هل ينضم لبنان بعد تونس إلى”الثورة على الثورات”؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
ما حدث في تونس لا يتطابق مع حرفية الدستور، لكنّه ليس انقلاباً. هو في منزلة بين المنزلتين.
رئيس الجمهورية قيس سعيد منتخب مباشرة من الشعب، وفق الانظمة الرئاسية، ليكون على رأس نظام قيل عنه إنّه “برلماني معدّل”، حيث يملك مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه صلاحيات كبيرة.
وبهذا المعنى، فإنّ تونس، عملياً، حالها مثل حال فرنسا، عندما تكون وضعيتها السياسية “متدهورة”، اذ يضطر رئيس الجمهورية أن يتعايش مع حكومة جاءت بها أكثرية برلمانية مناهضة له، أو هي مثلها مثل لبنان، في ظل “الفوضى” حيث “الديموقراطية التوافقية” تضع في السلطة التنفيذية كل الاطراف المتناقضة التي يِعطّل بعضها البعض الآخر.
ولهذا، فإنّ الاجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد، في ظل الوضع المتدهور على كل الصعد في تونس، حيث بدأت الهوّة تكبر بين الشعب، من جهة وبين الطبقة السياسية، من جهة أخرى، قد تكون، إذا ما جرى التساهل مع حرفية النص الدستوري، متطابقة مع روح الدستور التي أعطت رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في الإشراف على قطاعات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية والتعيينات، بهدف توفير مصلحة الجمهورية العليا.
وهذه الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد تشبه الأسباب التي دفعت أكثر من ٧٢ بالمائة من المقترعين في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، في خريف العام ٢٠١٩ الى التصويت له.
كان انتخابه، بالنسبة للمراقبين، تعبيراً عن ارادة شعبية بالخروج من تحت عباءة الأحزاب والقوى السياسية التي قيل إنّها انحرفت بالثورة التونسية، “أم ثورات الربيع العربي”، عن أهدافها، بحيث استفحل الفساد، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمالية الى مستويات “مقلقة جداً”، وانهار النظام الاستشفائي والقطاع الصناعي وأصاب الانكماش القطاع الزراعي، فيما سجلت خطط مواجهة جائحة كوفيد-١٩ فشلاً ذريعاً.
ولم يكن ممكناً لقيس أن يذهب في هذا الاتجاه، لو أنّ المؤسسات العسكرية والأمنية في تونس، لم تقف معه وربّما خلفه، في منطقة تشهد “ثورة على الثورات”.
ثورات الربيع العربي كانت قد رفعت قوى “الاسلام السياسي” من قائمة الحظر لتضعها في مرتبة متقدّمة في لوائح السلطة، بينما “الثورة على الثورات” أعادت الجيش الى الواجهة ودفعت بقوى الإسلام السياسي الى “الهامش”.
وإذا كانت تونس قد استحقت لقب “أم ثورات الربيع العربي”، فإنّ مصر التي كان فيها الرئيس قيس سعيد ضيفاً مميّزاً قبل ثلاثة أشهر، تستحق لقب “أم الثورة على الثورات”.
واحتل الجيش، مؤخراً، الواجهة في عدد من دول المنطقة، بدءاً بالجزائر وصولاً الى السودان.
ونالت التجربة السودانية ثناء دولياً بارزاً، بحيث نجحت في دفع غالبية الدول، وفي إطار برنامج انقاذي، الى شطب معظم ديون البلاد الخارجية.
ولا يمكن عزل اجراءات الرئيس التونسي عن هذا المسار العربي الذي لديه حاضنة سياسية ومالية واقتصادية لا يستهان بها.
ولو أنّ قرارات سعيد أثارت أزمة سياسية في تونس، إلّا أنّها أحيطت بحاضنة شعبية داخلية وخارجية، لا بل إنّ كثيرين تمنّوا لدولهم المأزومة “سيناريو مشابهاً”، كما هي عليه الحال في لبنان.
وفي ضوء الحدث التونسي، أخذت الزيارة التي يقوم بها لمصر قائد الجيش العماد جوزف عون حيث استقبله، أمس الرئيس عبد الفتاح السيسي، بُعداً يتخطّى أهداف “توفير المساعدات” لمؤسسته التي تعاني، من جرّاء الكارثة اللبنانية الموصوفة، الأمرّين.
وثمة في لبنان تيّار شعبي يعتقد بأنّ الخروج من الكارثة المنسوبة الى الطبقة السياسية يفترض أن يتم تسليم الجيش اللبناني كلّ السلطات في البلاد، لفترة محدّدة، على اعتبار أنّ المؤسسة العسكرية هي الكيان اللبناني الوحيد الذي يحافظ على احترام الكثيرين، في الداخل والخارج.
بطبيعة الحال، السيناريو التونسي يحتاج، في هذه الحالة، الى “لبننة”، على اعتبار أنّ الشكوى من الإنهيار تبدأ برئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتولّى تفريغ كلّ السلطات من مضامينها، من دون أن تكون لديه في المقابل، أدوات حكم بديلة.
هذه “اللبننة” تقتضي اذن البدء برأس الهرم، من دون أن يتواطأ “العسكر” مع أيّ فصيل سياسي.
ولكنّ لبنان ليس الجزائر ولا السودان ولا تونس ولا مصر، ففي هذه الدول يحل “العسكر” مكان السياسيين أو يستعملهم واجهات، ولكن في لبنان فإنّ الحاكم الفعلي هو “عسكر غير شرعي” يتنافس، بالجوهر مع أيّ دور يمكن ان يلعبه “العسكر الشرعي”، ولهذا، فإنّ “تطلّع” البعض الى دور يلعبه الجيش اللبناني، في هذه المرحلة، يتناقض كلّياً مع الدور الذي يلعبه “حزب الله” في الدفاع عن الطبقة الحاكمة، على اعتبارها، واجهة فعلية له ولخططه وأهدافه.
إنّ لبنان لم يدخل، يوماً في “الربيع العربي” وتالياً لا يملك مقوّمات الالتحاق ب “الثورة على الثورات”.
كانت له تجربته الفريدة، في ١٤ آذار ٢٠٠٥، وقد جرى الانقلاب عليها.
وكانت له تجربته في ١٧ تشرين الاول (اكتوبر) ٢٠١٩ وقد جرى احتواؤها، على الطريقة الايرانية.