لا بد من سوريا وإن طال السفر
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
صعبت الجغرافيا السياسية من حسابات الدولة الأردنية ليس خلال هذا العقد فحسب بل منذ تأسيس الإمارة قبل مائة عام مضت، وكان صانع القرار في الامارة ولاحقا في المملكة كمن يمشى على حبل مشدود لا يحتاج للياقة البدنية فقط بل لعقلية ابداعية وقدرة فائقة على التوازن، واستطاع الأردن بفضل حكمة قيادته والتفاف الشعب حول هذه القيادة من كبح جماح كل مشاريع التآمر ومحاولات إضعاف الدولة التى صمدت صموداً يمكن وصفه وبلا مبالغة بالاسطوري، في الوقت الذي تهاوت فيه دول كانت تعتقد انها حديدية وامبراطوريات كانت تعتقد انها لن تغادر التاريخ.
واعتقد ان النهج الهادئ للسياسة الخارجية الاردنية وتحديدا تجاه دول الجوار الجغرافي والتى هي دول شقيقة كبرى ساهم هذا النهج وبلا ادنى شك في ابعاد الاردن عن الاحداث الكبيرة والخطيرة التى حدثت والتى تحدث الآن في بعض تلك الدول، وهذا النهج لم يكن الهدف منه دعاية سياسية بل كان مصلحة وطنية عليا ونهجا مبدئيا امن به الملوك الهاشميون من المملكة الاولى حتى المملكة الرابعة وتغذى هذا النهج وتعزز على جملة من المبادئ التى زادت من قيمة الاردن ليس في الاقليم فحسب بل في العالم كله ومن ابرزها:
أولاً: الايمان المطلق بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاخرى وبخاصة في دول أشقاء في الجوار الجغرافي.
ثانياً: نتيجة للمبدأ الاول انبثق المبدأ الثاني والمتمثل بعدم وجود ايدولوجيا او عقيدة سياسية او مشروع سياسي يعمل الاردن على تصديره للخارج على غرار اغلبية الدول في المنطقة والاقليم على الرغم من ان تكوينه السياسي ارتبط ارتباطا وثيقا بالثورة العربية والتحولات الكبرى التى جرت في اعقاب الحرب العالمية الاولى وسقوط الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الروسية وانعكاس ذلك على الامة العربية التى مثلها الهاشميون والشريف الحسين بن علي وأولاده وتحديدا فيصل الاول وعبدالله الاول الذين صنعوا الاستقلال الوطني في سوريا وبعدها الاستقلال الوطني العراقي وبنوا الدولة العراقية الحديثة والدولة الاردنية.
ثالثاً: بحكم تلك المبادئ والحقائق التاريخية تحول الاردن ومنذ مطلع القرن الماضي الى حضن دافئ للاشقاء العرب حتى قبل نكبة احتلال فلسطين واستقبل الفلسطيني واللبناني والعراقي والسوري واليمني والسوداني ومازال فاتحا ذراعيه للاشقاء.
رابعاً: لم يسمح الاردن وطوال اكثر من سبعين عاما للتناقضات التى برزت مع دول الجوار ان تصل الى حالة من الصدام العسكري–الدموي، وحرص دائما وبخاصة في حقبة الحسين رحمه الله التى كانت حقبة مليئة بالتوترات والمؤامرات عليه شخصيا وعلى امن المملكة والشعب الاردني حرص رحمه الله على ممارسة اعلى درجات ضبط النفس رغم مرارة الالم الذي كان يعتصره بعد اكتشافه كل مؤامرة من المؤامرات كانت تستهدف حياته.
ارتبط الاردن تاريخياً بمحيطه الجغرافي غير ان ارتباطه بالشقيقة سوريا له طعم مختلف، من دمشق اعلن الملك فيصل الاول دولة الهاشميين الاولى ومنها انطلقت الشرارة الاولى لاسقاط مؤامرة سايكس بيكو، وبقيت دمشق كما القدس الاقرب الى قلب عمان مهما كان الاختلاف او التباين، وللتاريخ دائما فعله السحري في اذابة اوساخ السياسة، فما بين عمان ودمشق اكبر بكثير من اي خلاف، ولسان حال عمان يقول قول الشاعر اليمني الكبير عبد العزيز المقالح وبالاستعارة (لا بد من سوريا وان طال السفر) وهي مطلع قصيدته الشهيرة التى قيلت بصنعاء.