ثروة مهدرة!
بقلم: أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

يعد ارتفاع نسبة الشباب مصدر قوة في أي دولة، إلا في الكويت، فنحن نهدرها بلا عائد.. وعبثاً نقول «الاستثمار في رأس المال البشري» بينما سنوياً، وفي هذا التوقيت من السنة، يتبين جلياً أننا نهدر طاقات شبابنا بسبب سوء التنسيق وغياب الرؤية التعليمية والتوجيهية المناسبة للاستثمار في رأس المال البشري فعلياً!

فقد أثبتت السنوات الأخيرة أننا عاجزون عن توجيه مخرجات الثانوية العامة إلى تخصصات ووظائف ومهن نحتاجها فعلياً، بل على مدى تراكم من القرارات الإدارية صنعنا من حمل الشهادة الجامعية هدفاً بحد ذاته من دون أهمية للتخصص أو مستوى الجامعة التي يتخرج فيها الطالب، حتى أصبح لدينا طابور طويل من حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بينما يصفون هم وشهاداتهم في طابور طويل في انتظار الوظيفة.. لأننا عندما قبلناهم في مؤسسات التعليم العالي المختلفة لم نكن قد نسقنا خطط القبول والتخصصات وفقاً لاحتياجات سوق العمل!

اليوم لدينا عدد كبير من خريجي الثانوية العامة، وعدد كبير من المتفوقين أصحاب المعدلات المرتفعة، الذين قد يفوق عددهم الـ20 ألفاً، وبدل أن نعتبرهم مصدر قوة ورأسمالنا فعلياً، أصبحنا أمام أزمة فعلية بكيفية توفير مقاعد قبول لهم في الجامعة وفي البعثات الداخلية والخارجية، وكأن الهدف فقط توفير مقعد للطالب الناجح في أي تخصص كان، ليدرس ويتخرج ثم «يدبر حاله» في سوق العمل، بينما يغيب كلياً التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، وجهات التوظيف (باستثناء ديوان الخدمة المدنية الذي بادر بالإعلان عن التخصصات المطلوبة) لمعرفة ما تحتاجه الكويت من طاقة بشرية وإعداد خريجين بالتخصصات اللازمة، للسنوات الأربع أو الخمس المقبلة التي يفترض أن تتخرج خلالها هذه الدفعة من الطلبة.

وبدراية أو من دونها، زرعنا في عقول شبابنا أن الهدف من الدراسة هو الحصول على الشهادة، بل ليست مبالغة إن قلنا إن بعض قرارات الترقية والتعيين والحوافز المادية دفعت ببعض الشباب إلى التوجه لشراء شهادات مزورة أو الالتحاق بجامعات وهمية للحصول على درجة البكالوريوس، بينما تناسينا تماماً أن صقل مهارات الشباب يبدأ مبكراً، في مراحله الدراسية، عبر اكتشاف مواهبه وميوله، فلماذا لا نعيد على سبيل المثال التعليم المهني للمدارس الثانوية؟ ألسنا مقبلين على التكويت في البلاد؟ فهل سنحتاج فقط إلى حملة البكالوريوس؟ أم ستكون لدينا حاجة إلى المهنيين والفنيين والحرفيين كذلك؟ وبالفعل لدى أبنائنا أحياناً ميول مبكرة تجاه بعض المهن، التي قد تكون مفيدة ومربحة كذلك، لكن نهجنا بزرع ثقافة تفضيل الشهادة الجامعية يئد المواهب قبل أن تتشكل وتُصقل لدى شبابنا.

نحتاج اليوم جدياً إلى رؤية تعليمية متكاملة، تستثمر في طاقاتنا الشابة، توجههم ليكونوا مفيدين في قيادة التطوير والتنمية في البلاد، تستكشف مواهبهم، تنمي قدراتهم، لا نحتاج إلى حلول فقط تفسح لهم متسعاً في مؤسسة تعليمية ما على حساب الدولة.. فقط ليتخرجوا بشهادة جامعية، فالأهم أن نقيس مدى الاحتياج إلى هذه الشهادة!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى