الحدود المغربيّة اقرب من “سدّ النهضة”
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

مرّة أخرى، يؤكّد الملك محمّد السادس ان همّه الاوّل هو المغرب والمواطن المغربي، إضافة الى الاستقرار في منطقة المغرب العربي وجوارها.

في خطاب الذكرى الـ22 لعيد العرش، ركّز العاهل المغربي على نقطتين أساسيتين. تتعلّق النقطة الأولى بالمغرب نفسه وجائحة “كوفيد – 19” ونجاحه في مواجهتها بما سمح ببدء التعافي الاقتصادي.

تتعلّق النقطة الثانية بالعلاقة بالجزائر التي يهمّ الاستقرار فيها المغرب. ثمّة دعوة مغربيّة جديدة، واضحة ومباشرة، الى الجزائر كي تعتمد المنطق بعيدا عن عقدة المغرب مع ما يعنيه ذلك من إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994.

قرّرت الجزائر القيام بوساطة بين مصر والسودان واثيوبيا في شأن “سد النهضة” فيما تفشل في الردّ على مبادرة المغرب الهادفة الى التعاون بين البلدين في كلّ المجالات، علما انّ مثل هذا التعاون يعود بالخير على الشعبين. ليس الهروب الى وساطة بين مصر والسودان واثيوبيا، وهي وساطة لا افق لها، سوى تأكيد لعجز النظام في الجزائر عن الاهتمام بالجزائريين ورفاههم والاعتراف بانّ ليس لديه ما يقدّمه افريقيا غير الشعارات الفارغة التي لا تقدّم ولا تؤخّر بمقدار ما تكشف فضيحة كبيرة. تتمثل هذه الفضيحة في الفشل في مواجهة جائحة “كوفيد – 19” التي تجتاح الجزائر في ظلّ ازمة اجتماعية تهدّد بانفجار كبير. تظهر الازمة مدى تخلّف النظام الصحّي الذي سبق للرئيس عبدالمجيد تبّون ان وصفه بانّه “الافضل في المنطقة” وذلك عشية توجهه الى المانيا ليعالج من “كوفيد – 19” في احد مستشفياتها. اين ذهبت أموال النفط والغاز الجزائريين؟ الم يكن من الأفضل استثمارها في الجزائر نفسها وفي تحسين النظام الصحّي بدل الهرب الى “سدّ النهضة”، وقبل ذلك الى افتعال مشكلة مع المغرب عن طريق أداة اسمها “بوليساريو”؟

في مجال مواجهة “كوفيد – 19″، أكّد محمّد السادس انّه “من حقنا اليوم، أن نعتز بنجاح المغرب في معركة الحصول على اللقاح، التي ليست سهلة على الإطلاق، كذلك بحسن سير الحملة الوطنية للتلقيح، والانخراط الواسع للمواطنين فيها”. تحدّث ملك المغرب عن مفاهيم جديدة ولدت من رحم المواجهة مع “كوفيد – 19”. تحدّث عن “السيادة الصحية كعنصر أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد”. اشار في هذا المجال الى “اطلاق مشروع رائد، في مجال صناعة اللقاحات والأدوية والمواد الطبية الضرورية في المغرب”. حذّر في الوقت ذاته من انّه “على رغم كل هذا، لا بد من التنبيه إلى أن الوباء مازال موجودا، وأن الأزمة مازالت مستمرة. وعلى الجميع مواصلة اليقظة، واحترام توجيهات السلطات العمومية، في هذا الشأن”.

كان المغرب كلّه مجندا في مواجهة “كوفيد – 19”. سمح ذلك لمحمّد السادس بالقول انّه “بفضل هذا المجهود الوطني الجماعي، يسجل الاقتصاد الوطني مؤشرات إيجابية، على طريق استعادة قدراته الكاملة. إنها مرحلة صعبة علينا جميعا، وعلي شخصيا وعلى أسرتي، كباقي المواطنين، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم، وأتقاسم معهم نفس الشعور. ورغم أن هذا الوباء أثر بشكل سلبي، على المشاريع والأنشطة الاقتصادية، وعلى الأوضاع المادية والاجتماعية، للكثير من المواطنين، حاولنا إيجاد الحلول، للحد من آثار هذه الأزمة”.

لا يفصل محمّد السادس بين “مبادراته التنموية على المستوى الداخلي” من جهة وبين “حرص المغرب بالعزم نفسه، على مواصلة جهوده الصادقة، من أجل توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، خصوصا في جواره المغاربي”، من جهة اخرى.

قال في هذا المجال انّه “إيمانا بهذا التوجه، فإننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار. ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”.

لم يخف انّ “ما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر لأنهما كالجسد الواحد. ذلك أن المغرب والجزائر، يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات، والاتجار في البشر. فالعصابات التي تقوم بذلك هي عدونا الحقيقي والمشترك. وإذا عملنا سويا على محاربتها، سنتمكن من الحد من نشاطها، وتجفيف منابعها. ومن جهة أخرى، نتأسف للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء الى صورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية.

لذا، ندعو إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا. فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان.

لذا، أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك”.

ما ورد على لسان العاهل المغربي كلام منطقي ووصف دقيق لواقع. الحدود الجزائرية – المغربيّة مغلقة منذ العام 1994. كيف يمكن تفسير الرفض الجزائري لاعادة فتح الحدود وكأن العالم يراوح مكانه وكأن شيئا لم يتغيّر منذ 1994؟

تصعب الإجابة عن هذا السؤال وعن غياب المنطق الجزائري، بالحدود الدنيا للمنطق. إنّنا امام منطق اعوج يقوم على فكرة ان كلّ ما يضرّ بالمغرب يفيد الجزائر. الحاق الضرر بالمغرب همّ جزائري، حتّى لو كانت الجزائر تتعرّض لضرر اكبر من الذي يلحق بالمغرب. لا ادراك في الجزائر لواقع يتمثّل في انّ هناك شيئا اسمه المنطق وأنّ الهرب الى “سد النهضة” ليس منطقا. المنطق يقول ان هناك مصالح متبادلة بين الجانبين المغربي والجزائري. يحتّم المنطق الذهاب الى الممكن بدل الهرب الى المستحيل. الممكن الانفتاح على المغرب من دون عقد والاستفادة من كلّ الإنجازات المغربيّة، بدءا بالحصول على اعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء… وصولا الى نجاح المملكة في حربها على “كوفيد – 19” في حين لا تزال الجزائر تعاني من ازمة اوكسيجين.

عندما تسيطر مثل هذه العقلية على سلوك النظام الجزائري، لا يعود من مجال لمنطق يقول، اوّل ما يقول، ان الحدود مع المغرب اقرب بكثير من “سدّ النهضة”!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى