إهانة تاريخية في موسم التنزيلات الحزبية
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
تغيرت رؤيا الأحزاب الاردنية وطموحها من البحث عن السلطة وتشكيل الحكومات إلى الإكتفاء بمقعد هلامي في مجلس النواب، وهو مقعد لن يحصلوا عليه بجدارتهم وبثقة الشعب بهم، ولا بفضل قواعدهم الحزبية المتهالكة، بل بفضل تفصيل قانون مناسب من قبل لجنة الإصلاح السياسي أو لجنة الخياطين للحياكة السياسية يمنحهم “كوته” حتى يتواجدوا تحت قبة البرلمان، وهو قرار وللحق يلحق بالأحزاب الاردنية إهانة أو “قلة قيمة” لم تحدث في تاريخ المملكة الممتد لقرن من الزمن، فأصل الاشياء أن تقود الأحزاب المجتمع لا أن تكون مجرد ضيف ثقيل الظل في مجلس النواب بدعوة خجولة من الحكومة، وهذا يعني ان وجودها مجرد ديكور لإضافة مظهر جمالي على المجلس، وليس من أجل زيادة فعاليته وعمله والإرتقاء بدوره في مجتمع يعتبر المجلس عبء على جيب المواطن.
لقد وجهت لجنة الإصلاح السياسي الضربة القاضية للأحزاب الاردنية وجعلتها تشعر بأنها بلا قيمة، وأنها مجرد عميل تبحث عن إسترضائه في زمن التنزيلات وتوزيع الكوتات، واذا وافقت الأحزاب المتهافتة على اي منصب فإنها ستصبح مجرد دمية بيد الحكومة تحركها كما تشاء، وتقوم الدمية الخشبية بالحركة حسب اصابع محركها، لذا سنجد أنهم سيصبحون طوع أمر الحكومات بل عنصر جديد للدفاع عنها، وربما يكون هناك زواج كاثوليكي لا رجعة عنه بينهما، بل ان الأحزاب سترتعب من اي خطأ قد تقوم به بقصد أو دون قصد حتى لا يتم الإلقاء بها خارج المجلس، وهو قرار إن حصل سيقابله الشعب بالتصفيق بعد أن صفعت الأحزاب وكبلت نفسها بقانون مرتهن وخجول.
لقد كنا نتوقع أن يتم تعديل قانون الأحزاب ليمنحها مرونة الحركة وزيادة عدد منتسبيها، كما توقعنا أن يتم زيادة أعضاء الهيئات العامة للأحزاب بحيث لا يجب أن تقل على عشرة الآف عضو، وأن يكون لها خمسة فروع في خمس محافظات على اقل تقدير، وبالتالي يتم التخلص من الأحزاب الورقية الباحثة عن الخمسين ألف دينار قيمة الدعم الحكومي، ولن يبقى في الساحة إلا الأحزاب القوية التي استطاعت أن تُقنع الشعب برسالتها وأهدافها وقدراتها على عمل إضافة نوعية وهامة للوطن المواطنين، وقد تتسبب التغيرات المقترحة بدمج الأحزاب ليصبح لدينا “مولات” حزبية بدلاً من “البقالات” المنتشرة في شتى المحافظات ولا تقوم باي عمل سوى جلسات ترحيبية لا قيمة لها.
وندرك أن الحكومات السابقة واللاحقة ولجنة الإصلاح السياسي تبحث عن بقاء جمالية الأحزاب كمنظر ليس إلا، وهذا أمر يتناسب مع طموح العديد من الأحزاب الباحثة عن زيادة صور قياداتها في الصحف والمواقع الإلكترونية، كما يبحثون عن جمع المناصب دون أن يتركوا إرث حضاري يتحدث به الشعب، فعلى مدار السنوات الماضية لم نجد للأحزاب رؤيا خاصة بما يجري، ولم نسمع عن حلول طرحتها الأحزاب لمعالجة المشاكل التي تعصف بالوطن، وكان دورهم توجيه الإنتقادات التي يوجهها اي مواطن للحكومات، وهذا يعني أنهم افتقدوا لأهمية دورهم في بناء الوطن والذي يمتد من خلال البناء الداخلي للأحزب على الديموقراطية الحقيقة وتبادل السلطة، ومناقشة قضايا وهموم الوطن إلى الحوار البناء مع بقية الأحزاب والنقابات والحكومة حتى تكتمل المعادلة السياسية الحقيقية، لكن ما يجري يثبت أنه لا طموح لدى الأحزاب في الإرتقاء ولا للحكومة بالنهوض والتشاركية، مما يعني أن مجلس النواب القادم بطريقة الكوتات سيكون الأسوء عبر تاريخ المملكة.