كلام عراقي مهين للعراق

النشرة الدولية –

على الرغم من كل الكلام المنمّق الذي حاول فالح الفيّاض قائد “الحشد الشعبي” في العراق استخدامه، مشيرا إلى “القوانين والخصائص العراقية”، يبقى أنّ الطريقة التي تناول بها تجربة “الحرس الثوري” الإيراني لم تكن موفقة. لم تكن موفقة بالنسبة إلى العراق نفسه ومستقبله أولا. كانت إشادة الفيّاض بتجربة “الحرس الثوري” في إيران بمثابة إهانة للعراق وللعراقيين الذين بات عليهم القبول بمصير، أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه قاتم. أي مستقبل لبلد فيه جيش رديف للجيش القائم. أليست تجربة لبنان سببا كافيا للاقتناع بأنّ “الحشد الشعبي” كارثة على العراق، مثلما أن “حزب الله” أخذ لبنان إلى “جهنّم”، أي الجحيم الذي وعد به رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين؟

استقبل حسين سلامي قائد “الحرس الثوري” الإيراني قبل أيّام في طهران فالح الفيّاض الذي قال مخاطبا قائد الحرس الثوري “يعتزّ الشعب العراقي والحشد الشعبي بالحرس الثوري بسبب دماء قاسم سليماني ومساعداته (…) نحن فخورون بنموذج الحرس الثوري الحامل لخصائص الثورة الإسلامية، واليوم نرى أنّ من واجبنا استخدام تجربة الحرس الثوري الإيراني وفقا للقوانين والخصائص العراقية”.

أسوأ ما في الأمر أن ليس في العراق من يعترض على كلام الفيّاض الذي يقول أيضا “نريد تكرار تجربة ‘الحرس الثوري’ في العراق”.

من جهته، قال سلامي “نحن نقول كلامنا الأساسي في ساحة المعارك. والقوى السياسية الحقيقية هي القوى الميدانية”، مضيفا أن “الحشد الشعبي كان على هذا الصعيد مميزا… وقوته كقوة جهادية دفاعية تزداد وفقا للطموحات الكبرى والإيمان الراسخ والانسجام الداخلي والنظم والانضباط”.

لم يعد سرّا أن إيران تريد الاستمرار في السيطرة على العراق عبر “الحشد الشعبي”. تريد نقل تجربتها الفاشلة إلى كلّ بلد يمكن أن تصل إليه. هناك قسم أساسي من الميليشيات التي تعمل تحت راية “الحشد” ولاؤه المكشوف لإيران ولـ“الوليّ الفقيه”. أسوأ ما في الأمر أنّ “الحشد الشعبي” تحوّل جزءا من المؤسسات الرسمية العراقية وذلك بحجة أنه قاتل “داعش”. نظريا، إنّه بإمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. عمليا، إنّه تابع لـ“الحرس الثوري” ولقائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني تحديدا. تختزل هذه المعادلة التي لا يمكن فيها التوفيق بين ما هو نظري وما هو عملي المأزق العراقي. ذهب فالح الفيّاض إلى طهران ليردّ على مصطفى الكاظمي الذي استطاع في واشنطن التوصل إلى تفاهمات منطقية في شأن مستقبل الوجود العسكري الأميركي. التقى الكاظمي الرئيس جو بايدن وكبار المسؤولين الأميركيين. عاد بصيغة معقولة تضمن الخروج العسكري الأميركي وتبقي مستشارين أميركيين يحتاج إليهم العراق وجيشه.

تبدو الرسالة الإيرانية واضحة. لا يمكن لـ”الجمهورية الإسلامية” قبول أنّ العراق هو العراق وإيران هي إيران وأنّ لا حاجة إلى نقل تجربة فاشلة اسمها “الحرس الثوري” إلى العراق. ليس في طهران من يريد أن يفهم أن الشعب العراقي يرفض، بأكثريته الساحقة، النموذج الإيراني.

منذ تشكيل حكومته قبل ما يزيد على سنة وأربعة أشهر، سعى مصطفى الكاظمي في ظل تفاهم مع رئيس الجمهورية برهم صالح، إلى إيجاد توازن داخل العراق وفي ما يخصّ العلاقات بجواره. اصطدم دائما، وسيظلّ يصطدم، برغبة إيران في رفض مثل هذا التوازن وذلك على الرغم من أن الثنائي برهم صالح – مصطفى الكاظمي ليس معاديا لها. على العكس من ذلك، لديه ميل إلى مساعدتها وأخذ مصالحها في الاعتبار… ولكن ما العمل مع نظام يعتقد أنّ في استطاعته لعب دور القوّة المهيمنة على العراق وغير العراق، بما في ذلك سوريا ولبنان واليمن!

ليس موقف فالح الفيّاض، خصوصا إشادته بقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” الذي اغتاله الأميركيون في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020 بعيد مغادرته مطار بغداد مع أبومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” والرجل القويّ فيه، سوى تعبير عن عقدة إيرانية. تتمثل هذه العقدة في أن العراق لا يمكن سوى أن يكون تابعا لإيران. أكثر من ذلك، إنه ورقة من أوراقها في المنطقة. إنه ورقة أساسية من الأوراق التي تستخدمها “الجمهورية الإسلامية” في مفاوضاتها مع الإدارة الأميركية.

لا يمكن لإيران التخلي عن العراق بصفقة كونه الورقة الأقوى في ترسانتها. ليس معروفا هل حساباتها في مكانها أم لا. لكن الأكيد أن بين توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني صيف العام 2015 وبين صيف العام 2021، تغيّرت المنطقة وتغيّر العالم. أكثر ما تغير أن الإدارة الأميركية ستجد صعوبة في العودة إلى الاتفاق بالشروط الإيرانية. لا عودة إلى الاتفاق من دون الربط بينه من جهة وبين الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة والسلوك الإيراني في المنطقة من جهة أخرى.

يفسّر مثل هذا الموقف الأميركي الإصرار الإيراني على استقبال قائد “الحشد الشعبي” العراقي في طهران والتركيز على كلامه عن مدى إعجابه بتجربة “الحرس الثوري”. تريد إيران القول إن “الحرس الثوري” في كل مكان وإنه من يتحكم بالعراق وإنه لا رجعة إلى خلف. بالنسبة إلى إيران، لا وجود سوى لمنتصر وحيد في الحرب التي شنّتها أميركا في العام 2003. هذا المنتصر هو “الجمهورية الإسلامية” التي كانت شريكا في هذه الحرب. هذا يعني، بكلّ بساطة، أن لا مكان لعراق جديد يقيم علاقات متوازنة مع دول المنطقة. هذا هو التفسير الوحيد لكلام فالح الفيّاض في طهران الذي يريد نقل ثقافة الموت والبؤس التي تنشرها إيران في المنطقة إلى العراق لا أكثر ولا أقلّ. هناك عراقي يريد من العراقيين أن يموتوا من أجل “الجمهورية الإسلامية”. يريد منهم الموت من أجل مشروع توسّعي إيراني غير قابل للتصدير، مشروع لا أفق من أيّ نوع له، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا حضاريا…

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى