آخر ما يحتاج إليه شعب لبنان هو التهديد باندلاع حرب
بقلم: بيل ترو
النشرة الدولية –
نقلا عن اندبندنت عربية –
إطلاق قذائف من مدافع هاوتزر الإسرائيلية باتجاه لبنان من موقع قريب من بلدة كريات شمونة في شمال إسرائيل (غيتي)
وصل لبنان إلى مرحلة بدا فيها غير قادر على تحمل المزيد، وعندها بدأ القصف وإطلاق الصواريخ، وفجأةً لاح في الأفق طيف حرب أخرى مع إسرائيل.
تتقاذف البلاد سلسلة من الأحداث غير المسبوقة، إذ وصل لبنان إلى حافة الهاوية بسبب ما اعتبره البنك الدولي أحد أقسى الانهيارات الاقتصادية في غضون 150 عاماً مضت. وما زال يترنح من آثار انفجار هائل في العاصمة.
ولا يملك ثلاثة أرباع سكان البلاد (التي تضم كذلك أعلى عدد من اللاجئين في العالم قياساً إلى عدد سكانها) حاجتهم من الطعام ولا المال لشراء الطعام.
كما حذرت الأمم المتحدة من أنه في غضون أسابيع قليلة، لن يعود لدى أربعة ملايين شخص، من ضمنهم مليون لاجئ، القدرة على الحصول على مياه آمنة [غير ملوثة]. وفي المقابل تضاعفت أسعار السلع الغذائية ست مرات في بعض الأحيان. أما التيار الكهربائي الرئيس، فشبه مقطوع تماماً.
وحلّت يوم الأربعاء الماضي ذكرى مرور عام على انفجار بيروت. نزل آلاف الأشخاص إلى الشارع يحركهم الحزن والغضب إزاء عدم تحميل أي أحد مسؤولية الدمار والخراب، على الرغم من وجود إثباتات ورقية مدينة تبرهن أن السلطات كانت على علم بوجود مخزون المواد المتفجرة الذي تسبب بالانفجار في مرفأ بيروت. تلك الليلة، فيما أغرقت القوات الأمنية المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، أطلقت مجموعة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل.
وردت إسرائيل بقصف مدفعي وغارات جوية في اليوم التالي، وهذه هي المرة الأولى كما تقول إسرائيل، التي تقصف بها لبنان منذ سبع سنوات. ثم ردت ميليشيات “حزب الله” اللبنانية المدعومة من إيران بإطلاق وابل جديد من الصواريخ.
فجأةً، أخذ أشخاص من الجانبين بالحديث عن الحرب. ويوم الأحد حذر مسؤول إسرائيلي لم يكشف عن اسمه على إذاعة “كان الإسرائيلية العامة” بأن “الحرب قد تقع”، مضيفاً أن إسرائيل تدرك أن الأحداث التي وقعت على الحدود أخيراً “لن تكون الأخيرة”، وأن بلاده “لن تقبل باستمرار إطلاق الصواريخ من لبنان”. وفي النهار السابق، تعهد زعيم “حزب الله” حسن نصرالله بأن أي قصف جوي أو مدفعي مستقبلي “سيقابل بالرد”.
لا شك في أن الحرب كارثة بالنسبة للمدنيين في ظل كل الظروف، لكن في لبنان بالتحديد من الصعب التعبير بشكل دقيق كم الموضوع كارثي. ولا يستخف بمعنى حدوث ردة فعل عكسية فورية في كل البلاد.
وفي تحدٍ نادر لـ”حزب الله”، حاصر سكان محليون من منطقة درزية في الجنوب اسمها شويا راجمة صواريخ تابعة لـ”حزب الله” فيما حاولت المرور عبر منطقتهم. حتى إن “حزب الله” اعترف بأن “عدداً من المواطنين اعترضوها”، لكنه أصر على أن إطلاق الصواريخ تم “من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية حفاظاً على أمن المواطنين”.
وقال الجيش اللبناني في بيان له، إنه احتجز “أربعة أشخاص أطلقوا الصواريخ وصادر الراجمة المستخدمة في العملية”.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بدعوات للتهدئة الفورية. حتى إن سعد الحريري، السياسي السني البارز ورئيس الوزراء المكلف السابق، حذر من أن استخدام الجنوب كمنصة “للنزاعات الإقليمية… خطير للغاية”، ويضع لبنان “في مرمى حروب الآخرين” في إشارة إلى إسرائيل وإيران.
في الوقت الحالي، وعلى الرغم من هذه المواقف، لا أعتقد أن الحرب هي ما تريده إسرائيل أو “حزب الله”. وهذا ما تدل عليه اللغة المستخدمة من الطرفين. تحدث نصرالله عن الرد “بالشكل المناسب” على إسرائيل وحرص على التشديد على أنهم اختاروا إطلاق النار على “منطقة مفتوحة” [منطقة خلاء] بمثابة رسالة.
كما أنه لا رغبة في الذهاب إلى الحرب داخل إسرائيل التي يقودها حالياً تحالف من الجماعات اليمينية المتشددة المناصرة للاستيطان واليساريين وحزب عربي ضمن أغلبية ضئيلة مهددة بالتفكك باستمرار. ولم تمر سوى أشهر قليلة فقط على إطلاق المحاربين في غزة على إسرائيل عدداً أكبر من الصواريخ خلال فترة 11 يوماً من القتال يفوق ذلك الذي أطلق خلال كامل حرب عام 2014 التي استمرت سبعة أسابيع (كما ردت إسرائيل بدورها عبر شن سلسلة غير مسبوقة من الغارات). وفي الوقت نفسه، كانت هناك مخاوف من أن تدخل البلاد في حرب أهلية في مدنها المختلطة، لكن المشكلة هي أن ذلك قد يكون خارجاً عن إرادة الجميع، وقد يورط هذا الصراع القوى الإقليمية العظمى.
ولم تتبنّ أي مجموعة مسؤولية إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل ليل الأربعاء في ذكرى انفجار [مرفأ] بيروت، وهي التي أدت إلى شن الضربات الجوية الإسرائيلية وإلى إطلاق “حزب الله” مزيداً من الصواريخ. في الماضي، كانت الفصائل الفلسطينية تطلق النار عشوائياً على إسرائيل، وقد واجهت مشاكل لهذا السبب.
وصرحت إسرائيل عدة مرات بأنها تحمّل لبنان ككل مسؤولية أي هجمات وهي تتكلم عن إعادة تفعيل الردع، لكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لـ”حزب الله” أو السلطات اللبنانية السيطرة على الوضع، وما هو الدعم الذي يقدمانه لهذه المجموعات المسلحة الأصغر حجماً.
ويصل مدى التوتر على الحدود إلى درجة أن أي سوء تقدير أو أي عمل يقوم به فريق متمرد، قد يخلف تأثيراً أشبه بتأثير كرة الثلج، وربما يثير صراعاً إقليمياً أوسع فتدخل إيران في الموضوع [مباشرة]، وهذا ما سيكون مدمراً كلياً بالنسبة للبنان.
وما يزيد الوضع سوءاً هو التوتر المتزايد بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج في بحر العرب بعد سلسلة من الهجمات على ناقلات النفط التي اتهمت إيران بالوقوف وراءها، وهو ما تستمر طهران بنفيه.
وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتز بأن إسرائيل مستعدة لضرب إيران. وحذرت طهران بالمقابل من أن مثل هذه الخطوة سيقابل بـ”رد حاسم”.
أسوأ الاحتمالات هو أن يتحول لبنان إلى ساحة المعركة ضمن صراع إقليمي داخلي. فالبلد قد وصل بالفعل إلى شفير الانهيار في عدة مجالات. وستشكل أي حرب ضربة قاضية له.