إلى الفوضى: الضريبة على الرواتب والأجور بالدولار؟
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
عصيت وزارة المال اللبنانية، عن تحصيل الضرائب من التجار والمتهرّبين ضريبياً، فاستدارت تجاه الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي. فقد ارتضى مدير الواردات في وزارة المال مخالفة الأصول، والتغاضي عن انفلات سعر الصرف، في سبيل تحصيل الأموال من الموظفين كضريبة على الرواتب والأجور.
بالاستناد إلى مبدأ العدالة والمساواة بين المكلّفين، اختارت وزارة المال زيادة الضريبة على الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي، وتحديدها وفقاً لسعر صرف السوق السوداء، بدلاً من أن تبادر إلى إعفاء ضريبي -وإن جزئياً- للموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، التي تدنت قدرتها الشرائية بنحو 90 في المئة. وابتدعت على مدى سنوات عشرات المشاريع والخطط التي تقوم على إعفاء المكلفين من التجار وغيرهم، ووقفت عند الموظفين الذين فقدوا قيمة رواتبهم، في زمن الغلاء الفاحش، وقررت عدم إعفائهم. وكي تَبسط سيف العدالة على كافة المكلفين من الموظفين، قررت فرض الضريبة على الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار بالقيمة الحقيقية للدولار. لكن قرارها هذا تشوبه العديد من الشوائب.
“المال” تستقوي على الموظفين فقط
أصدر مدير الواردات في وزارة المالية اللبنانية، لؤي الحاج شحادة إعلاماً (مستند مرفق) يتعلّق بكيفية احتساب الضريبة على الرواتب والأجور التي تدفع كليّا أو جزئياً بالعملة الأجنبية. ويتوجه مدير الواردات في كتابه إلى أصحاب العمل، يُعلمهم فيه بأنه في حال تم دفع الأجور للعاملين لديهم كليّاً أو جزئياً بالدولار الأميركي، أو بأي عملة أجنبية أخرى، وبهدف اقتطاع الضريبة يتوجب عليهم احتساب قيمة الأجور بالعملة المحلية على أساس القيمة الفعلية للدولار الأميركي أو للعملة الأجنبية تجاه العملة الوطنية. ويستهدف من ذلك تأمين مبدأي العدالة والمساواة بين المكلّفين.
وقبل الدخول في ثغرات وشوائب القرار، لا بد من التذكير بأنه في شهر كانون الأول من العام 2020، صدر قرار مماثل يستهدف التجار، ويفرض عليهم الفوترة بالليرة اللبنانية وليس بالدولار. ذلك تسهيلاً لعملية استيفاء الضرائب منهم بالقيمة الحقيقية للفواتير، خصوصاً أن التجار كانوا ولا يزالون يسعرون موادهم الاستهلاكية وفق سعر صرف السوق، في حين أنهم يسددون الضرائب للدولة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1507 ليرات. ذلك القرار اتُخذ، لكن غالبية التجار لم يلتزموا به، وفق ما يؤكد مصدر في وزارة المال في حديث إلى “المدن”. ما يعني انه لا يزال حبراً على ورق.
أما اليوم وبعد ثبوت عجز الدولة عن مواجهة التجار وتطبيق قرارها السابق عليهم، عمدت وزارة المال عن طريق مدير وارداتها لفرض الضريبة على الرواتب والأجور الدولارية وفق سعر صرف السوق، “انطلاقاً من مبدأ العدالة الضريبية”. فأي عدالة ضريبية تتحدث عنها وزارة المال في حين أن كل الدولة، بكافة مرافقها ودوائرها، لا تزال تعتمد سعر صرف للدولار 1507 ليرات، من الجمارك إلى الطوابع والعقود والدوائر العقارية والتخمين وغيرها، حتى أن الدولة لا تزال تسدد متوجباتها للمتعهدين وفق 1507 ليرات.
ثغرات القرار
من حيث الشكل، تستهدف وزارة المالية من إعلام مدير وارداتها جباية الضرائب بطريقة سليمة، فيدفع كل موظف ضريبته بما يتناسب وحجم راتبه الحقيقي، يقول نقيب خبراء المحاسبة المجازين، سركيس صقر، في حديثه إلى “المدن”. لكن من ناحية أخرى هناك ثغرات عديدة ترتبط بالقرار، أولاً لجهة التنزيل العائلي، فذلك يتم من الرواتب والأجور قبل إخضاعها إلى الضريبة. ويبلغ التنزيل العائلي للشخص العازب 7 مليون و500 ألف ليرة وللمتزوج 10 مليون في حال زوجته لا تعمل، وفي حال كان لديه أطفال ينزل من راتبه 12 مليون ليرة أي أن هذه المبالغ لا تخضع للضريبة. وبناء على إعلام وزارة المالية، كيف يمكن التنزيل من الراتب بالليرة اللبنانية في حين أن الراتب بالدولار، فالتنزيل سيبقى هو نفسه من كافة الموظفين، سواء تقاضوا رواتبهم بالدولار أو الليرة. والمقصود هنا هو أن اللاعدالة لا تزال قائمة، والقرار الذي اتخذه مدير الواردات قرار منقوص وغير مكتمل.
ثانياً، كيف يمكن للشركات التي تسدد رواتب موظفيها بالدولار أن تحدد قيمته الحقيقية بالليرة، إذ ليس هناك من سعر صرف واضح للدولار. وهل تعتمد أسعار مصرف لبنان المتعددة أصلاً أو أسعارالصرافين المتعددة والمتغيرة يومياً، أو أي سعر للصرف؟ ويقول صقر، حين يتم التطرق إلى الضرائب والرسوم، من المفترض أن يكون هناك ثباتاً أو استقراراً في سعر الصرف ليبنى عليه وتُحتسب الضريبة على أساسه. وإذا كنا نريد فرض ضريبة بعدالة ومساواة، فليس مقبولاً أن يسدد موظفون الضريبة على رواتبهم بشكل غير عادل. لكن في الوقت نفسه التصحيح يجب أن يأخذ بالاعتبار كافة الجوانب. من هنا، لا بد من وضع حلول شاملة وليست منقوصة.
ماذا عن التعويضات؟
والأمر الأكثر أهمية يتمثل بأن القرار لم يأت على ذكر تعويضات نهاية الخدمة. فالتعويضات تحتسب بناء على الراتب الأخير الذي تقاضاه الأجير. وهذا يعني أن راتب 1000 دولار على سبيل المثال يساوي على سعر صرف السوق السوداء حالياً نحو 19500000 ليرة. وحسب قرار وزارة المالية، يجب أن تسدد الضريبة عن قيمة الراتب الحقيقية، ما يعني أن تعويض نهاية الخدمة يجب أن يحتسب بناء على الراتب الأخير وهو 19500000 ليرة. فهل هذا الأمر وارد؟ وهل لَحَظه مَن أصدر القرار في وزارة المال؟ الجواب لا. من هنا، يتوقع صقر أن يأخنا القرار المذكور فيما لو تم تطبيقه إلى المجهول. ويلفت إلى أنه “عندما تفكر وزارة المال بالضرائب، يجب أن تحتسبها من كافة الجوانب، وتقوم بتنظيمها ودراسة كل ما يرتبط بها. ولا يجب أن يقتصر الأمر على قرار متسرّع بزيادة الإيرادات فقط”.
وإذ يصف صقر القرار بـ”المتسرع”، يرى أنه يجب أن يكون مشمولاً بعملية إصلاح ضريبي وغير ضريبي شاملة. فهو توجه فقط إلى الموظفين لفرض سداد الضريبة على رواتبهم بالدولار، في حين أن كل الدولة بكافة مرافقها لا تزال تعتمد الدولار وفق 1507 ليرات. بمعنى أن وزارة المال تجاوزت كافة التعاملات وفق 1507 ليرة للدولار، ووقفت عند رواتب وأجور العاملين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار. هذا لا يعني أن قرار المالية غير محق في مكان ما، برأي سركيس، لكنه بالتأكيد غير مكتمل ومتسرّع جداً ويجب ان يكون القرار مشمولاً بحلول متكاملة.
هل يُطعن بالقرار
من غير المُستبعد أن يتعرض القرار للطعن لمخالفاته العديدة، ومنها مخالفته بالشكل، يقول المصدر، باعتبار انه ينظم عملية جديدة ترتبط بالسداد بالدولار ولا يقتصر على تفسير القانون. فالقانون يقضي بأن يسدد الأجير الضريبة على إيراداته الصافية. لكن من يمكنه تحديد الإيرادات الصافية اليوم في ظل تعدد أسعار الصرف؟ أضف إلى عدم الصلاحية. فقرار من هذا النوع لا يفترض بمدير الواردات إصداره. كما أنه يجب استشارة المراجع القانونية فيه لإخلائه من أي عيب قبل تطبيقه.