المسيحيون يعيدون تجربة الدروز في إسقاط إمارة لبنان!
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية
المغرد –
١- الإمارة الدرزية
في عام ٧٥٨ م كلّف الخليفة أبو جعفر المنصور أمراء التنوخيين النزول في جبال بيروت، وحماية الثغور، فأسسوا إمارة الغرب في عبيه، ثم وصل المعنيون عام ١١٢٠م وأسسوا في الشوف الإمارة المعنية. وفي عام ١٥٨٥ تولّى الحكم الأمير المعني فخر الدين الثاني، ابن أخت الأمير التنوخي سيف الدين يحيى، فقام بتوحيد الإمارة بدعم من العثمانيين، الذين ساندهم جده فخر الدين الأول في معركة مرج دابق قرب حلب عام ١٥١٦، في حين ساند التنوخيون يومها المماليك .
٢- انقسام الدروز وانتهاء إمارتهم.
في عام ١٦٣٣ أسر العثمانيون فخر الدين الثاني، بعد أن خافوا من تعاظم نفوذه، وأثناء وجوده في الأسر، هاجم علي علم الدين وأنصاره عبيه عاصمة التنوخيين، وقضوا عليهم، وانقسم بعدها الدروز إلى حزبين: الحزب الأبيض أو اليمني بقيادة آل علم الدين وحرفوش ، والحزب الأحمر أو القيسي بقيادة آل جنبلاط يساندهم المعنيون وآل اللمع وشهاب.
سنة ١٦٩٧ توفي الأمير احمد المعني دون وريث، فانقرضت بذلك سلالتهم، وأجمع الدروز الذين يمثّلون الحزب القيسي، وبسبب تنافسهم على الزعامة وعدم اتفاقهم على اختيار حاكم من بينهم، قرروا تولية ابن أخته حيدر الشهابي، الذي كان قاصراً، فتولّى الحكم وكيله أمير راشيا بشير الشهابي الأول. وعندما استلم حيدر الحكم عام ١٧٠٧ أراد العثمانيون استبداله بأمير درزي آخر، فلجأ إلى آل حرفوش أمراء بعلبك، واستعان بهم ضد اليمنيين، ووقعت معركة عين دارة التي انتصر فيها القيسيون، وهرب بعدها من بقي من اليمنيين إلى سوريا .
بعد معركة عين دارة انتهت رسمياً الإمارة الدرزية، وانقسم الدروز إلى يزبكي وجنبلاطي، وبدأ عهد الإمارة الشهابية بشكل فعلي. ووصل بشير الثاني الى الحكم عام ١٧٨٨، وعندما جاء ابراهيم باشا المصري إلى لبنان عام ١٨٣٠، سانده بشير الشهابي ، ونكّل بالدروز الذين وقفوا إلى جانب العثمانيين وارتكب بحقهم المجازر، وهجّرهم ووزع أراضيهم على المسيحيين. وفي عام ١٨٤٠ وجّه الإنكليز أسطولهم إلى شواطىء لبنان ووزّعوا السلاح على الدروز والمسيحيين، وأنذروا محمد علي، الذي انسحب عائداً إلى مصر، فأسر الإنكليز الأمير بشير ونقلوه إلى مالطة .
٣- الفتنة الطائفية وتقسيم لبنان
عاد الدروز (الذين طردهم بشير) إلى الشوف فوجدوا أملاكهم مُصادرة، وتسبب ذلك بأحداث دامية بينهم وبين المسيحيين، أدت إلى تقسيم لبنان إلى قائمقاميتين درزية ومسيحية، ثم سقطت هذه الصيغة جراء أحداث دامية أيضاً عام ١٨٦٠، فوُضِع لبنان تحت حكم متصرف تركي يرتبط مباشرة باسطنبول.
٤- الانتداب يجعل لبنان إمارة مسيحية ويُرسي نظام الامتيازات الطائفي.
عندما وصل الفرنسيون إلى لبنان ساندهم المسيحيون، في حين وقف الدروز إلى جانب الثورة العربية الكبرى، ولذا عمدت سلطة الانتداب إلى استبعاد الدروز عن الحكم، خاصة بعد ثورة سلطان باشا ضدهم في سوريا، والتي امتدت إلى جبال لبنان. وأسست فرنسا لبنان الكبير، بما يشبه الإمارة المسيحية . لكن المشكلة أنهم قاموا بتوسعته، فبات يضم مناطق جديدة بغالبية إسلامية، وجعلوا نظامه طائفياً مع أعطاء امتيازات في الحكم للمسيحين على حساب باقي الطوائف، الأمر الذي سبب لاحقاً شعوراً بالغبن لدى المسلمين نتج عنه صراع وثورات، وكبر الخلاف حتى انفجر حربا أهلية دامت ١٥ عاماً، تم خلالها تدمير وحدة الشعب ومقومات الدولة.
٥- الانقسام المسيحي
حكم المسيحيون لبنان، لكنهم سرعان ما راحوا يتنازعون على السلطة، وانقسموا في عهد الانتداب بين بشارة الخوري وإميل اده، وكاد هذا الانقسام عام ١٩٣٢ أن يأُولَ برئاسة الجمهورية إلى السنّي محمد الجسر، لولا تدخّل البطريرك عريضة لدى المندوب السامي الفرنسي، الذي علّق الدستور وعطّل الانتخابات في اللحظة الأخيرة.
ثم ازدادت انقساماتهم أكثر بعد الاستقلال، ورغم أنهم اتّحدوا عام ١٩٧٥ في وجه الخطر الفلسطيني، لكنهم ما لبثوا أن انقسموا من جديد بعد زواله بخروج منظمة التحرير من لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢، فعادت واندلعت بينهم الخلافات عام ١٩٨٨ وما بات يُعرف ب «حرب الإلغاء» بين قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون ، وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع. وأسفرت الحرب عن عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الفريقين ودمار كبير لما كان يُعرف ب “بيروت الشرقية” ، وانتهت الحرب بلجوء العماد عون إلى فرنسا بعد هجوم القوات السورية على بعبدا، ولاحقاً أُدخل سمير جعجع إلى السجن، وتمت إعادة سيطرة القوات السورية على القيادات المسيحية المتبقية، التي تحولت بسرعة إلى زعامات محلية صغيرة، وفقد المسيحيون بذلك وهج حكمهم للبنان .
٦- تسوية الطائف وازمة الحكم واقتراح صِيغ جديدة.
أرسى اتفاق الطائف عام ١٩٩٠ تسوية أنهت الحرب في لبنان، وقلّصت الدور المسيحي في الحكم، عبر تخفيض صلاحيات رئيس الجمهورية، ونقلها إلى مجلس الوزراء. وسرعان ما تبين الخلل في الصيغة الجديدة، التي خلقت أزمة حكم، كان يتولى السوريون حلّها في كل مرّة بالقوة، وما إن خرجوا من لبنان عام ٢٠٠٥ حتى بات البلد يعاني من ثغرات هذا النظام الجديد، القائم على المحاصصة الطائفية والتعطيل المتبادل، بدل الديمقراطية المنشودة.
الآن يدور الكلام عن ضرورة تعديل اتفاق الطائف والذهاب إلى صيغة جديدة، وأي صيغة ستنتج في ظل تشتت القوى المسيحية وضعفها؟
فمن الواضح أن التيار الوطني، الحر بات رهين الحسابات والطموحات الشخصية لرئيسه جبران باسيل، وهو كان قد سبق وتعرّض لاهتزازات داخلية عديدة، أدت إلى تخلّي قسم من القيادت والمناصرين عن التيار وتأسيس جماعات معارضة له مثل «التيار المستقل» لحليف الجنرال عون ورفيقه الأول، اللواء عصام ابو جمرة مع عدد من القيادين السابقين في التيار، و «لقاء لبنان وطني» لصهر الرئيس عون النائب شامل روكز. وهؤلاء يعتبرون أن التيار انقلب على مبادئه واهدافه، وتحوّل إلى أداة في يد محور الممانعة وحزب الله تحديداً، الذي هو ولي نعمته في الوصول إلى سدة الرئاسة والحكم.
أما القوات اللبنانية فهي معزولة عن القوى الأُخرى داخل وخارج الطائفة، وأيضاً أسيرة الطموحات الرئاسية لسمير جعجع، في حين تحوّلت الكتائب والمردة إلى أقليات ضعيفة، حتى على الساحة المسيحية .
أي تسوية سينتجها الواقع الجديد لن تكون في مصلحة الدور المسيحي، الذي بات يتلاشى تحت وطأت نقص العدد، والتغيير الديموغرافي الحاصل في لبنان، مع التنامي الكبير في أعداد المسلمين، خاصة السنّة والشيعة وهم بدأوا يطالبون بحصة أكبر في الحكم تتناسب مع عددهم .
٧- مستقبل الحكم المسيحي
(زوال الإمارة)
ويقول أحد الشخصيات المسيحية البارزة: إن عهد المسيحيين في لبنان قد انتهى ، وهم يكررون الأخطاء التي ارتكبها قبلهم الدروز، من حروب وتهجير وشقاق وتنافس على السلطة، مع فارق كبير في المدة طبعاً ، ففي حين حكم الدروز الإمارة حوالي الف عام لم يُكمل الحكم المسيحي المئة سنة بعد. وتُعجّل انتهازية الزعماء الموارنة اليوم في انتهاء الدور المسيحي، فهم لا يرون سوى كرسي الرئاسة في بعبدا، التي يسهل لديهم التضحية بكل شيء في سبيل الحصول عليها، وهذا ما فعله ميشال عون حين انقلب على مبادئه، وتحوّل من الهجوم العنيف على فكرة ولاية الفقيه وخطرها على لبنان، إلى الحليف الأول لأصحابها، وهذا ما يكرره اليوم جبران باسيل، بهدف الوصول إلى بعبدا.
ويتابع الرجل القول: فطلاب الرئاسة من زعماء الموارنة لم يعد لديهم أي قيمة للمبادئ أو لاستقلال لبنان أو مصلحته ولا حتى دور الطائفة ووجودها الذي يتلطون بظله، وكأنهم استسلموا لقدرهم بالتحول إلى قوة ثانوية لا تملك قرارها، بل ستكون ملحقة بالقوى الأُخرى، وستتحول رئاسة الجمهورية إلى منصب فخري يتظلل الزعامة الشيعية التي باتت الأقوى في لبنان، بفضل السلاح والدعم الخارجي القوي والمستمر لها، في مقابل تشتت القوى السنية والمسيحية، وافتقارها إلى الوحدة والزعامة القوية الجامعة. وهذا إضافة إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية، التي دفعت وتدفع بمن تبقى من المسيحيين، إلى الهجرة والبحث عن حياة أكثر أمناً ورفاهية في دول الغرب والاغتراب، وهذا بات يُحتّم زوال الإمارة المسيحية في لبنان.
فهل جاء دور الإمارة الشيعية؟؟؟ أم اللامركزية الموسّعة وفيدرالية الطوائف؟؟؟؟