لبنان: خطوة قاتلة في توقيت قاتل!
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثأئر –

يعترف الجميع أننا نعاني من أزمة نظام، لكن المشكلة أن كل طرف يرى سبباً مختلفاً لهذه الأزمة، ولديه أيضاً هدفه الخاص، خلف طرح تعديل الدستور. ولقد سبق أن دعا أكثر من زعيم سياسي إلى البحث في تعديل اتفاق الطائف، الذي دون شك يوجد فيه عدة مواد إشكالية، يعتورها نقص في تحديد وإيضاح بعض النقاط، كما يوجد خلافات على تفسيرها.

ينبري البعض اليوم في التنظير لمؤتمر حواري، يتم من خلاله الاتفاق على تعديل الدستور. وبِغضّ النظر عن حسن نية هذا البعض أو سوئها، فالسؤال الكبير هو:

إذا كان اللبنانيون غير قادرين على الاتفاق على تشكيل حكومة، طيلة أشهر، بسبب خلاف على عدد الوزراء، أو تسمية وزيرين، أو حقيبة وما شابه ذلك، فأي عاقل يتوقّع أن يتفقوا على تعديل الدستور وتطوير النظام ؟؟؟

إذا دققنا في أهداف البعض، سنجد كمّاً كبيراً من التناقضات: ففي موضوع تحديد مهلة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة مثلاً، هناك معضلة كبيرة، باعتبار أن تحديد أي مهلة زمنية لتشكيل الحكومة، ستُعطي رئيس الجمهورية القدرة على التحكم بالحكومة ورئيسها، بحيث يعمد إلى عدم توقيع مرسوم الحكومة حتى انقضاء المهلة الدستورية، وبالتالي يستطيع بذلك إلغاء تكليف أي رئيس حكومة لا يعجبه ، حتى لو اختاره النواب وتمت تسميته من قِبَلِهم. وهذا يعيدنا إلى ما قبل اتفاق الطائف، عندما كان رؤساء الحكومات موظفين لدى رئيس الجمهورية، يقفون على بابه طلباً للاستيزار. وهذا أمر سيرفضه الآن طبعاً كافة السنّة في لبنان.

لو كان لبنان بلداً علمانياً ونظامه غير قائم على محاصصة طائفية، لكان بالإمكان حل كافة العقد، وتدارك الثغرات الموجودة في الدستور.

أما في الوقت الحاضر فالمسيحيون يريدون من التعديل استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، والشيعة يريدون زيادة حصتهم في الحكم بما يتناسب مع عددهم، ويرى بعضهم أن الفرصة سانحة الآن في ظل قوة الثنائي الشيعي خاصة العسكرية، أما السنّة فيريدون تحرير رئيس الحكومة وإطلاق يده في تشكيل الحكومة، دون شرط موافقة رئيس الجمهورية عليها، وباقي الطوائف الصغرى تريد تعزيز حصتها في الحكم، وكسر احتكار الطوائف الثلاث الكبرى للرئاسات الثلاث، والمناصب الرفيعة في الدولة .فكيف يمكن الجمع بين هذه التناقضات وأي اتفاق يمكن أن نتوصل إليه ؟؟؟

لقد تم اتفاق الطائف، في ظل توازن قوى نسبي بين المسيحيين والمسلمين، وشكّل تسوية أنهت الحرب الأهلية، ووضعت خطوطاً عريضة لتطوير نظامنا السياسي. ولو صفت النيات، لكان بالإمكان البدء بتطبيق البنود الإصلاحية فيه؛ كإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس للشيوخ، يضمن عدم طغيان طائفة أو فريق على الآخر، وصياغة قانون انتخاب غير طائفي للنواب، وكذلك تطوير باقي مؤسسات الدولة، وإخراجها من منطق المحاصصات الطائفية، لتسود مكانها مبادئ الكفاءة والعدالة والمساواة.

إن البحث في أي مؤتمر تأسيسي جديد، أو تعديل لاتفاق الطائف، هو من قبيل التنظير السياسي الذي لا معنى له، وليس وقته الآن لأنه سيُشكّل باباً جديداً لتعميق الأزمة والتباعد والتفرقة بين اللبنانيين، وربما من الأجدى البحث في الأمور الممكنة، لتطبيق ما هو موجود من اتفاقات وقوانين، قبل القفز إلى المجهول، والدخول في دوامة الخلافات والمناكفات، وحروب الإلغاء والإقصاء من جديد.

فدعوة بعض السياسيين إلى تعديل الدستور الآن تُخفي خلفها جهل بالواقع اللبناني، أو أهداف أُخرى مبيتة لتغيير وجه لبنان الواحد، لصالح مشاريع اقليمية، أو طروحات الفيدرالية والتقسيم، تحت عناوين خادعة، كالمطالبة باللامركزية الموسّعة التي تصل إلى حدود اللامركزية الأمنية، بينما المتفق عليه في الطائف هو لامركزية ادارية، بتوسعة صلاحيات القائمقامين، وليس تحويل المحافظات إلى كانتونات شبه مستقلة.

إن الدعوة لتطوير النظام مهمة، وقد تكون ضرورية مستقبلاً، لكنها الآن تأتي في توقيت قاتل. فاللبنانيون وبعد ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب، لم يتمكّنوا من تنفيذ ما ارتضوه واتفقوا عليه في الطائف، وهم عاجزون الآن عن الاتفاق على استراتيجية دفاعية أو حتى البحث بها، ولا حتى لديهم القدرة على تطبيق قانون مكافحة الفساد، أو قانون انتخاب وطني جامع، أو تطبيق ما هو أبسط من ذلك ، كقانون السير ، ومكافحة التهريب والاحتكار، وغير ذلك، فما بالكم بتعديل الدستور، وتطوير النظام، والنيات المبيتة خلف هذا الطرح؟؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى