أنا مودع إذن أنا… أقرّر!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنّ ما تبقى لديه من أموال في الاحتياط هو “أموال المودعين وملكية خاصة ليس للدولة حق التصرف بها”.
ممتاز، لأوّل مرة، منذ مدة طويلة أعثر على أثر لبعض ما جنيته في حياتي وأودعته مصرفاً لبنانياً، وكنتُ أستعين به، كلّما حلّت عليّ أيام سوداء، وما أكثرها، حتى قبل حلول الكارثة العظمى!
وبما أنّني مودع، فهذا يعني أنّني أملك جزءاً من هذه الأموال التي يقول سلامة إنّه يرفض التصرّف بها، ويضغط آخرون، يتقدّمهم “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، لصرفها على المواطنين الذين يحترق قلبا “الحاكم” و”المتحكّم”عليهم.
ولست محتاراً في خياراتي، فأنا، بما أنني ملدوغ. لدغني “مصرف لبنان” ووعود حاكمه وتطميناته من جهة والنهج السياسي الذي يعتمده تحالف “حزب الله”-“التيار الوطني الحر”، من جهة أخرى، لا أصدّق الطرفين، وتالياً لا أؤيّد سلامة وداعميه ولا تسحرني خطابات “مخاصميه” ولا شعاراتهم.
النقطة الوحيدة التي اتفّق فيها مع رياض سلامة هي أنّني أملك جزءاً من الاحتياطات المتبقية في المصرف المركزي، وتالياً فأنا صاحب مصلحة في اتّخاذ موقف حول مآل هذه الأموال، ويجب على صنّاع القرار، رغماً عنهم، احترامه.
بصفتي هذه، أنا، بكامل قواي الجسدية والعقلية، أوافق على أن يتم استخدام وديعتي لمصلحة التخفيف عن كاهل الشعب اللبناني.
لا جدال حول هذه النقطة، فحين يتعرّض شعب بأكمله لخطر المجاعة لا تعود للملكية الفردية أي قدسية.
في الأوقات الاستثنائية، مصلحة الجماعة تتقدّم على مصلحة الفرد.
ونحن في لبنان وصلنا، فعلاً، الى هذا التوقيت المريع.
ولكنّ هذه “الغيرية”، لا تستقيم إذا كانت من “طرف واحد”، لأنّها، بطبيعتها، تبادلية، أي أنّه، في مقابل، ما أقدّمه كفرد يجب أن أجد أن اتلمّس ما يمكن أن يقدّمه هؤلاء الذين يريدون، من مخابئهم الذهبية وقصورهم العاجية، أن يجودوا بآخر ما بقي لي من مال.
وعليه، وقبل أن أُسقط ملكيتي عن أموالي، من حقي أن أعرف طريقة إنفاقها، وهوية المستفيد منها، ومدى انتاجيتها، لأنّني لن أرضى أن يتم تبديدها كما جرى تبديد الثروة الوطنية، والثقة الوطنية، والعافية الوطنية، والمرافق الوطنية، والنزاهة الوطنية، والعلاقات الوطنية، والقوانين الوطنية، والعدالة الوطنية، والمساواة الوطنية، والتربية الوطنية، والدولة…اللبنانية.
لن أرضى، تحت ستار وجوب خدمة شعبي أن أكون، في الواقع، في خدمة مافيا تستغلّ شعبي، لتثرى من سوق سوداء مخابراتية فاعلة في كلّ من لبنان وسوريا.
كما أنّني لن أقبل بأن أُموّل الفساد الانتخابي، ولا بأن أبدّد آخر قروشي الدولارية لمصلحة أجندة ايرانية جاذبة للفقر والجوع والتعتير والحروب المجانية.
ولن أرتضي أن أُكرّس حرماني ليصرف مالي هؤلاء الذين لا يتخلّون عن قصورهم الفارهة ومنازلهم الفاخرة وعقاراتهم المترامية وطائراتهم الخاصة ويخوتهم الضخمة وأموالهم الهاربة الى الجنّات الضريبية، والأموال التي تجنونها من تدفقات مالية تجود بها عليهم الدول التي تستتبعهم.
لسان حالي يقول: هاتوا ما عندكم وخذوا ما عندي، فأنتم “أوْلى بالمعروف”، لأنّكم أنتم حملة الصفات التعظيمية. الفخامة والعطوفة والدولة والمعالي والسعادة والسيادة لكم، وليست لي. والحراسة والكياسة والرفاهية لكم وليست لي، والمناصب والكراسي والحصانات والحمايات والسلاح والصواريخ لكم وليست لي. وأنا لم أسمع منكم يوماً إلّا الشعارات الجميلة، وكلمات الحب العظيمة، ولكنّني، في المقابل، لم أعثر على حقيقتكم إلّا في أغنية داليدا وألان دولون: Paroles, paroles.
لا أقف مع رياض سلامة ضدّكم، فلنا في ذمّته، كخادم أمين لكم على مدى سنوات وسنوات، الكثير الكثير، ولكنّ شعاراتكم الجوفاء لن تدفعنا الى أن نقف معكم ضدّه.
جميعكم يجب أن ترحلوا. لا يمكننا أن نأتمنكم على آخر قروشنا وقد بانت لنا حقيقتكم البشعة، وأدواركم المخزية، وعقولكم التافهة، وتبعيتكم الخطرة.
لن نكون، في ما تبقّى من قروشنا، أغبياء، حتى لا نصدّق المجتمع الدولي الذي لم يعد يأتمنكم على هباته. هو، قبلنا، قال فيكم كلاماً كبيراً، فهجاكم وحقّركم وأنّبكم ولا يفكّر إلّا بمعاقبتكم.
كنّا نتطلع الى واحد فيكم “يتمرجل” على المجتمع الدولي، كما تتمرجلون على المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار وقبله فادي صوّان، ولكنّكم في مواجهته كنتم “أرانب”، وفي مواجهتنا “أسوداً”، ولكنّكم، في الواقع، لستم لا أرانب ولا أسوداً، بل سارقين ومجرمين وفاجرين وكاذبين واستغلاليين وتبعيين ومرتزقة وتدميريين وتجّار…دين.
نعم، ليوضع ما بقي من وديعتي في تصرّف شعبي، ولكن عندما تزيحون أنتم عن كاهله، لأنّكم أشباح الجوع، وسادة الدمار، وشياطين المرض، وعناوين اليأس.