فرنسبنك لا يأبه بقوانين أو تعاميم.. براءة الذمة أولاً
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
تتسابق المصارف اللبنانية فيما بينها على تمتين قواعدها من جديد لضمان استمراريتها، متخطية كل ما يخطر بالبال من أساليب ملتوية، وإجراءات غير قانونية، لسلب أموال مودعيها وتجريدهم من حقهم بمطالبتها أو مقاضاتها. وأكثر من ذلك تتفوّق بعض المصارف على نفسها بابتكار أدوات لا تخلو من نية النصب والاحتيال، فتتجاوز كل القوانين والتعاميم لتفرض شروطها التعسّفية على صغار المودعين وأكثرهم حاجة لأموالهم لتأمين معيشتهم.
وعلى الرغم من تحديد مصرف لبنان في بيانه الأخير دقائق تطبيق التعميم 158، وإلزام المصارف بالاستحصال على تواقيع المودعين الراغبين بالإفادة من التعميم، بمستند موحد يقضي برفع السرية المصرفية عن الحساب الخاص المتفرع فقط، من دون أي التزامات أو تعهدات أخرى، تصرّ بعض المصارف، بينها فرنسبنك، على فرض توقيع براءات ذمة بحقها تحت ذرائع مختلفة، منها تحديث الملف أو تأكيد الاستفادة من التعميم 158 أو حتى التنازل عن الإستفاة منه.
ابتزاز فرنسبنك
يعتمد فرنسبك أساليب تعسفية لإلزام زبائنه على التوقيع على عقود تمنحه براءة ذمة وتعفيه من مسؤولياته القانونية. فعشرات الشكاوى تصل إلى رابطة المودعين يومياً، وفق ما يؤكد أحد محاميها فؤاد الدبس في حديث إلى “المدن”، خصوصاً شكاوى على فرنسبنك، فالمصرف بحسب ثلاث شهادات رصدتها “المدن” (نحتفظ بصور عن الرسائل النصية ومضمون الشكاوى..) قام وبشكل مفاجئ بتعليق العمل بالبطاقات المصرفية الخاصة بهم. وعند مراجعة المصرف تبيّن أن تعليق البطاقات مرده إلى إقرار كل عميل ما إذا كان ينوي الاستفادة من التعميم 158 أم لا، وتوقيعه بالتالي على براءة ذمة للمصرف (مستند مرفق). وتنص صيغة التعهّد على “إسقاط وتراجع المودع عن حقه التمسك باحكام التعميم 158 تجاه المصرف بصورة نهائية لا رجوع عنها مبرئاً ذمة المصرف من أي حق أو مطلب جراء ذلك”.
أحد المودعين الذين رفضوا التوقيع على براءة الذمة للمصرف، أفاد في حديث إلى “المدن” بأن المصرف علّق له العمل ببطاقته المصرفية التي يسحب بموجبها من وديعته الدولارية، بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرف 3900 ليرة. وفرض عليه التوقيع على براءة الذمة كشرط لاستئناف العمل بالبطاقة المصرفية. ويقول العميل “لست مقتنعاً بالتوقيع على براءة الذمة للمصرف، ولن أوقع أي تنازل عن حقوقي، لكني بأمس الحاجة لسحب المال. فأنا معيل والدَي وراتبي لا يغطي كامل المصارف الحياتية”.
عميلة أخرى، وهي سيدة متقاعدة، اشتكت تعليق المصرف العمل ببطاقتها المصرفية المسحوبة على رصيدها الذي تعتاش منه. وغيرها العديد من الحالات التي أبت التنازل عن حقوقها للمصرف.
بصرف النظر عن وقاحة المصرف باستمراره في فرض توقيع براءة ذمة على المودعين، كيف يسمح لنفسه بحرمانهم من السحب من ودائعهم، التي اقتطع منها أكثر من 85 في المئة، وارتضى المودعون السحب على 3900 ليرة للدولار، في حين أن الدولار في السوق السوداء اليوم يقارب 19000 ليرة، والدولار على منصة صيرفة -أي منصة مصرف لبنان- يتراوح بين 12000 و17500 ليرة ويتغيّر يومياً. وعلى الرغم من السرقة العلنية التي تمارسها عموم المصارف بحق المودعين، يأتي فرنسبنك ليحرمهم وبكل وقاحة من السحب اليومي الذي يعتاشون منه، والسبب: تبرئة ذمته!
دأب فرنسبك على ابتزاز مودعيه، ليس بإلزامهم توقيع التعهدات المشبوهة وحسب، بل أيضاً بسحب نسب عالية جداً من التحاويل النقدية الواردة من الخارج. إذ يعمد إلى اقتطاع نحو 30 في المئة من تحويلات الدولار النقدي Fresh money بغير حق، كما ترفض غالبية فروعه تسليم كامل المبالغ المحولة إلى أصحابها نقداً. فتعمد إلى تقسيطها، على الرغم من أن بعضها لا يتجاوز الـ1000 دولار. هذا إضافة إلى الرسوم التي تفرض على الحوالات، والتي باتت أشبه بـ”الخوّة”.
عقود باطلة
من غير المقبول تعريض حياة الناس للخطر، ومنعها من السحب النقدي من أموالها، يقول المحامي فؤاد الدبس، فبعض المصارف، خصوصاً فرنسبنك، يبتدع أساليب غريبة جداً في تطبيق التعميم 158، “وعلى الرغم من اعتراضي على التعميم نفسه، غير أنهم لا يتركون وسيلة للتشبيح على المودع إلا ويعتمدونها، كأن يحسمون من رصيده قيمة الشيكات المودعة في حسابه، بعد احتساب المبلغ المفترض سحبه بموجب التعميم 158”. المصارف تتصرف على هواها ولا سقوف لتجاوزاتها ولا ضوابط. وكل ما تقوم به مخالف للقوانين ومن شأنه أن يبطل أمام المحاكم، يؤكد الدبس. فالمصارف لم تخالف القوانين والتعاميم وحسب بل أيضاً شرعة حقوق الإنسان، “أصحاب المصارف ارتكبوا الجرائم بحق اللبنانيين، ولا بد من محاسبتهم”.
أما ممارسات فرنسبنك وسواه من المصارف لجهة إلزام المودعين بتوقيع تعهّدات وبراءات ذمة، فمرفوضة من وجهة نظر قانونية أيضاً. وتذكّر الخبيرة القانونية والأستاذة الجامعية سابين الكيك في حديث إلى “المدن”، بأن المادة 138 موجبات وعقود تنص على أنه “ما من أحد يستطيع أن يبرىء نفسه إبراء كلياً أو جزئياً من نتائج احتياله أو خطأه الفادح بوضعه بنداً ينفي عنه التبعة أو يخفف من وطأتها. وكل بند يدرج لهذا الغرض في أى عقد كان هو باطل أصلاً”. بمعنى أن البنود النافية للمسؤولية الناتجة عن الاحتيال أو الأخطاء الفادحة هي بنود باطلة، تؤكد الكيك، وتحذّر من التوقيع على أي من التعهدات والمستندات المرتبطة بأي من التعميمين 151 و158. إذ تستهدف منها المصارف حماية نفسها من أي مراجعات امام مجلس شورى الدولة، متسلحة بذريعة توقيع العميل على تنازلات عن حقوقه.
المصارف تمارس تجاه المودعين شتى أنواع التعسّف، حتى من دون توقيع العميل على أي من التنازلات، فكيف بالأحرى في حال توقيعه. فالتعسف لم يقتصر على إجبار العميل على التوقيع بل ايضاً وقف الحسابات ووقف البطاقات المصرفية. هذا تعدٍ على حق الملكية وحرمان من الحقوق الانسانية. وتسأل الكيك، كيف يقررون مصير الشخص من دون سابق إنذار؟ ثم منذ متى تحتاج التعاميم، وهي إجراءات تنظيمية، إلى تواقيع العملاء الخاضعين لها؟