“عربي21” تحاور مؤلف أول معجم عربي لمصطلحات الفنون البصرية
سامي بن عامر: المعجم نتاج ثلاثين سنة من العمل وساعدني الحجر الصحي على إنجازه
النشرة الدولية –
عربي21- بثينة عبد العزيز غريبي –
بينما تُغلق كل المكتبات في تونس وتُسدّ كل المنافذ إلى الكتاب خوفا من مزيد تفشي العدوى وانتشار “كوفيد 19”.. أمام هذا الوضع فتحتُ لي منفذا صغيرا للمكتبات الخاصة والبداية كانت مع مكتبة الفنان التشكيلي سامي بن عامر إذ لفتتني تجربته الإبداعية الأخيرة وإصداره أوّلَ معجم عربي حول مصطلحات الفنون البصرية عن دار المقدمة للنشر والتوزيع.
قبل إجراء المقابلة جمعتني دردشة مع ضيفنا حول بدايات المشروع، فقال: “منذ أن كنت طالبا بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس ثم بالسوربون بباريس، كان لي شعور دائم بأن قطاع الفنون التشكيلية في تونس وفي البلدان العربية عموما يمثل مجالا حيويا ذا أهمية كبرى، إلا أن ما نلاحظه هو أنه يشكو من عديد النقائص سواء على مستوى طرائق تدريسه أو ظروف إنتاجه وانتشاره.”
وتابع يقول: “المعجم خلاصة تجربة ذاتية في الفنون التشكيلية. فهو نتاج عمل دؤوب تواصل على مدار عقود ثلاثة واستمدّ مادّة معارفه ممّا أنجزته ووثقته في مسيرتي الجامعيّة من دروس وبحوث ودراسات متعدّدة ومحاضرات ونقاشات ضمن ندوات علميّة وتعليميّة مختلفة وحصص إذاعية في إذاعة تونس الثقافية أنجزتها منذ 2006 إلى حدود 2016، تطرقت فيها إلى قضايا متعلقة بالفنون البصرية عامة والفنون التشكيلية بالخصوص”.
وفي اللقاء مع سامي بن عامر والدخول إلى عالمه وانشغالاته بالفنون البصرية كانت هذه المقابلة التي خص بها “عربي21”:
لو تقدم معجم مصطلحات الفنون البصرية لقراء “عربي21″؟
يتضمن الكتاب 765 صفحة. وقد تمّ تبويبه تبويبا ألفبائيا من الألف إلى الياء، وفق عناوين بلغ عددها مائة وثلاثين عنوانا. وتمّ إرفاق بعض المقالات بعناوين ثانويّة إبان التّحرير للمزيد من الوضوح المنهجي. وهو في الحقيقة لا يقف عند شرح المصطلح بطريقة مبسطة بل يذهب إلى التعمق في المفاهيم والإشكاليات التي يطرحها ويتناول أيضا استعمالاتها في ممارسات الفنانين ما يجعل منه معجما موسوعيا. يتعرض المعجم بعمق للتجارب العربية فضلا عن تجارب الفنانين الغربيين. وهو ما حدا بنا إلى الاعتماد في هذا الإطار – فضلا عن مقولات المفكّرين والفلاسفة والنقّاد – على شهادات الفنّانين أنفسهم، الغربيين والعرب، وقراءتنا لأعمالهم الفنّية التي تمثّل مصدر معرفة ومنهل معانٍ ساعدتنا على جمع المعجم وإثرائه.
هل كنت تتوقع أن يكون المعجم الأكثر مبيعا في المعرض الوطني للكتاب التونسي؟
رغم أن تاريخ معرض الكتاب الوطني للكتاب التونسي الذي صدر في إطاره هذا المعجم كان قد تزامن مع امتحانات آخر السنة وتفاقم وباء الكورونا، فلقد كان التفاعل مع إصدار المعجم جيدا وكما انتظرته في الحقيقة، لأنه يأتي ليغطي حاجة مؤكدة في مجال الفنون المرئية.
ودعيني أخبرك أن الكوفيد لم يشكل عائقا حتى أنجز هذا العمل. ركزت بصفة مستمرة على المعجم بداية من يناير 2020 وهو ما يتوافق مع تاريخ بداية موجة كوفيد. ساعدني الحجر الصحي في التفرغ للكتابة.
لمن يتوجه هذا المعجم؟
هذا المعجم يستهدف أولا جمهور الباحثين في مجال الفنون البصرية فهو أداة مهمة تساعد الباحث على تعرف المصطلحات وما تفرضها من مفاهيم وإشكاليات وقضايا فضلا عن استخداماتها في ممارسات الفنانين بمختلف ثقافاتهم. وهو أيضا يهم أساتذة الفنون البصرية بقطع النظر عن المستوى التعليمي. فللتعليمية مكانة هامة في هذا المعجم. وهو يهم أيضا كل الفنانين والباحثين في الألسنية والأدب وعلم الاجتماع. فللمعجم عديد الزوايا والمداخل.
ماهي مراجعك في تجميع المادة؟
استمد هذا المعجم مادة معارفه ممّا كسبته في ممارساتي الفنّيّة من تجارب إنشائيّة واسطيتيقية أفرزت معارف تُراوح بين الممارسة الفنّيّة والتّنظير. وهو يعكس أيضا تجاربي في النشاط الجمعياتي وحتى الإداري. ولعل هذا التنوع في النشاط ضمن مجال الفنون البصرية أسس في ذهني الوعي بضرورة هذا المعجم الذي لا يقف عند حد التطرق إلى الاتجاهات الفنية الغربية التي تطالعنا في كل المكتبات بل إلى تناول التجارب الفنية العربية بطريقة معمقة. وإن إصداري لهذا المعجم يسهم في توضيح المفاهيم الإسطيتيقية أو تقريبها إلى الأفهام في ظل غياب واضح لمثل هذه المراجع في الدّراسات العربيّة الحالية.
عدلت عن عنونته بـ”معجم مصطلحات الفنون البصرية وقضاياها” واخترت “معجم مصطلحات الفنون البصرية”، لم تراجعت عن طرح القضايا؟
صحيح كلمة قضايا كانت واردة في عنوان الكتاب. فقد فكرت أولا في عنوان معجم مصطلحات الفنون البصرية وقضاياها. ثم المعجم الموسوعي لمصطلحات الفنون البصرية. وفي الأخير اخترت أن يكون العنوان مختزلا في معجم مصطلحات الفنون البصرية. وقد شرحت في التصدير الذي قدمته في الكتاب الطبيعة الموسوعية لهذا المعجم الذي يتطرق أيضا لعديد القضايا التي تتعلق بالفنون البصرية.
تنقسم مقالات هذا المعجم إلى مواضيع مفهوميّة بالأساس وإلى إشكاليات ترتبط بالمصطلح الفنّي والحقل اللّغوي التّقني ومواضيع تخّص أحداثا وأماكن ذات دلالة خاصّة في تاريخ الفنّ العربي والعالمي. كما أنه تمّ تحرير مقالات أخرى حول العمل الفنّي وتقنيّاته والحركات التّشكيليّة والتّيّارات والمدارس الكبرى الّتي أثْرت جملة المعارف الإنسانيّة في مجال الفنون البصريّة وأثّرت فيها. وتمّت العودة إلى المواضيع ذات الصِّلة الوثيقة بالنّقد الفنّي وبالتّعليميّة والتّكوين الأبستمولوجي للفنون. وتعرض هذا المعجم في مقالات عديدة إلى السّياق الّذي يتمركز فيه الفنّ باعتباره عنصرا حيويّا في ادارة العولمة كموضوع الأسواق الدّوليّة، والاستراتيجياّت الجيو-سياسيّة وتاريخ الاستشراق والاستشراق الجديد مثلا.
وحَرصت على أن يكون هذا المعجم ضاما لجلّ الفنون البصريّة الّتي تخاطب حاسّة البصر. فتطَرّقْت إلى ما سمّي في عصر النّهضة الإيطالية بالفنون الحرّة والّتي أصبحت تُسمّى خلال الفترة الكلاسيكيّة والكلاسيكيّة الجديدة في أوروبا بالفنون الجميلة Beaux-arts وتناولت بالدّرس الفنون التّشكيليّة الّتي فتحت بداية من القرن العشرين لقائمة الفنون الجميلة مزيدا من الإمكانات التّشكيليّة. واهتممت أيضا بفنون بصريّة مغايرة أفرزتها المعاصرة وخصّصت حيّزا من اهتمامي في هذا المعجم بالفنون البصريّة ذات الأبعاد النّفعية كتصميم المنتوج الصّناعي والحرفي.
هل بحثت في مصطلحات جديدة ربما لا يعرفها القارئ العربي أو اكتفيت بالموجود وشرحته؟
المسألة ليست متعلقة باكتشاف المصطلحات بل بالوقوف عند شرحها واستخداماتها المختلفة وهذا هام جدا لوضوح الرؤية. فكما تعلمين أن نفس المصطلح قد يأخذ معاني مختلفة من فترة تاريخية إلى أخرى. فمثلا كان يقول مونتاني Montaigne (1533-1592)، “رسام وشاعر أو حرفي آخر” ففي الفترة التي عاش فيها هذا المفكر كان الفن يقصد به قائمة من الأنشطة الفكرية البعيدة كل البعد عن الرسم والنحت والحفر، أما الرسم والحفر والنحت فهو يعتبر من صنف الحرف الفنية التي لا ترقى إلى مستوى الإبداع.
وقد استجلبت أهمّ المصطلحات من اللّغات الغربيّة كالإنجليزية والفرنسيّة والألمانية وأخذت بعين الاعتبار مراجعة التّرجمات الّتي لم تعُد متناسبة مع الأطروحات المعاصرة. فلترجمة المصطلح الفرنسي Esthétique مثلا، اعتمدت كلمة إسطيتيقا وليس “جمالية” كما جرى الأمر غالبا، وذلك تفاعلا مع النّظريّات المعاصرة التي تجاوزت موضوع الجمال باعتباره صنفا إسطيتيقيا يحتكر هذا المصطلح. وعموما يسعدنا أننا قدمنا المعجم باللّسان العربي إثراءً للغة الضّاد وتوسيعا لمجال البحث العربي.
كيف تمكنت من مسايرة تحولات الفنون في هذا المعجم الاصطلاحي؟
فعلا لقد سعيت الى مسايرة تحولات الفنون عبر تمظهراتها الاصطلاحية المتغيّرة خلال التّاريخ المتعاقب. وهي تُولّد هي ذاتها سلسلة مصطلحات متفرّعة تؤشّر على ثنايا المعرفة العالمة لهذه الفنون بكل صلاتها واختلافاتها. فلا شك أنّ تعريفات الفنّ مختلفة عبر التّاريخ وتطلّعات الإنسان أمام غموض هذا الكون لن تستقرّ على حال.
وإن لجأت إلى إبراز تلك التحوّلات الاصطلاحية النّاجمة عن تغيّرات تعريفات الفنّ عبر فترات موغلة في التّاريخ ومُؤثّرة مثل عصر النّهضة الإيطاليّة والكلاسيكيّة الفرنسيّة وغيرهما، أو عبر مراحل تاريخيّة متصلة بتاريخ الحضارة الإسلامية وصناعاتها الفنّية والحرفية، فإنّي في المقابل قد ركّزت بالخصوص على الزّمنين الحديث والمعاصر، وعلى أهمّ المصطلحات المؤسّسة لهما. كما أبرزت خصوصيّات هاتين المرحلتين المختلفتين واللّتين سايرتا تباعا – ابتداء من أواخر القرن التّاسع عشر إلى يومنا – الممارسات الفنّية في العالم الغربي عموما وفي الوطن العربي بالخصوص، وشكّلتا ما يتضمّنه المجال المعرفيّ الفنّي والاسطيتيقي والتّقني الّذي تزخر به ممارسات الفنّانين.
هل نتوقع أجزاء أخرى لهذا المعجم، مستقبلا؟
بقدر ما تطلّب منّي هذا المعجم الموسوعي زمنا طويلا فإنه امتد عقودا ثلاثة جَمعْت خلالها بطريقة منهجية ما تضمّنته صفحاته، فإني لا أزال اليوم واعيا بالحاجة الملحّة إلى مزيد تطويره وإغنائه وتفادي ما قد يبقي عالقا فيه من نقائص. فالبحث يبقى مفتوحا.
ما هو مشروعك القادم؟
أشتغل الآن مع دار نشر “نيرفانا” لإعداد كتاب ضخم يتضمن أربعة مجلدات وملحقا حول تاريخ الحركة التشكيلية في تونس. وهو كتاب جماعي أتولى إدارته تحت إشراف جامعة تونس.