الجريدة. تعيد فتح ملف «عربستان» وتسلط الضوء على التاريخ المنسي (الأخيرة)

النشرة الدولية –

الجريدة – حمزة عليان

يكتسب إقليم عربستان أهميته من عدة نواح تاريخية، من بينها أنه كان أول الأقاليم التي تفجرت فيها آبار النفط بعد اكتشافها عام 1908، وشهد بالتالي إنهاء حكم القاجاريين، وتسلم أسرة بهلوي الحكم بعد الإطاحة بالشيخ خزعل بن مرداو عام 1925. في هذه الحلقة نستعرض تاريخ العلاقة الممتدة بين الكويت وعربستان، من خلال عدد من الكتب، وهي: كتاب «الكويت وعلاقتها بعربستان والبصرة 1896 – 1915 للدكتور عبدالعزيز محمد المنصور، ودراسة الدكتور عبدالله محمد الهاجري «الكويت وسقوط عربستان 1915 – 1925» وكتاب الدكتورة سعاد الصباح “مبارك الصباح، مؤسس دولة الكويت الحديثة” والفصل المعنون “نمط التحالف العلاقة مع شيخ المحمرة”. والتقرير الذي نشره موقع «حزب التضامن الديموقراطي الأهوازي» بعنوان «علاقات الشيخ خزعل ودول الجوار الكويت نجد والعراق». وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثانية:

استعرض الدكتور عبدالعزيز المنصور، في كتابه الصادر بطبعته الأولى عام 1971، علاقة الكويت بعربستان، وإن كانت أول فاتحة تسجل في تاريخ العلاقة هو ذلك القتال الذي احتدم بينهما عام 1782، وذلك عندما ساعد الكويتيون آل خليفة في احتلال جزيرة البحرين وإخراج آل مذكور منها، وهم حلفاء الكعبيين الذين احتلوا آنذاك أسطولاً مكنهم من نشر سلطانهم على جميع الموانئ من جزيرة عبادان إلى مدينة بوشهر، وعلى سواحل عمان في الخليج العربي.

تجدد القتال بين الطرفين لتنتقل العلاقة بينهما إلى فتح صفحة جديدة عنوانها التعاون والمسالمة نتيجة الأخطار الخارجية المشتركة.

وبالفعل، فقد كان عدول الشيخ غضبان عن السير إلى الكويت نتيجة لما كان يخشاه من مداهمة بلاده من قبل القوات التركية والإيرانية، وهو في شغل عنها.

وتستمر علاقات الود بين الطرفين، ففي عام 1831، يقوم أسطول الكويت بتقديم المساعدة لأسطول بني كعب في حصار البصرة.

كذلك نجد أن الشيخ تامر شيخ قبيلة كعب يلجأ إلى الكويت مؤقتا نتيجة لاحتلال الأتراك للمحمرة، ويبدو أنه عاد مرة اخرى لاجئا الى الكويت بعد ان طرده حاكم إقليم عربستان الفارسي من مشيخته، وبذلك ازدادت أواصر الصداقة توطدا بينهما.

ولعل أبرز مظاهر الصداقة بين البلدين هي تلك التي تجلت عام 1880 عندما أجلى والي بغداد قبيلة المنتفق، فأسكنهم الشيخ خزعل خان حاكم عربستان لديه لمدة عامين، وعندما سمحت لهم الدولة العثمانية بالعودة إلى أراضيهم، خاف آل سعدون من مهاجمة الأمير محمد الرشيد حاكم حائل لهم، فما كان من الشيخ خزعل إلا أن طلب من الشيخ عبدالله الصباح حماية الحدود الكويتية الشمالية من غزو الأمير محمد الرشيد، وبذلك انتقلت إليها قبيلة المنتفق بسلام.

عهد مبارك الصباح… مصالح مشتركة

وعندما تولى الشيخ مبارك الصباح الحكم في الكويت عام 1896، واجه مناوأة من الشيخ يوسف الإبراهيم، وهنا نجد الشيخ مبارك يوسط الشيخ خزعل حاكم عربستان ليبطل مساعي يوسف الابراهيم لدى الآستانة من ناحية، ولينهي الأزمة بين الشيخ مبارك والدولة العثمانية من ناحية أخرى، وكذلك بين مبارك والشيخ يوسف الابراهيم نفسه. وفي هذا المضمار أسفرت جهود خزعل لحل المشكلة عن توصل الطرفين إلى شروط اتفقا عليها، وكان ذلك في أواخر 1896.

ولقد وصلت العلاقات الكويتية العربستانية إلى دور عظيم من الازدهار في هذه الفترة بين 1896-1915، وذلك حين تولى الحكم في عربستان الشيخ خزعل خلفا لأخيه الشيخ مزعل، وبهذه المناسبة أقام مبارك الاحتفالات والزينات في الكويت ابتهاجا، وكذلك سافر إلى المحمرة ليقدم التهنئة بنفسه.

ثمة علاقة شخصية وطيدة ربطت بين الشيخ مبارك الصباح، والشيخ خزعل خان، ويقول الأستاذ عبد الله الحاتم في تفسير هذه العلاقة الوطيدة «بدأت الصداقة عندما كان مبارك يلتقي بخزعل في منطقة القصبة؛ وكما يذكر الشيخ عبد العزيز الرشيد، فإن السبب الحقيقي للصداقة التي جمعت بين مبارك وحاكم عربستان كان شعور الخطر الذي يتعرض له التجار الكويتيون في الموانئ العربستانية، وما يلقونه من مضايقات دوائر الجمارك البلجيكية في المنطقة، ومن حركة القرصنة في مدخل شط العرب وساحل عربستان.

ولذلك فإن صداقة مبارك لخزعل خان إنما كانت تعني إعطاء الفرصة لتجار الكويت لممارسة تجارتهم في أمان تام.

كما جمعت بين الحاكمين سياستهما التي تسير في نفس الاتجاه نحو المحافظة على استقلال بلديهما في مواجهة المطامع الأجنبية، وفي موقفهما المشترك من الدولة العثمانية.

كذلك اشترك الاثنان في الاتصال بالحركة العربية التي اتخذت دمشق مركزا لها، والتي كانت تطالب باستقلال الوطن العربي عن السلطة العثمانية، واشتركا معا في حزب الحرية والائتلاف، ودعوا لمؤتمر 1913 المنعقد في المحمرة.

وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914، اندلعت الثورة في عربستان ضد الشيخ خزعل بسبب تأييده لإنكلترا ضد الدولة العثمانية، وعندما أعلن رجال الدين أن كل من ينضم إلى الإنكليز فقد ارتد عن الإسلام، ثارت قبائل بني طرف وربيعة وبني كعب، وكان الشيخ مبارك في تلك الأثناء في المحمرة، قادما لزيارة الشيخ خزعل، وكان مدركا لكل تلك التحركات، فرأى أن ينهض لمساعدة صديقه الشيخ خزعل في تلك المرحلة الحرجة من حكمه، فكتب إلى ولده جابر يطلب منه جنداً من الكويت ليشد به أزر الشيخ خزعل، وليخيف الثوار ويرهبهم، ولكن الكويتيين عصوا تنفيذ هذا الأمر حتى لا يقاتلوا إخوة لهم من عرب عربستان، وهنا نجد الشيخ مبارك يبادر بإرسال 6 سفن إلى الشيخ خزعل حتى يمكنه الرحيل عليها إلى الكويت إذا حدث له ما ليس في الحسبان. وقد ظلت تلك السفن مرابطة في مياه عربستان مدة شهرين حتى استطاع خزعل أن يخمد الثورة ضده.

وكان من مظاهر هذه الصداقة الوطيدة أيضا بين الحاكمين أن تبادلا بناء القصور، كل للآخر في بلده، لينزل به عند حضوره زائرا؛ بل لقد وصل تقدير كل منهما لمكانة الآخر، أن عفا خزعل عن أحد المتآمرين لقتله، بسبب تدخل مبارك وطلبه الشفاعة لهذا المتآمر.

الشيخ مبارك وأمير المحمرة

في هذا السياق، تروي د. سعاد الصباح علاقة الشيخ مبارك بأمير المحمرة نقتطف منها بعض الوقائع.

تعتبر فترة حكم الشيخ خزعل التي امتدت من يونيو عام 1897 حتى أبريل 1925 من الفترات المهمة في تطور منطقة عربستان وعلاقتها بالدولة العثمانية من ناحية، وبالكويت من ناحية أخرى، فقد توافقت وجهات نظر مبارك وخزعل بشكل واضح، إذ ربطت بين الرجلين وشائج عدة فوحدت بينهما، أولاً، الرغبة في المحافظة على استقلال بلاديهما وصون حرية إدارة شؤونهما الداخلية من دون تدخل خارجي. وكان من مظاهر ممارسة هذا الاستقلال ما نشرته جريدة «المؤيد» المصرية بتاریخ 19 مایو 1910 بشان امتناع الشيخ خزعل أمير المحمرة عن تسليم المتهمين الذين تطاردهم الحكومة العثمانية، مما دعا إسطنبول إلى طلب تدخل حكومة فارس لاتخاذ التدابير اللازمة.

وربط بينهما، ثانياً، الشعور بالخطر الذي تعرضت له السفن الكويتية في موانئ عربستان، وما كانت تتعرض له أيضاً من مضايقات من العاملين في الجمارك البلجيكية في المنطقة، وكذلك من نشاط القراصنة الذين نشطوا في مدخل شط العرب وسواحل عربستان.

وزاد من ذلك احتدام التنافسات الحادة بين بريطانيا وروسيا وألمانيا، وإلى درجة أقل فرنسا، بهدف تكريس نفوذها وفرض هيمنتها في المنطقة، كما ربط بينهما ثالثاً الشعور العربي، والرغبة في استقلال الولايات العربية عن الدولة العثمانية في حالة الكويت، وعن الدولة الفارسية في حالة المحمرة.

ومن مظاهر من العلاقة الوثيقة بين الرجلين أن مبارك الكبير بنی قصراً للشيخ خزعل في الكويت، وبنى خزعل لشيخ الكويت قصراً في الفيلية بجوار قصره. وتبادل الشيخان الزیارات، ورحلات الصيد.

وبلغ من عمق هذه الصلة أن حسين خلف الشيخ خزعل (ابنه) كتب كتاباً من خمسة أجزاء عن تاريخ الكويت السياسي أورد فيه نصوص المراسلات والخطابات المتبادلة بين أبيه والشيخ مبارك.

وما يدل على عمق الصلة بين الرجلين، قبول الشيخ خزعل في عام 1900 لشفاعة الشيخ مبارك بشأن محمد اليعقوب فقد كانت هناك محاولة لاغتيال الشيخ خزعل، وعندما كشف عن المتآمرين، هرب أحدهم وهو محمد اليعقوب إلى البصرة ليجد من يستجير به ويحميه، فأشاروا عليه أن يستجير بشيخ الكويت لأنه الشخص الوحيد الذي لا يرد الشيخ خزعل وساطته.

وبالفعل ذهب اليعقوب إلى الكويت وطلب حماية شيخها، وعندما علم الشيخ خزعل بذلك، أرسل خطاباً يتضمن عتباً على قيام الشيخ مبارك بحماية من تآمر على قتله. فأجابه مبارك بأن «قبوله لمحمد اليعقوب لم يكن إلا بعد أن تحقق له ندم المذكور وتوبته.

وقد عفا عنه بحكم مقتضيات الأخوية، إذ لم يجد ما يحول دون ذلك، لأن البلدين واحدة وخزعل ومبارك وإن كانا اسمين إلا أنهما نفس واحدة لا يفرق وبينهما مفرق».

وعندما قرأ الشيخ خزعل هذه الرسالة، أقر مبارك على ما قام به.

ومرة أخرى، استجاب الشيخ خزعل لوساطة مبارك بشأن قبيلة النصار، ففي عام 1903، امتنع أبناء هذه القبيلة عن دفع الرسوم المقررة عليهم، واستعدوا للتمرد والعصيان، الأمر الذي دفع الشيخ خزعل إلى الإعداد لشن حملة عسكرية عليهم، وتأديبهم.

فتوسط الشيخ مبارك في أمرهم، واستجاب خزعل بشرط لأن ينزحوا إلى الكويت. وتعهد بأن يدفع لهم رواتب سنوية لمعيشتهم، فوافقوا على ذلك ونزحوا بالفعل إلى الكويت.

وفي المقابل، كان الشيخ مبارك يستجيب لشفاعة خزعل. فعندما وقع اتفاق الحماية البريطانية في عام 1899، لم يوافق عليها الشيخ حمود الصباح وقرر ترك الكويت مع أسرته للإقامة في منطقة الدواسر بالعراق. وعندما توفي حمود، طرد أولاده أخاهم سليمان وعائلته، فضاقت بهم سبل العيش، وقرر سليمان العودة إلى الكويت، فلم يجد شخصاً يشفع له عند الشيخ مبارك سوى الشيخ خزعل، وبالفعل، قبل مبارك الشفاعة، وعندما عاد ابن حمود إلى الكويت أكرمه الشيخ، وقربه إليه لذلك، لم يكن غريباً أن أياً من مبارك وخزعل لم يتردد في دعم الآخر عندما كان يتعرض لمشكلة أو لأزمة.

منحى آخر ومختلف

بلغت علاقة الكويت بعربستان أوجها قبل الحرب العالمية الأولى على يدي الشيخين مبارك وخزعل، لكن بعد ظهور نذر الحرب ووفاة الشيخ مبارك أخذت العلاقات بين الكويت وعربستان منحى آخر، وأصبحت بلا رؤى أو تنسيق أهداف، كما يراها ويتناولها الدكتور عبدالله محمد الهاجري في دراسته المنشورة في مجلة «دراسات الخليج والجزيرة العربية» أكتوبر عام 2014 تحت عنوان «الكويت وسقوط عربستان 1915-1925».

وبعد قراءة العلاقة بينهما عشية الحرب العالمية الأولى ومواجهة خزعل للضغوط الفارسية منفرداً يتحدث عن طلب خزعل لدعم الكويت له ومساندته في رسالة وجهها إلى الشيخ أحمد الجابر بعدما علم خزعل بنية رضا شاه غزو عربستان، وفي رسالة أخرى يطلب فيها السلاح ثم يشير إلى المواجهة التي اتخذها خزعل تجاه رضا شاه، وموقف الكويت منها إلى أن تسقط عربستان ولا تتحرك الكويت وموقفها من أسر الشيخ خزعل علماً أن الكويت كانت خاضعة لحكم معاهدة الحماية ولم تكن تتمتع بأية صفة سياسية دولية ثم ينتهي بدراسته إلى القول إن العلاقات بين الكويت وعربستان شهدت بعد موت الشيخ مبارك «حالة جديدة من الجمود السياسي».

إقليم عربستان

إقليم عربستان إحدى محافظات إيران الـ 31 عاصمته مدينة الأحواز يضم مدناً رئيسية مثل عبادان والخفاجية ودزفول ومسجد سليمان وبهبهان والحويزة والمحمرة.

مؤتمر الفيلية

أهم المؤتمرات التي عقدها الزعماء العرب في المنطقة بعد الإعلان عن تأسيس «حزب الحرية والاتحاد» من قبل طالب النقيب عام 1911 وبدعم ومباركة من الشيخ خزعل حاكم عربستان والشيخ مبارك الصباح أمير الكويت في عام 1913 هو مؤتمر «الفيلية» الذي عقد في مارس من عام 1913 حيث شارك في هذا المؤتمر كل من الشيخ خزعل أمير المحمرة والشيخ مبارك أمير الكويت والسيد طالب النقيب أحد أهم وجهاء مدينة البصرة والعراق وقد تناول المؤتمران الطرق والأساليب التي من شأنها أن تحرر بلدانهم من السيطرة العثمانية.

ولعل أهم ما أسفر عنه أن القادة الثلاثة قرروا الوقوف إلى جانب بريطانيا حتى يتوصلوا إلى استقلال بلدانهم وسيادتها، … وهذا ما جاء في كتاب تاريخ الأهواز عربستان منذ عصر الافشار حتى الوقت الراهن للمؤلف موسى سيادة وترجمه جابر أحمد.

شهادة الرحالة نيبور

يذكر الرحالة كرستين نيبور الذي زار عربستان (الأحواز) في عام 1772م أن العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي وأنه يستحيل تحديد الوقت الذي أنشأ فيه العرب موطنهم على الساحل وقد جاء في السير القديمة أن العرب أنشأوا هذا الموطن منذ عصور سلفت، وإذا استعنا بالملاحم القليلة التي وردت في التاريخ القديم أمكن التخمين بأن هذه المواطن العربية نشأت في عهد أول ملوك الفرس في القرن السادس قبل الميلاد تقريباً. وأن ملوك الفرس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد ساحل البحر.

ويضيف نيبور أن «عربستان مستقلة عن بلاد فارس، وأن لأهلها لسان العرب وعاداتهم وأنهم يتعشقون الحرية إلى درجة قصوى شان اخوانهم في البادية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى