النيل والحياة
بقلم: سمير عطا الله

النشرة الدولية –

قبل نحو عشرين عاماً قال الأخ القائد في لحظة نادرة من أحاديث المنطق، إن الحرب القادمة سوف تكون حرب المياه، وسوف تندلع بعد خمس سنوات. بعد عشر سنوات، وفيما كانت مصر غارقة في «ثورة» ميدان التحرير، استغلت إثيوبيا الغفلة القسرية لتبدأ البناء في سد النهضة. أي في حجب الجزء الأكبر من مقوّمات الوجود عن مصر، التي تعتمد على النيل بنسبة 95% من حاجاتها في الشرب والري. فهي ليست فقط هبة النيل، كما قال هيرودوتس، بل هي النيل.

افترقت مصر الناصرية عن الولايات المتحدة ليس بسبب دعم أميركا لإسرائيل، بل لأن واشنطن رفضت تمويل بناء السد العالي في أسوان، الذي سيلقّبه المصريون «روح مصر» لأنه أدّى إلى زيادة المساحة الزراعية بنسبة الثلث، وإلى إقامة إحدى أضخم البحيرات الصناعية في العالم، والتي تمتد نحو 500 كيلومتر عبر الصحراء الغربية، وصولاً إلى السودان.

لكن هذه الهبة العظيمة لمصر، هي أيضاً هاجسها الأكبر. فهي مصب النهر لا منابعه. وقبل أن يمرّ بها ويخصب أرضها يكون قد عبر بوروندي، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، وكينيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وإثيوبيا، والسودان، ثم مصر، حيث ينتهي مصبه قرب الإسكندرية.

كيف تنظم مثل هذا المجرى المعقد؟ بالقانون والمعاهدات. لكن إثيوبيا ترفض الاعتراف بهذه المعاهدات بحجة أنها وُضعت أيام الاستعمار البريطاني. وهي طبعاً حجّة باطلة، لأن إثيوبيا نفسها دولة «وضّبها» الاستعمار من مجموعات مختلفة.

ورثت حكومة الرئيس السيسي النيل ومعه مشاكل كبرى: تلوث المياه والجراثيم القاتلة والأنابيب الصدئة التي تبدد الكثير من المياه. وبدلاً من أن تنصرف إلى تجديد الجهاز العام الذي ينظم الحياة مع النيل، رأت نفسها في نزاع قانوني ووجودي مع دولة لا تلوي على شيء، ماضية في قطع الشرايين التي تضخ الدم في قلب مصر.

بكلام آخر بدأت إثيوبيا، في غفلة عن الجميع، مشروعاً لمصادرة 74 مليار متر مكعب من مياه النيل، فيما كانت مصر مأخوذة بما يجري في ميدان التحرير، الثورة التي انتهت إلى رواية أخرى للدكتور علاء الأسواني، ووصول محمد مرسي العيّاط إلى الحكم. أما القضية الأهم فكانت في مكان آخر: النيل والحياة و14 مليار متر مكعب من المياه تتبخر من «بحيرة ناصر» كل عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى