الصنم الاستراتيجي
بقلم: سمير عطا الله

النشرة الدولية –

قلّد ديكتاتوريو «العالم الثالث» (واحد من ثلاثة) ديكتاتوريي العالم الذي ما قبله (من دون تحديد الدرجة) في أمور كثيرة. وسوف تلاحظ بعد مقارنة عاجلة، أن التقليد اقتصر على السيئات، خصوصاً البالغة السوء. ولم يتوقف أي منهم عند طائفة أو مذهب أو إلحاد، أو يسار أو يمين. كل النقل تركز على الحماية الشخصية والبقاء وصنع مخلوق متفوق من رجل عادي، وأحياناً أقل من ذلك بكثير.

وحاول مشاهير الديكتاتوريين استعارة صورة الفحولة حيث أمكن، أو تحاشيها حيث لا يمكن. الكبار منهم اكتفوا بالخوارق السياسية: لينين وستالين وهتلر. امرأة واحدة لكنها رفيقة شديدة الحماس في الحزب، بل قيل كثيراً، كذباً أو حقيقة، إنه كان عاجزاً، وإن علاقته مع إيفا براون، التي انتحرت معه، لم تكن سوى غطاء دخاني. في المقابل كان حليفه بينيتو موسوليني، الذي قتل مع عشيقته أيضاً، «زير نساء» يتلقى نحو 30 ألف رسالة إعجاب من الإيطاليات كل شهر.

ونظراً لأثر الثقافة الإيطالية في ليبيا، فقد حاول القذافي تقليده في عدد من الحارسات السمراوات، انسجاماً مع انتمائه الأفريقي كملك ملوك القارة، والممرضات الأوكرانيات، تقديراً للعلاقات الجماهيرية مع الشعوب الاشتراكية العظمى.

ارتدى الديكتاتور الصغير ثياب الديكتاتور الكبير من دون أي حرج. اخترع حروباً لا وجود لها، وعلق أوسمتها على صدره. واشترى شهادات عليا من جامعات لا وجود لها. ومنحت زوجة الروماني نيكولاي تشاوشيسكو نفسها شهادة دكتوراه في الكيمياء، ليس إلا. وحرص مدير المخابرات السورية في لبنان، رستم غزالي، على الحصول (بين أشياء أخرى) شهادة في الطب، مثلما حرص على سحب 75 مليون دولار من «بنك المدينة» من خلال بطاقة الائتمان. والائتمان صفة استعارها غزالي، وبعده المصارف اللبنانية، وتركوا للناس تحديد معناها: أمانة أو تموين.

لم يقلد أحد من ديكتاتوريي العالم الثالث «معلميهم» في العمران، أو العلوم، أو أنظمة الصحة والتربية، أو الزراعة، أو رعاية الفنون. احتضنوا الشعر لأن الشعراء يكتبون فيهم القصائد. النقد ممنوع. التاريخ متطفل لا لزوم له. العراق كان يمنع أسلحة تخريبية مثل آلات الطبع وآلات النسخ وآلات التصوير. كانت أدوات تجسس ولك أن تختار الجهة التي سوف تتهم بالتعامل معها، عندما التقطت صورة لزوجتك والأولاد في الحديقة، لأن هدفك الحقيقي كان التقاط صورة منزل الضابط الواقع خلف حديقتك. كم هي سيئة الحظ، حديقتك، ألم يكن في إمكانها الانتقال إلى مكان آخر؟ إلى بلد آخر؟ قارة أخرى؟

نشر أصدقاؤنا وحلفاؤنا السوفيات هذه «الثقافة» في العالم العربي. وساحة الضيعة مركز استراتيجي يجب ألا يصوَّر. مروحة الهواء، احتمال استراتيجي. الحمام العام، من يدري؟ لم يتمكن أحد أن يعرف لماذا هذه المعالم استراتيجية في بلد عربي. وبركة مياه عادية في بلد مجاور. لكن الإخوة السوفيات دربوا الناس بهذه الطريقة، أو روضوهم، على صحف لا صور فيها حتى صور الأعراس. يجب أن تكون خائفاً من كل شيء وأي شيء. ولا يكفي أن تشاور نفسك، بل لا بد من إذن مسبق في القضايا المتعلقة بالشعور القومي. لذلك، يُسمح لك خلال أربعين عاماً أن تشاهد صورة واحدة سماها جورج أورويل «الأخ الأكبر»، وسميت عندنا «الأخ القائد»، 42 عاماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button