فيتنام والأميركان وأفغانستان
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

ها هي أميركا تنسحب من أفغانستان، بعد عشرين سنة وتريليون دولار وخسائر أرواح بالآلاف. كان الهدف المعلن هو الرد على رفض “طالبان” تسليم أسامة بن لادن، الذي تتهمه الولايات المتحدة بتفجير ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ليتضح لاحقاً أن بن لادن كان موجوداً في باكستان، وقامت قوات أميركية خاصة باغتياله في أبوت أباد.

هناك تشابه كبير بين الانسحابين غير المنظمين من فيتنام وأفغانستان، على الرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما في التفاصيل.

في النزاعين الأفغاني والفيتنامي، استمر الوجود “الملتزم” الأميركي مدة عشرين سنة، وكأنها العمر الأقصى للقدرة الأميركية على الصمود! شارك في فيتنام قرابة مليونين وسبعمئة ألف أميركي عبر السنوات وقدموا ٦٠ ألف قتيل.

الملاحظ أنه بعد سلسلة اتفاقيات سلام وحرب، ظل مشهد الهروب الأميركي من على سطح السفارة، مع تقدم القوات الشمالية، راسخاً في الأذهان، وتمت إعادة نبشه مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فأُطلق لقب “بايدن سايغون” على الرئيس الأميركي.

كان مقاتلو “الفييتكونغ” يحظون بشعبية عالمية، دون أيديولوجيا، وصورة الحفاة العراة، بقيادة رجل بسيط، وصلابة، حتى إن فريق نادي الفحيحيل لكرة القدم كان يطلق عليه فيتنام؛ لصلابة لعبه، حيث تسللت الصورة في الثقافة الشعبية، ربما إعجاباً بصمود الضعيف أمام القوي المتغطرس.

أما وقد دخلت “طالبان” كابول، وظلت على تخومها حتى حين، فستظل هناك أسئلة أكثر من الأجوبة، فكل التقديرات الاستراتيجية الأميركية والقريبة من المؤسسة الحاكمة، كانت ترى سقوط كابول في نهاية السنة، ليتضح أن السقوط حدث قبل نهاية المهلة، التي أعلنها الرئيس بايدن.

وتؤكد “طالبان” أن سرعة تمكنهم من الأوضاع تمت بدون قتال، فالجيش الأفغاني فقد الرغبة في القتال، حيث ساهمت تصريحات بايدن بتدمير روحه المعنوية. ويبدو أن مشروع توطين الحلفاء الأفغان، الذي مازال في بداياته، سيظل في الهواء، لصعوبة تنفيذه، كما أشرت في مقالتي السابقة. بالطبع لا أعني بعض المحظوظين، الذين سيجدون طريقهم للاستقرار في أميركا، ولكن عشرات الآلاف وأكثر ممن سيضيعون في العراء.

مازال الرئيس بايدن مصراً على أنه لا يشعر بالندم للانسحاب المفاجئ، مع أنه كان بإمكانه تجنب كل ذلك بانسحاب منظم، حسب إفادة مستشاريه، ويبدو أن حساباته انتخابية، حيث إن استطلاعات الرأي الأميركية تؤيد الانسحاب.

ومن غير المعلوم كيف سيقيّم التاريخ قرار بايدن، فالمسألة لم تعد بيده، والقوة محدودة التأثير، وفرضية أن كل شيء مدروس هي فرضية ساقطة. وأعان الله الأفغان، الذين صدقوا الوعود والتعهدات، والباقي على غيرهم، ولسنا عن ذلك ببعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى