نهاية 66 عاماً من العشق
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لبنان، بوضعه الحالي، هو ضحية أطراف ثلاثة:

سياسيوه.

«أشقاؤه» العرب.

وقبل هذا وذلك، شعبه.. بأكمله!

لا خلاف على ما تسبب به سياسيوه من ضرر. وربما لا خلاف أيضاً على أن العرب استخدموا لبنان أرضاً لتسوية خلافاتهم، فدعموا هذا الزعيم، وحاربوا ذلك الإقطاعي، ومولوا زعيم الحزب، وسلحوا رئيس الميليشيا، وكان هؤلاء أفضل من ينقل البندقية من كتف لآخر. ولكن ماذا عن مسؤولية اللبناني «المعتر»؟

الجواب لن يرضي رافضي الاعتراف بالحقيقة. فالخوف الديني والطائفي المتجذر والميليشيات وغيرها من أمور مخلة بأمن الوطن دفعت اللبناني، طوال عقود، إلى أن ينقاد بغريزته وبغير وعي، لأن ينتخب من يوفر له الأمان الشخصي، عبر الطائفة غالباً، وليس الوطني! فقد ذرعت لبنان شمالاً وجنوباً، ووجدت الكل يشتكي من فساد الزعماء، والكل يعيد انتخابهم! هكذا صنع الشعب اللبناني، بيده وصوته الانتخابي وموقفه، الطبقة السياسية التي نراها، وهي نفسها التي كانت في الواجهة منذ نصف قرن أو أكثر، والتي ستبقى ما بقي لبنان.

لا يبدو في الأفق أمل في إصلاح حقيقي، وأي انفراج للوضع هو لأخذ النفس، فالكبار يعلمون أن الإصلاح يعني المحاسبة، وهم لا يريدون ذلك ولن يسمحوا به. كما يعلمون أن العملة الصعبة أصبحت نادرة، وسيختفي الوقود قريباً، وغاز الطبخ سيتبخر، والخبز سينشف، والدواء سيغلى كثيراً ثم سيندر وجوده، ويختفي أيضاً، ولن يفعلوا شيئاً.

وسيكون لبنان الدولة الأولى في العالم التي يجوع فيها جيشها، ومن يشاهد مظاهر اللهو واللبس والحفلات و«الجخ» على قنواتها، تنتابه الحيرة من هذا التناقض.

كما سيكون ربما الدولة الأولى التي ليست في حالة حرب ومع هذا ليس فيها تغطية تأمينية. فمن يحترق أثاث بيته أو تتكسر سيارته في حادث مروري، أو تنهار ورشة بنايته فسوف يحصل غالباً على تعويض سخي بالدولار، ليودعه في حسابه المصرفي، ولكن لن يحق له السحب منه! وعليه الصرف من جيبه لشراء أثاث بيته وإصلاح سيارته!

ليس هناك فرد، حسب معرفتي، أكثر ذكاء وإبداعاً من اللبناني. وليس هناك شعب أكثر غباء منه، فهم يصلحون لكل شيء إلا لأن يكونوا وطنيين، فالوطنية تتطلب العمل الجماعي كفريق، وهم أصبحوا عاجزين عن ذلك تماماً.

أعتقد أو أتمنى أن يخرج اللبناني، بعد أن يلامس القاع لفترة، من مأساته الحالية، ولكن المؤلم أنه سيعود ثانية وثالثة لطائفته وكانتونه، فلا ضمان أبداً بأنه سيتعلم من المحنة، خاصة أن هناك متربصين وميليشيات مسلحة ومهجرين بالملايين!

وبالتالي أصبح أمام اللبناني، كما تقول النكتة السوداء:

إما الذهاب إلى مستشفى رفيق الحريري لتلقي العلاج!

أو مغادرة الوطن عبر مطار رفيق الحريري، باحثاً عن وطن آخر!

أو أن يلقى مصير رفيق الحريري!

قد تتفق إيران وأميركا، وقد تهدأ الأمور في سوريا، وتتصالح السعودية والجمهورية الإسلامية، ولكن المرض اللبناني المزمن الذي تفاقم على مدى قرون، من خلال أخطاء تاريخية متراكمة، سيبقى حياً. فالإقطاعي والسياسي ورئيس الحزب بحاجة للكثير من المال ليبقي على إقطاعيته، وليستمر حزبه ولتتجذر زعامته، وهذا المال لا يأتي بغير فساد!

وطأة قدماي مطار بيروت لأول مرة في يوليو 1956، ولم يتوقف الوطء منذ ذلك اليوم، وليصبح لبنان مربط خيلي ومصدر خيالي وولعي، طفلاً ومراهقاً، وشغفي شاباً وزوجاً وأباً، وبعدها رجلاً ناضجاً وكهلاً يخطط لأن يقضي ما تبقى من حياته فيه، وربما ليموت ويدفن بين أشجار الصنوبر، ولتكون زقزقة العصافير ورائحة الورود وصوت فيروز آخر ما سيتناهى لحواسه!

ولكن يبدو أن مسار الأمور ربما سيحتم أن تكون النهاية في جزء من أرض جرداء ومتربة من وطني، بعد أن أزفت نهاية الستة والستين عاماً من العشق!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى