المجتمع الدولي و”محاباة” مدمّري لبنان وقتلة شعبه
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
يشبه المجتمع الدولي في تعاطيه مع لبنان ذاك القاضي الذي تهرع اليه امرأة تستنجد به من بطش زوجها المعنّف لها والمشرّد لأطفالها والمكسّر لمنزلها والمتاجر بعرضها والمهدّد بقتلها، فيشفق عليها ويهبها ثمن عشاء تسدّ به جوعها، ويعيدها الى “مضطهدها” محمّلاً إيّاها رسالة الى زوجها تندّد بأفعاله وتحثّه على تحسين سلوكه وتشرح له بإسهاب أهمية دور الزوج والأب في العائلة.
وتشبه القيادات السياسية اللبنانية هذا الزوج الذي ما إن يفرغ من قراءة الرسالة حتى ينهال على زوجته ضرباً ويسلبها “الهبة” التي يسارع الى خسارتها على طاولة القمار ، ومن ثم يعود الى منزله المرهون غاضباً، حيث ينكّل بأولاده لأنّ أنينهم المتأتي من بطونهم الجائعة وأمراضهم المستحكمة، يزعجه.
وعبثاً تحاول هذه المرأة أن تتحرّر من زوجها، فعائلتها ترفض الطلاق، لأنّه حرام، ورجال الدين ينهونها عن التمرّد، لأنّه مناف للتعاليم السماوية، وشقيقاتها يرفضن استقبالها لأنّ منازلهن ضيّقة ومواردهنّ محدودة، والقاضي يرفض تطليقها لأنّه يخشى على نفسه من هذا الزوج العنيف الذي يحميه أقوياء يعينهم على إشباع نهمهم وغرائزهم.
إنّ التدقيق في الكلمات التي ألقيت في “مؤتمر دعم الشعب اللبناني” الذي نظمته، أمس الرئاسة الفرنسية بالاشتراك مع الامانة العامة للأمم المتحدة لا يسمح بتفريق حالة لبنان عن حالة هذه الزوجة، ولا غالبية المتكلّمين عن حالة ذلك القاضي.
ومن يتابع التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي على ما نشره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن لبنان، بمناسبة حلول الذكرى السنوية الاولى لتفجير مرفأ بيروت، يدرك ذلك، فهو بدا، بالنسبة لكثير من متابعيه، مثله مثل “مرتا الانجيلية” التي قال لها السيّد المسيح، فيما كانت غارقة في تحضير مائدة الغداء له:” تهتّمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”.
ممّا قاله المعلّقون لماكرون :
-تهب اللبنانيين لقاحات ضد وباء كورونا وتتركهم أسرى لسلاح “حزب الله”الفتّاك.
-ترسل الى الشعب اللبناني أموالاً وتستنجد بناهبيهم حتى يشكلّوا حكومة إنقاذية.
-تستعجل الحقيقة في ملف انفجار مرفأ بيروت وتترك التحقيق في أيادي هؤلاء المتورطين بهذه الجريمة.
وهذا الكلام لا يمكن ان يصيب ماكرون بصدمة، فهو يعرف صحته، ويدرك أنّ الرأي العام الفرنسي المهتم بالملف اللبناني مطلع على أدوار “حزب الله” وتداعياتها السياسية والاقتصادية، وهو يقتحم كل تفاصيل ملف تفجير مرفأ بيروت.
وفي هذا الاطار، فإنّ كبريات وسائل الاعلام في فرنسا، تتابع مسلسل الخزي والعار الذي يعرقل وصول التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الى معرفة الحقيقة.
وهذا المسلسل لا ينحصر بموضوع الحصانات السياسية والحمايات الادارية، بل يتعدّاه الى ما هو أخطر: ترهيب الشهود.
وترهيب الشهود يهدف الى منع وصول التحقيق الى معرفة الهوية الحقيقية للجهة المتورطة باستيراد نيترات الامونيوم، وتخزينها العشوائي، وسرقة كميات منها في توقيت يناسب حلف “حزب الله” وبشار الأسد الحربي ، وغياب كاميرات الرصد عن العنبر الذي كانت فيه، دون غيره من العنابر، وتقصّد إهمال التحذيرات الخطرة.
وقد بيّنت التحقيقات أنّ هناك كثيرين في مرفأ بيروت يعرفون حقائق مهمة، لكنّهم يخشون على حياتهم من الإدلاء بها والافصاح عن أسمائهم.
وقد “همس”بعض الموظفين الموقوفين في الملف أنّهم يملكون أدلّة “تزلزل الأرض”، لكنّهم يفضّلون تمضية سنوات من عمرهم في السجن على أن ينبسوا بكلمة واحدة، لأنّه حينها سيخرجون الى القبر .
وسبب رعب هؤلاء ممّا يعرفونه يعود الى ظنون لم تبدّدها السلطات اللبنانية أبداً بأنّ اربع جرائم قد ارتكبت لمنع الحقيقة من السطوع، وهي استهدفت تباعاً، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش” كلّاً من: العقيد المتقاعد جوزف سكاف، العقيد المتقاعد منير أبو رجيلي، المصوّر جوزف بجّاني، والمفكّر لقمان سليم “الذي كان اوّل من ربط بين نيترات الامونيوم وبراميل بشار الاسد المتفجّرة”.
وهذا يعني أنه بين الانفجار الكارثي والحقيقة الناصعة هوة عميقة جداً، لا يمكن ردمها، إلّا في ذلك اليوم الذي لا يعود فيه المتورط بالجريمة هو صاحب القرار في البلاد.
وما حصل ويحصل في لبنان، على كل الصعد، وينتج المآسي التي لا تتوقف وسائل الإعلام اللبنانية والدولية عن سردها بذهول كبير، ليس، بالمحصلة، إلا نتاج استسهال ارتكاب كبريات الجرائم، طالما أن موازين القوى من جهة، والحصانات الطائفية والقانونية، من جهة أخرى تضمن الإفلات من المساءلة.
وهذه الحقيقة يعرفها المجتمع الدولي ولكن لا يتصرّف على أساسها، ولهذا فهو يبدو كمن يغسل يديه من دماء اللبنانيين، لا أكثر ولا أقل.
واللبنانيون يعرفون أيضاً هذه الحقيقة التي تسعد أتباع القيادات السياسية، ولكنّها، في المقابل، تثير غضب المتحررين منهم الذين يحاولون، بشتى الطرق، أن يخلّصوا جميع اللبنانيين من عبء ثقيل.
وعليهم…الإتّكال.