية، بعيدة كل البعد عن المزاحمة في النفوذ أو الاستحواذ على ثروات القارة، بل هي تسعى من أجل التوصل إلى علاقة فيها نوع من التآلف السياسي، ليكون مدخلاً لحلحلة بعض الخلافات والاختلافات السياسية. وهذا لا يمنع من وجود نوع من التكامل الاقتصادي والعسكري من أجل مواجهة التحديات الإرهابية والتطرف، وصدّ بعض الأطماع السياسية لدول تهدف لتطويق العرب مثل تركيا وإيران. وما يميز الإمارات عن غيرها من دول العالم أنها يمكن أن تكون عامل ربط بين آسيا وأفريقيا فهي تستند إلى صلات تاريخية وجغرافية تربط القارتين وتؤهلها لأن تكون بوابة بين القارتين، وهي مكانة لا يملكها الكثيرون.
قد يرى البعض أن التوجه الإماراتي الجديد نحو أفريقيا جاء متأخرا نظراً لما لدولة لإمارات من مكانة في القارة الأفريقية بسبب مبادراتها الإنسانية، ونتيجة لتواجد بعض الاستثمارات الإماراتية هناك، بالإضافة إلى العلاقات مع جنوب أفريقيا في المجال العسكري والتجاري. وإذا نظرنا إلى هذا التقييم نجد أنه لا يقتصر على الإمارات فقط، بل يشمل العرب جميعاً، ولكن ما يميز التحرك الإماراتي أنه مبني وفق خطة ورؤية في الانفتاح تسير وفق مراحل مدروسة.
وعليه من المتوقع أن تكون القفزة الإماراتية الدبلوماسية الحالية باتجاه أفريقيا كبيرة، وخطوتها في شمولية مجالات التعاون واسعة، ويتمثل كل ذلك في الشخصية التي تعمل على تطوير هذه العلاقات وهو الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، الذي شغل منصب سفير دولة الإمارات لدى السعودية في لحظة مهمة من تاريخ العلاقات بين البلدين حيث الحرب ضد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، والتي بينت أهمية القارة الأفريقية والممرات الدولية الموجودة فيها خاصة دول القرن الأفريقي في مجال الدعم اللوجستي ومحاصرة التمدد الإيراني والتركي الساعي لتطويق الدول العربية من هناك.
لو أردنا أن نبحث عن الأسباب التي دفعت الإمارات للاتجاه إلى القارة الأفريقية وبهذه القوة والحماسة سنجده في التوقيت، فالأمر كما يبدو مخطط له مسبقاً، وعلينا أن ندرك أن الاستراتيجية الإماراتية دائماً تبنى وفق نظرية المحيط الأزرق القائمة على البحث عن طريق ثالث بعيداً عن التنافس والصراعات، لأن بذلك يمكّنها من تحقيق مكاسب بهدوء وفائدة قد تكون أكبر.