عندما تسلم “حزب الله” مهمة “الحرس الثوري” الإيراني في الإقليم

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

كأنما لبنان يقف على صفيح ساخن، فبينما ينصب تركيز مواطنيه على الأزمات والمصائب الداخلية، تتكثف التطورات على حدوده الجنوبية مع إسرائيل. وتعنون الصحف الإسرائيلية بشكل يومي تقريباً، عن الأوضاع اللبنانية، وناقشت بعض التقارير تداعيات انهيار لبنان على مصالحها. ولأن الهواجس الأمنية هي ما يدفع إسرائيل إلى الاهتمام بالوضع اللبناني، فلعله من المفيد أن يولي المراقب اهتماماً بما يجري على الحدود.

كان الجيش الإسرائيلي أعلن في يوليو (تموز) الماضي أنه أحبط محاولة تهريب أسلحة “كبيرة” من لبنان إلى إسرائيل. وبحسب قوات الأمن الإسرائيلية تمت في التاسع من شهر يوليو الماضي، مصادرة 43 قطعة سلاح ناري تبلغ قيمتها ملايين الشواكل (العملة الإسرائيلية) قرب قرية الغجر، بعد أن رصدت قوات المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي أكياساً للتهريب. وقال الجيش في بيان، إنه يدرس احتمال أن تكون محاولة التهريب تمت بمساعدة منظمة “حزب الله” الإرهابية، مشيراً إلى أنه يحقق مع الشرطة الإسرائيلية لمعرفة منفذي محاولة تهريب هذه الأسلحة.

في السياق، نشرت قناة “كان 11” الإسرائيلية تقريراً يوم الجمعة 30 يوليو( تموز)، أشارت فيه إلى شروع الحكومة في تحصين المنازل والمباني العامة المتاخمة للمناطق الحدودية جنوبي لبنان. وذكرت القناة أن هذه العملية يُفترض أن تنطلق بداية الأسبوع المقبل. كما سيتم إطلاق العمل على إقامة فاصل بطول المناطق الحدودية. وكانت الحكومة الإسرائيلية رصدت ميزانية لوزارة الأمن تصل إلى 58 مليار شيكل (18 مليار دولار) من مجمل الموازنة العامة الإسرائيلية لعام 2022، التي سترتفع لتصل إلى 560 مليار شيكل (173.5 مليار دولار)، بحسب التقرير.

وتحدث تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية بتاريخ 19 يوليو، عن أن حرب إيران وإسرائيل البحرية آخذة في الاتساع، وأن انهيار لبنان سيؤدي إلى تفاقم هذا “الصراع الخفي” في البحر الأبيض المتوسط، الذي سيخرج للعلن. وذلك على خلفية إرسال إيران لسفينة “عرمان 114″ التي ترفع العلم الإيراني وتحمل النفط الخام الإيراني، إلى لبنان، بعد أيام قليلة من تعهد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله باستيراد الوقود من طهران. وأعلن زعيم ميليشيات حزب الله، حسن نصر الله يوم الثلاثاء 3 أغسطس (آب) أن الحزب مستعد لاستيراد الوقود من إيران “لمساعدة الشعب اللبناني”. وذكر أن وفدا من حزب الله يزور إيران لبحث هذا الموضوع، مؤكدا أن استيراد الوقود سيبدأ “عبر البر أو البحر” قريبا.

وبحسب التحليل فإن الصراع تركز في الغالب على ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى سوريا المتعطشة للنفط “والآن توسع ليشمل لبنان الذي يبدو على نحو متزايد على وشك الانهيار الاقتصادي”. وغردت مدونة “إنتلينيوز” (IntelliNews)، التي تُعنى بشؤون الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية، أن “حزب الله يقوم بعملية لوجستية لتهريب الوقود الإيراني إلى لبنان”.

“حزب الله” والدفاع عن ناقلات النفط الإيرانية

على المقلب اللبناني، أشارت مصادر إعلامية إلى أن معدلات التوتر ترتفع بين “حزب الله” وإسرائيل. وأضافت أن “الحزب” بعث برسالة تهديد لإسرائيل عبر روسيا، مفادها أنه سيقوم بعملية رد كبيرة، في حال التعرض لأي حافلة إيرانية تعمل على نقل النفط الإيراني إلى لبنان أو سوريا. ورد الإسرائيليون بدورهم وعبر فرنسا هذه المرة، بأن قواتهم ستعمل على استهداف أي ناقلة نفط إيرانية تتجه إلى سوريا أو لبنان.

“استراتيجية إسرائيل لاستهداف ناقلات النفط الإيرانية لا تزال نشطة للغاية” بحسب تقرير “فورين بوليسي”. كما أن تصميم إيران على مهاجمة السفن التجارية الإسرائيلية أو سفن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج لا يزال متواصلاً.

يُذكر أن طهران تستخدم ناقلاتها في سياسة ابتزاز للدول الغربية، حيث أرسلت ناقلات محملة بالنفط إلى فنزويلا العام الماضي. من هنا يأتي التصعيد في بحر عمان، ما دفع بالإدارة الأميركية إلى التعليق على الهجوم الذي استهدف الناقلة “ميرسر ستريت” بلسان المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، التي قالت إن “لإسرائيل حرية اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة بشأن إيران”.

ويأتي في السياق، ما سُرِّب من تقارير عن أن الجيش الإسرائيلي وضع على رأس أولوياته ضمان جهوزية عناصره ضمن خطة حربية لمواجهة “حزب الله”، إذ جند مئات في وحدة جديدة أطلق عليها اسم “أشباح”، هدفها اغتيال عناصر النخبة في “الحزب” داخل لبنان، بعد أن كان حذر من خطورة الحرب المقبلة.

لبنان أم إيران؟

لكن ما هي مصلحة لبنان واللبنانيين في كل هذا؟ وهل يعمل “الحزب” ضمن خطة إيرانية أم أنه يملك أجندته الخاصة؟

يتحدث تقرير لماثيو ليفيت، مدير برنامج “ستاين” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، نشر في أغسطس (آب) 2020، عن رسالة مفتوحة لقيادة “حزب الله”، مؤرخة في فبراير (شباط) 1985، تتضمن أهداف التنظيم ومبادئه. وجاء فيها “في ما يتعلق بقوتنا العسكرية، لا يستطيع أحد تصور أبعادها لأننا لا نملك جهازاً عسكرياً منفصلاً عن الأجزاء الأخرى من منظمتنا. كل واحد منا هو جندي مقاتل متى استدعت الدعوة للجهاد، وكل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد”. وفي ورقة بحثية لليفيت أيضاً، نُشرت في 26 يوليو(تموز) الماضي، في معهد الشرق الأوسط، بعنوان “أنشطة حزب الله الإقليمية لدعم شبكات الوكلاء الإيرانية”، يحلل فيها أنشطة “حزب الله” الداعمة لإيران، التي تتجاوز قواته المنتشرة في سوريا، وتمتد لما يقدمه من تدريبات للميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران في مختلف أنحاء المنطقة. الورقة البحثية مقسمة إلى عدة أجزاء، وتتحدث عن نشأة الحزب ودور إيران في تشكيله، وعن تطوره كحزب أيراني، وكيف تحول إلى مركز للجاذبية، وولاءاته وأهدافه. والأهم في ذلك هو أنشطة “الحزب الإقليمية”، وكيفية دعمه وتدريبه للميليشيات الشيعية الموالية لإيران في المنطقة، إضافة إلى الأنشطة المالية غير المشروعة.

يذكر أن إيران لا تعترف باتهامات تدريب الميليشيات الشيعية المتحالفة معها وتزويدها السلاح في العراق واليمن وسوريا، لكن وسائل الإعلام الحكومية وكذلك قادة الحرس الثوري يبدون دائما دعما لإجراءات هذه الميليشيات التي تعتبرها غالبية الدول العربية مزعزعة للاستقرار.

تطور “حزب الله” كوكيل لإيران

عن نشأة الحزب وأيديولوجيته وولائه، يجب التذكير بأن “الحزب” لا يخفي ولاءه الأيديولوجي للنظام الإيراني، ويذكر في بيانه الذي حدد أهدافه، الصادر عنه في 16 فبراير 1985، “إننا أبناء أمـة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسـست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسـد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.

يقول الباحث ماثيو ليفيت في تقريره، إن إيران لعبت الدور الرئيس في تأسيس الحزب، ويُعد ولاؤه تجاهها السبب في تأجيج الصراع المتأصل بين أهدافه المتضاربة في لبنان وعبر الشرق الأوسط. وتابع أن للحزب مصالح عميقة في لبنان، ويشارك في أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية. لكن الحزب منخرط أيضاً في مجموعة واسعة من الأنشطة القتالية والإرهابية والإجرامية خارج لبنان، التي تعد أساسية لفهم تلك الجماعة في مجملها.

تدريب “الحزب” لمجموعات تعمل بالوكالة لإيران

يشمل عمل “الحزب” تدريب مجموعات تعمل بالوكالة لإيران، وحتى نشر أفراد أساسيين ووحدات عسكرية خارج حدود لبنان. الأنشطة في الخارج، هي أكثر من نشاطه في الداخل أو حتى حروبه مع إسرائيل، ما دفع ببلدان كثيرة حول العالم إلى تكليف وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات لديها لمكافحة أنشطة “الحزب”. لكن أدواره في حرب سوريا والعراق، غيرت بشكل واضح، كيفية وطبيعة دور المجموعات الحليفة لإيران في كل أنحاء المنطقة. إذ نشر “الحزب” أعداداً كبيرة من أفراده خارج حدود لبنان، إضافةً إلى اعتماده برنامج تدريب منظم جداً، لمساعدة إيران على تطوير شبكات المقاتلين الشيعة. ونظراً لهذا التهديد الإقليمي المتعاظم، وصف مجلس التعاون الخليجي في عام 2016 “حزب الله” بأنه جماعة إرهابية. وأصدرت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي تصريحات تدينه أيضاً، ما أدى إلى حرب كلامية بين الحزب ومسؤولين خليجيين. وفي عام 2018، قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران بسبب ما تردد عن صلة “حزب الله” بجبهة البوليساريو.

ولا يعترف حزب الله بالمشاركة في الصراعات الإقليمية لصالح إيران عدا سوريا إذ دخلت الميليشيات البلد لمساندة نظام بشار الأسد بعد ثورة رفعت شعار سقوط النظام لكنها قمعت بشدة.

تسلم موقع “فيلق القدس” في الإقليم

الإشارة الأولى لتغيّر دور “الحزب” في المنطقة جاء بعملية التبديل الكبيرة في قيادات الصف الأول من تلك التي تركز على الحرب مع إسرائيل إلى تلك المتورطة في حروب اليمن والعراق وسوريا. وبرز “الحزب” كقوة موحدة لمجموعة واسعة من المسلحين الشيعة المرتبطين بإيران وفيلق القدس، خلال قيادته لتلك المجموعات في الحرب السورية. ومن ثم تولى قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني شخصياً، قيادة القوات المقاتلة للحزب، وجاء ذلك في بعض الأحيان على حساب قادته. بعد اغتيال سليماني في يناير (كانون الثاني) 2020، إلى جانب القيادي في ميليشيا “الحشد الشعبي” العراقية أبو مهدي المهندس، اضطلع “الحزب” حينها بدور قيادي في تنسيق أنشطة الشبكة الواسعة للمتطرفين الشيعة وكلاء إيران في المنطقة. وكان هذا العامل الأساس في تحول “الحزب” إلى مركز الثقل في المنطقة، وتحوله من كونه ميليشيا لبنانية تركز بشكل أساسي على الأنشطة في لبنان ومعارضة إسرائيل، إلى جهة فاعلة إقليمية تلعب دوراً قيادياً لشبكات إيران من الوكلاء المتشددين، نيابة عن الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس.

النشاطات الإقليمية بدأت منذ عام 1983

لطالما دعم “حزب الله” الجماعات المسلحة الشيعية الأخرى في المنطقة، حيث درب عناصرها، وشارك في شكل دوري في الهجمات الإرهابية مع أعضاء الجماعات الشيعية المسلحة الأخرى بأمر من إيران. ومع بداية عام 1985، ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية “CIA”، أن “حزب الله” أدار معسكراً للتدريب قرب جناتا (قرية في قضاء صور، جنوب لبنان)، ضم أكثر من 2000 مقاتل شيعي، بينهم حوالى 60 عنصراً من دول خليجية تم تدريبهم في المنشأة قبل إعادتهم إلى الخليج لتنفيذ عمليات هناك. وفي ديسمبر (كانون الأول) 1983، قام عناصر “حزب الله” اللبناني و”حزب الدعوة” العراقي بمهاجمة سلسلة من الأهداف في الكويت. وبعد سنتين من الحرب التي اندلعت في عام 2003 في العراق، وبسبب قلقها العميق من تواجد القوات الأميركية في كابول وبغداد، حملت إيران “الحزب” مزيداً من المسؤوليات الإقليمية المنفصلة عن المصالح والأنشطة الأساسية له في لبنان واستهداف إسرائيل. ويظهر التزام “الحزب” التوجيهات الإيرانية، من خلال التعيينات التي قام بها، حيث كرس كبار القادة لمهماته الإقليمية الجديدة.

“جيش المهدي” في العراق

كان “الحزب” كثف دوره في تدريب المقاتلين الشيعة العراقيين حتى قبل حرب عام 2006 مع إسرائيل، تنفيذاً لطلب إيران، وفق معلومات كشفت عنها وزارة الخزانة الأميركية في عام 2005. إذ طلبت إيران من “الحزب” تشكيل مجموعة لتدريب العراقيين على محاربة قوات التحالف في العراق، ما دفع بأمينه العام حسن نصر الله إلى العمل على إنشاء وحدة سرية لتدريب المقاتلين العراقيين وتقديم المشورة لهم، مثل “جيش المهدي” ومجموعات خاصة، بما في ذلك “عصائب أهل الحق”. وفي مايو (أيار) 2006، أرسل “الحزب” مدرباً رئيساً يدعى علي موسى دقدوق الموسوي إلى إيران لتنسيق البرنامج التدريبي وإجراء زيارات دورية إلى العراق. وكان دقدوق قائد العمليات الخاصة في “حزب الله” وناشطاً بارزاً منذ عام 1983، وترأس في جهاز حماية نصر الله. وخدم دقدوق في العراق، تحت قيادة يوسف هاشم، مسؤول “الحزب” عن الوحدة 3800، المصنفة وحدة “الحزب” العاملة في العراق. ولا يعترف حزب الله بهذا الدعم الذي يوصف بأنه سري.

download (1).jpg

في اليمن

تقول وزارة الخارجية الأميركية إن “الحزب” أرسل قادة أثبتوا قدراتهم وموثوقاً فيهم، إلى اليمن “لتوفير التدريب والعتاد والأفراد”، جنباً إلى جنب مع ضباط الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس) لدعم المتمردين الحوثيين. وتشير الحكومة الأميركية إلى أن المدعو خليل حرب، قائد عمليات خاصة سابق، المستشار الأمني لنصر الله، هو من أشرف على أنشطة “الحزب” في اليمن، عبر إدارة تحويل الأموال إلى التنظيم داخل البلاد. ومن ثم سافر إلى طهران للتنسيق مع المسؤولين الإيرانيين. كما أرسل “الحزب” قادة متمرسين في القتال مثل أبي علي طبطبائي، وهو قائد بارز في التنظيم، أُرسل أولاً من جنوب لبنان، حيث واجه القوات الإسرائيلية في سوريا، ولكن سرعان ما انتقل من هناك إلى اليمن، لتحديث برنامج تدريب الحوثيين على وسائل حرب العصابات.

ويُذكر أن موقع “وكالة الأنباء اليهودية” تحدث عقب إعلان الجيش الإسرائيلي إحباط محاولة تهريب أسلحة من لبنان إلى “إسرائيل”، عن وحدة تابعة للحزب تدعى “الوحدة 133″، عادت إلى نشاطها الأمني والعسكري. ويحقق الجيش الإسرائيلي في تورط خليل حرب، المعروف أيضاً بتجربته في تهريب “المخدرات” والأسلحة، على طول الخط الأزرق الفاصل بين إسرائيل ولبنان. وبحسب ضابط إسرائيلي، تم تعيين “حرب” في الأشهر الأخيرة، لمساعدة الوحدة 133 أو ربما لقيادتها. وكان “حرب” حسب الموقع، القائد السابق للوحدة السابقة (الوحدة 1800)، التي تشكلت في التسعينيات، وتم حلها بعد حرب لبنان الثانية عام 2006.

مصر

في سياق متصل، ترأس وحدة “الحزب” في مصر، محمد قبلان قائد فصيل مشاة سابق، بالتعاون مع ناشط آخر يدعى محمد منصور، كان عمله يتركز في جنوب لبنان، إضافة إلى ناشطين آخرين. وتركز عمل خلية “الحزب” في مصر، على تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حماس في قطاع غزة، ثم تحولت لاحقاً إلى استهداف الوجهات السياحية وغيرها في البلاد، حسب تقرير معهد الشرق الأوسط.

تجربة الحزب “المذهلة” في سوريا

وأجرى “الحزب” في عام 2013، تغييرات هيكلية كبيرة في قيادته العسكرية للإشراف على التزامه الهائل في سوريا. وأضاف قيادتين عسكريتين جديدتين، إلى قياداته الموجودة في جنوب وشرق لبنان، الأولى على الحدود اللبنانية – السورية، والثانية داخل سوريا نفسها. ثم نقل عناصر رئيسة من قيادته الجنوبية، على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل. وكان من بين هؤلاء مصطفى بدر الدين، الذي تولى قيادة العمليات الإرهابية الخارجية للحزب بعد قريبه عماد مغنية، إثر مقتل الأخير في عام 2008. بدأ بدر الدين في عام 2012، بتنسيق الأنشطة العسكرية للحزب في سوريا، وسرعان ما تولى المنصب المزدوج المتمثل في الإشراف على العمليات الخارجية وكذلك القيادة السورية للحزب. كان بدر الدين ناشطاً كبيراً مخضرماً، ومتورطاً في تفجير ثكنة أميركية في بيروت عام 1983، والتفجيرات الإرهابية في الكويت في الثمانينيات، من بين هجمات أخرى. جاء تعيينه في هذا المنصب كأقوى إشارة إلى التزام “الحزب” الكلي الحرب في سوريا. في الواقع، ووفقاً لمسؤولي المخابرات الأميركية، تردد نصر الله عندما طلب منه قادة “الحرس الثوري” الإيراني نشر قوات الحزب في سوريا للدفاع عن نظام الأسد.

المرشد ناشد نصر الله

وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، وافق نصر الله على الانتشار في سوريا، بعدما تلقى مناشدة شخصية من المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي أوضح أن طهران تتوقع من “حزب الله” أن يتصرف بشكل حاسم في الحرب السورية. فدخل الحزب منذ سبتمبر (أيلول) 2011 على أقل تقدير، إلى سوريا ثم حضر بشكل أكبر وأكثر تنظيماً في منتصف عام 2012، حين تولى نصر الله شخصياً مسؤولية الإشراف على نشاطاته في الداخل السوري. وبدأ نصر الله وبدر الدين بعقد اجتماعات استراتيجية تنسيقية أسبوعية مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. بعد خطاب نصر الله في أغسطس 2013، الذي دافع فيه عن نشاط حزبه في سوريا كجزء من “مقاومته” ضد إسرائيل، علق لبنانيون شيعة قائلين إنه “إما أن المقاتلين أضاعوا فلسطين على الخريطة ويعتقدون أنها في سوريا، أو أنهم أُبلغوا أن الطريق إلى القدس يمر عبر القصير وحمص”، وهي مواقع في سوريا قاتل فيها الحزب مع الموالين للأسد ضد المعارضين.

خسائر “الحزب” في سوريا

وأشرف كبار قادة “حزب الله” على الأنشطة العسكرية في سوريا. وكانت وزارة الخزانة الأميركية أفادت أن إبراهيم عقيل وفؤاد شكر، وكلاهما عضو في “مجلس الجهاد” الجناح العسكري للحزب، لعبوا دوراً حيوياً في الحملة العسكرية في سوريا، من خلال مساعدة مقاتلي الحزب ومؤيدي قوات النظام السوري ضد المعارضة. وفي مقابل إسهامات “حزب الله” وإيران في الحفاظ على نظام الأسد، سمحت الحكومة السورية لهما بتأسيس شبكة من النشطاء أغلبهم من السوريين قرب الجولان السوري، في محاولة منها لفتح جبهة جديدة مع إسرائيل.

يُذكر أنه نُشر ما يصل إلى 10000 من مقاتلي “حزب الله” في سوريا في وقت واحد. وقام “الحزب” بتدريب متشددين شيعة آخرين على القتال في سوريا. لكن برز دور “الحزب” ليس بسبب عديده الكبير، بل لمشاركته المباشرة في القتال في كل أنحاء البلاد، من المناطق القريبة من الحدود اللبنانية شمالاً إلى حلب وأسفل الجنوب قرب الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان. وبأوامر مباشرة من إيران، لعب مقاتلو “الحزب” دوراً حاسماً في قلب مجرى الحرب الأهلية لصالح نظام الأسد. أسفر ذلك عن تكبد “حزب الله” خسائر كبيرة أكثر مما خسره في كل معاركه ومناوشاته مع القوات الإسرائيلية. حيث قُتل ما بين 1600 و2000 عنصر، وهو ما يؤشر، بناءً على التقديرات العسكرية النموذجية، إلى إصابة ما بين 4800 و6000 من عناصره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button