طالبان والنصر المستحيل
بقلم: تاج الدين عبد الحق

 

النشرة الدولية –

حتى لو استطاعت حركة طالبان الأفغانية، استعادة سلطتها على كابول، وتحقيق نصر حاسم على القوات الحكومية، وإجبار القوات الأجنبية المتحالفة على الانسحاب الكامل، فإن ذلك لن ينهي الحرب الطويلة في أفغانستان.

فالحرب في الأساس ليست حربًا وطنية، بين الأفغان والقوات الأجنبية، بل هي حرب أهلية ممتدة في طول البلاد وعرضها، بين فصائل أفغانية متنازعة تناوبت الأدوار، فكانت حينًا ممسكة بالسلطة الرسمية، وحينًا آخر في صفوف المعارضة المسلحة.

ولم تنجح سيطرة حركة طالبان في مراحل الحرب الأولى في إنهاء الحرب الأهلية التي ظلت مستمرة بأشكال ومستويات مختلفة، إلى أن تم تقويض حكم الحركة وإنهاء سيطرتها على مقاليد السلطة بالغزو الأمريكي، الذي بدأ في العام 2001 ردًا على هجمات 11 سبتمبر التي شنها تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من الساحة الأفغانية منطلقًا له.

وهذا بالضبط ما حصل بعد دحر قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان بعد حرب مع حركات المجاهدين الأفغان استمرت عشر سنوات بين عامي 1979 و1989، وقد بدا وقتئذٍ نصرًا مؤزرًا للمجاهدين، لتدخل تلك الحركات بعدها مباشرة في حروب تصفيه فيما بينها أسقطت مئات الألوف من القتلى والجرحى وملايين المشردين وأحدثت ندوبًا اقتصادية واجتماعية لم تبرأ منها أفغانستان إلى الآن.

اليوم يكاد المشهد يتكرر مع قرب استكمال الانسحاب الأمريكي والقوات الحليفة لها، وتواتر سيطرة قوات حركة طالبان على الأقاليم الأفغانية التي تسيطر عليها القوات الحكومية، وسط شعور طاغ بالنصر لدى قوات الحركة من جهة، ولدى العديد من االقوى السياسية المؤيدة لها، في العالم الإسلامي، والتي تعتبر أن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، هزيمة سياسية وعسكرية للولايات المتحدة، بل وترى فيها نسخة أخرى من الهزيمة التي لحقت بالولايات المتحدة في فيتنام في السبعينيات.

ومع أن الإنجازات العسكرية التي تحققها حركة طالبان في الميدان تغري بالقول إن الحركة في طريقها لتحقيق إنجاز تاريخي، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب التحديات التي تواجهها الحركة، والتي تجعل انتصارها هدفًا صعب المنال، إن لم يكن مستحيلا حتى لو سيطرت طالبان بالكامل على الأراضي الأفغانية، واستولت على العاصمة كابول.

وأول هذه التحديات احتمالات الانفجار بين الأجنحة المختلفة المنضوية تحت حركة طالبان، خاصة أن تلك الأجنحة كان يجمعها العداء للولايات المتحدة.

 

كذلك فإن الحركة تواجه من جهة أخرى قوى قبلية وطائفية محلية، فضلا عن القوى السياسية المحلية التي نمت سياسيا واقتصاديا واستفادت من الوجود الأمريكي. وقد كانت هناك شواهد عديدة على ذلك في الحروب التي وقعت بين فصائل المجاهدين التي غلبت انتماءاتها القبلية والطائفية على المصلحة الوطنية إثر الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1989.

أما التحدي الثاني فهو العزلة الدولية والإقليمية التي قد تحكم الحصار على أفغانستان في ضوء تشكك دول الإقليم وتخوفها من نتائج سيطرة الحركة على السلطة، واحتمال أن تتحول أفغانستان، مرة أخرى إلى ملاذات لقوات معارضة متطرفة كما فعلت الحركة عندما وفرت ملاذا لتنظيم القاعدة بعد الانتصار على القوات السوفيتية، وهو التنظيم الذي تحول فيما بعد إلى تهديد للاستقرار والأمن العالمي.

والتحدي الثالث أن أفغانستان ستواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية حادة قد لا تتوفر إمكانية مواجهتها، خاصة أن المساعدة الدولية لها ستكون شحيحة للدرجة التي تهدد بانفجار المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتحولها إلى صراعات سياسية أو مواجهات مسلحة تمنع حركة طالبان من جني ثمار ما تعتبره نصرًا عسكريًا لها على القوات الأمريكية والحكومية.

أما التحدي الرابع والأساسي فهو عدم وجود فرصة لحركة طالبان للحصول على دعم سياسي دولي. فالحركة لديها ثارات مع كل القوى الكبرى الفاعلة في العالم. فلها ثأر مع روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق التي ستتردد كثيرا في فتح قنوات مع الحركة، التي تهدد سيطرتها في الساحة الأفغانية، بانتقال العدوى إلى قوى إسلامية متطرفة في جمهوريات آسيا الوسطى الحدودية مع أفغانستان، ولعل الإجراءات الاحترازية التي بدأت موسكو تتخذها تحسبا لسيطرة طالبان على أفغانستان مؤشر على ذلك، وهذا ينطبق أيضًا على الصين التي تنظر بالريبة إلى الحركة التي تقيم علاقات مع حركات المعارضة في إقليم شينغيانغ الصيني ذي الأغلبية الإسلامية، وبالطبع فإن الحال ينطبق على الدول الأوروبية التي لا تزال تستذكر هجمات القاعدة في أوروبا.

بل إن التوجس قد يصل إلى الدول الإسلامية التي اكتوت بنار التطرف، أو تلك التي قد تتأثر بكيفية تعاطي طالبان مع المكونات الطائفية والقبلية في مرحلة ما بعد السيطرة على كابول.

خلاصة القول إن حركة طالبان حتى لو انتصرت ميدانيًا فإنها ستكون بعيدة كثيرًا عن جعل انتصارها بداية لحل سياسي يعيد لأفغانستان الاستقرار الذي فقدته منذ ما يقرب من نصف قرن عندما وقع الانقلاب الشيوعي الأول فيها والذي مهد لسلسلة طويلة من التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية، وفتح الباب أمام صراعات أهلية لم تهدأ على الرغم من الضريبة الباهظة التي يستمر الأفغان بدفعها دون توقف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button