سامي كلارك: لم يتقبّلوا زواجي ونصبوا لي الأفخاخ.. فافترقنا!
النشرة الدولية –
الديار – جويل عرموني –
انطبع اسم الفنان القدير سامي كلارك في ذاكرة جيل الثمانينات والتسعينات عندما غنّى شارات بعض المسلسلات الكرتونية، وقدم خلال مسيرته الفنية الكثير من الأغاني الخالدة حتى اليوم. فهو يُعتبر واحدًا من أهم الأسماء في تاريخ الأغنية اللبنانية والأجنبية، وذلك من خلال صوته الأوبرالي المفعم بالنبض والعنفوان، وأدائه الذي يجمع ما بين الشرق والغرب والعربية والأجنبية والتقاليد والعصْرية.
رفع سامي كلارك اسم لبنان عالياً في مختلف المهرجانات العالمية والعربية، محققاً العديد من الإنجازات والنجاحات الكبيرة، من بينها حصوله على المرتبة الأولى في ألمانيا عام 1979، والنمسا عام 1980، وبلغاريا عام 1981.
مع اندلاع الحرب في لبنان، أسس سامي كلارك جمعية «New Lebanon» عام 1976، والتي جمعت أكثر من أربعة عشر ألف شابٍ لمواجهة الحرب. وفي عام 1979 غنّى شارة المسلسل الكرتوني الشهير «غريندايزر»، وقد أعاد إحياء ذكراها الأربعين في عام 2019 مع فرقة الأوركسترا البولندية.
في تسعينيات القرن الماضي قدم كلارك العديد من الأغاني الناجحة، ومنها «قومي تنرقص يا صبية» و«تتذكري» و«قاضي الغرام»، وتعاون فيها مع عددٍ من كبار الشعراء والملحنين، أمثال جوزيف حنا وإيلي العليا وأنطوان رعد وزياد الرحباني. كما أطلق أغاني باللغة الأجنبية، ومنها «Take me with you» التي كانت من ألحان إلياس الرحباني وحققت نجاحًا هائلا.
منذ ذلك الوقت، وبعد سنوات طويلة من العطاء الفني التي نتج منها أكثر من 700 أغنيةٍ عربيةٍ وأجنبية، اتجه الفنان الكبير سامي كلارك للأعمال الخيرية والإنسانية في جمعية مار منصور. كما أنه استمرَّ في إحياء الحفلات في مختلف أنحاء الوطن العربي والولايات المتحدة الأميركية وكندا، وخصوصًا الحفلات التي يعود ريعها للجمعيات الخيرية والمساعدات الإنسانية.
وكان لموقع «الديار» هذا اللقاء الشيّق مع الفنان سامي كلارك:
-بداية، صرّحتَ في إحدى مقابلاتك سابقاً أنك استفدتَ من حظر التجوّل وانتشار «كورونا» لتنظيم أرشيفك الفني وتوزيع بعض الأغاني للفنان الراحل زكي ناصيف التي تتناول مواضيع الاغتراب لتسليط الضوء على أهمية المغتربين في دعم وطننا. الى أي مدى يدعم المغتربون أهلهم ووطنهم؟ وهل تفكّر بالهجرة؟
– سبق وتحدثنا أنه خلال فترة الكورونا استفدت من وقت الفراغ لتنظيم الأرشيف الخاص من صور وفيديوهات لحفلاتي في لبنان والعالم العربي واوروبا، كما وأغنياتي البالغ عددها ٨٥٧ أغنية، لأنه كان من المستحيل التفكير بالحفلات خلال فترة الكورونا وانفجار المرفأ الذي أثر فينا بشكل كبير. فانصبّ اهتمامي خلال هذه الفترة على تنظيم الأرشيف، لكي نتمكن عند أول فرصة من العودة الى النشاط والحفلات.
أما بالنسبة للاغتراب فقد سجلت أغنيتين للفنان زكي ناصيف «يا أهلا بغيابنا» وصورت «الفيديوكليب» الخاص بها مع ريكاردو منصور و»يا دني شتي ألحان». كان هدفي من خلال هاتين الأغنيتين بناء الجسر الثقافي والحضاري بين لبنان المقيم والمغترب. فالمغتربون هم خميرة لبنان وليسوا فقط وسيلة لضخ الأموال واستغلالهم في هذا الموضوع بالذات. وأعتقد أنه في الانتخابات المقبلة سيكون المغتربون الصوت الصارخ لأنهم قادرون على الرؤية والمتابعة والمعالجة أكثر منا. الأغنيتان حاضرتان الا أنني في ظل هذه الظروف لا أجد الفسحة المناسبة لإصدار الأعمال الجديدة، لأن الوجع عام والجرح عميق.
وعمّا إذا كنت أفكّر بالهجرة، فلم أفكر يوما بها، أنا لبناني وأفتخر بلبنانيتي، فأنا أنطلقت من لبنان وابني ينطلق من لبنان. علينا الانتظار قليلاً من الآن لأول الشتاء حيث سنبدأ بإصدار الأعمال التي نحضرها لكي نوصل صوتنا وأعمالنا الى اللبنانيين والعالم.
وكما قلت ان المغتربين ليسوا «بقرة حلوب» وكأن المطلوب منهم ارسال الأموال مع العلم أنهم غير مقصرين في ذلك، بل هم الصوت الذي يوصل لبنان الى العالم.
– أعدتَ تسجيل أغنية «غريندايزر» وأعلنتَ أنك ستصوّرها في المملكة العربية السعودية عبر تقنية «زوم» مع «فرقة إيهاب درويش» المؤلّفة من 180 عازفاً و30 شخصاً من الكورال . أخبرنا عن هذا العمل، ولماذا اخترتَ اعادة تسجيل هذه الاغنية بالذات؟
– بالنسبة «لأغنية غرانديزر»، فأنا أقوم بتسجيل أغانٍ جديدة لـ «غرانديزر» وأجدد الأغنية الأساسية مع ايهاب درويش. ولما لاحظنا أن الأغنية الأساسية قد استهلكت بشكل كبير، في حين أن عدداً كبيراً من الأغاني الأخرى لـ «دوغ فليد» البطل الأساسي للقصة لم تسجَّل بالعربية، فقررنا أن نحضّر أغاني جديدة برسالة جديدة لإصدارها. فسافرت الى أبو ظبي لتحضير الأغاني وتسجيلها في استوديو ايهاب درويش مع فرقة بيتهوفن للأكاديمية البولندية التي عملت معي سابقاً.
الأغاني أصبحت حاضرة. وفي أول فرصة، أكان في الحفلات التي نحضّر لها في السعودية أم في أبو ظبي في منتصف تشرين الأول، سنصوّر الأغاني ونصدرها، حيث ستكون بنمط وأسلوب جديدين.
– متى سنرى سامي كلارك في أغنية جديدة تواكب هذا العصر؟
– بالنسبة للأغاني الجديدة، هنالك عدد من الأعمال التي كنت قد حضّرتها مع الراحل الياس الرحباني ولم تصدر سابقاً. كما أحضر لألبوم أجنبي الا أنني لم أحدد بعد تاريخ صدوره، وكنت أتمنى أن يتم اصداره بالتعاون مع شركة أجنبية الا أننا لم نتوصل الى اتفاق بالشكل المطلوب.
كما كنت تواصلت مع المرحوم أحمد موسى صاحب شركة «ريلاكس إن» وسلّمته جزءًا كبيراً من أرشيفي، وأتابع اليوم التنسيق مع زوجته لإعادة إصدار عدد كبير من الأغاني، بالإضافة الى أغاني الأستاذ زكي ناصيف.
– كشفتَ أنك تحضّر كتابك «قصّة غنيّة». هل يمكنكَ ان تحدّثنا عن كتابك هذا؟
– صحيح، أحضّر لكتابي «قصة غنية» الذي هو مؤلف من ٣٣٠ صفحة يتحدث عن قصة كل أغنية ولماذا كُتبت مع كلماتها وصور من الحقبة التي تعود إليها، مع إصدار الكتاب بخمس لغات وهي اللغات التي غنّيَت فيها.
– ما هي العِبَر والخلاصات التي توصّلتَ اليها نتيجة خبرتك الطويلة والغنية في المجال الفني؟
– بالنسبة للعبر والخلاصات التي توصلت اليها في مشواري الفني الطويل، لا أعتقد أن لها حدّاً، فهي مراحل متتالية منذ المدرسة وكتابة وتأليف الأغاني، وصولاً للمرحلة الجامعية والتدريب العسكري، حيث ألّفت فرقة وأقمت معها عدداً كبيراً من الحفلات.
على كل انسان أن يتابع عمله بشكل متقن لكي ينجح والا لن يصل للنتيجة المرجوة.
عملت في أعمال سينمائية عديدة وأعتبر أنني لم أنجح فيها «مش شغلتي مثّل»، فخرجت من هذا الميدان لأنني لم أجد نفسي كممثل.
على الإنسان أن يكون له نقد ذاتي لفنه لكي يعرف حجمه وقدراته، دون أن يؤذي نفسه لأن ذلك يؤثر في شخصيته وفنه.
مررت بفترات صعبة أثرت فيّ، إلا أنني أعتبر أفضل فترة مررت بها في حياتي هي طفولتي في بلدتي ضهور الشوير، حيث لجأت للطبيعة برفقة الغيتار والهارمونيكا، كما للمهرجانات العالمية مع الفنان الكبير الياس الرحباني. كما حققت عدداً من الجوائز العالمية في ألمانيا وبلغاريا وكان والنمسا. أعتبر أن هذه المحطات غيرت حياتي، وتعلمت أنه على الإنسان أن يعكس قضايا شعبه ووطنه ومجتمعه. وانطلاقاً من التزامي في وطني وجيشي وأرزتي، أصررت على تعليم النشيد الوطني وتعميمه لأن قوة لبنان بوحدة أبنائه.
المرحلة الأصعب في حياتي كانت بعد زواجي وبعد أن رزقنا بـ «سام جونيور» و»ساندرا» ووقعت الغيرة من عائلتي الصغيرة من قبل شقيقي وشقيقتي ونصب لي العديد من الأفخاخ وافترقنا أنا وأشقائي عندما اكتشفت أنهم لم يتقبلوا فكرة زواجي.
أسباب الغيرة كانت متعددة، ربما أوضاعي التي كانت تتحسن وانتقالي الى مراحل عالمية وعدم انسجام تفكيرهم مع تفكيري لناحية بناء عائلة. كانوا يفضلون أن أظل عازباً، ولم أرتح إلا بعد انفصالنا كإخوة وبقائي مع زوجتي وأولادي، والحمدلله كبر أولادي وتزوجت ابنتي وابني فنان يكتب ويلحن وسيبدأ بالغناء معي.
العائلة هي الثروة والكنز الحقيقي في الحياة، بناء عائلة ناجحة هو أهم ما في الحياة.
-هل تمكّنت من تكوين صداقات في الوسط الفني؟
– لسوء الحظ لم أتمكن من تكوين صداقات في الوسط الفني، لأنني لاحظت أن العلاقات الفنية من خلال النقابات أو الحفلات تؤدي الى أمور لا يقبلها الفنان الذي يتكل على موهبته فقط لإيصال رسالته الفنية. الغيرة والنميمة موجودتان، لذلك ابتعدت عن الصداقات الفنية كنوع من الاحتياط لأحمي نفسي وفني دون أن يقوم أحد بإزعاج مسيرتي الفنية..
-كيف ترى امكانية نهوض لبنان من كبوته ومشاكله الاقتصادية والسياسية الحالية؟
– أعتبر أنني كنت من القلائل الذين عملوا للبنان منزّه من الضغوطات الحزبية، بل عملت بحرّية معNew Lebanon النادي الذي أنشأته خلال الحرب لتعليم النشيد الوطني، وأعطاني زخماً ودعماً كبيرين، ومنحني الثقة بنفسي وبأن لبنان لا يموت، الا أنه معرض بشكل دائم للهزات، فهو لا ينقصه شيء ليكون بلداً رائداً، أكان بمناخه، ام شعبه ام فكره ام حضارته.
ما ينقصنا هو «إنو يحلّوا عنّا» لأن الجميع يرى لبنان لؤلؤة، فإما يحصل عليها أو يدمرها.
هنالك العديد من اللبنانيين يسيرون وراء مطامع وإغراءات أجنبية، الا أن من يحبون وطنهم هم الأكثرية ونحن نعتمد عليهم لبناء وطن صحيح. التعددية جميلة الا أنها يجب أن تكون مفيدة للبنانيين لا عقبة ومشكلة إضافية في لبنان.
الحلول لمشاكلنا كثيرة وليست مستعصية. ما ينقص أن هنالك طقماً قديماً فشل في قيادة سفينة لبنان، وعليه أن يتنحى جانباً دون ثورات دموية بإمكاننا الاستغناء عنها. على اللبنانيين الجلوس معاً والتخطيط وتحضير برامج مسبقة للبنان الجديد. هنالك انتخابات قادمة، ولا نعرف ما يحضّرون لها. ربما يخططون للتمديد لأنفسهم ومنعنا من التعبير عن رأينا. يجب أن نسعى ليكون اللبناني مدعوماً داخلياً وعربياً ودولياً لكي ينهض هذا البلد مجدداً، لا سيما بعد حرب الإبادة التي تُشن على لبنان واللبنانيين الذين عليهم أن يحافظوا على ايمانهم لأنه ليس بالإمكان بناء الوطن دون إيمان.
أما بالنسبة للحل الذي أتصوره للبنان، فإن لبنان لن يصبح بلداً معافىً الا بالأمل والعمل الذي يجب أن يستمر بالرغم من كل الظروف التي نمر بها. لبنان الجديد لا بد من أن يرتكز على اللامركزية الإدارية ونظام مدني، ولا بد من اقرار قانون انتخابي جديد، لأن القانون الحالي يطيل أمد المشكلة.
لا يجب أن نترك مجالاً للطبقة الحاكمة لأن تتنفس، وعلينا أن نتجنب الدخول في المغارة والمافيا التي أوجدتها هذه السلطة.
– كلمة أخيرة.
– أشكر جريدة «الديار» وأشكرك على اهتمامك الدائم ومتابعتك لأعمالي ولحياتي الشخصية والفنية والوطنية.