في عالم القهر.. الأسود والأحمر يسودان
بقلم: صالح الراشد

 

النشرة الدولية –

تمتزج الألوان بيد الفنانين فتعطينا لوحات فنية رائعة الجمال، فنهيم بها لنطوف الكوكب بخيالنا لنشعر أنها العالم الذي نسكنه أو نحلم بأن تكون وطناً لنا، فأصحاب الذوق الرفيع يُجيدون التلاعب بالألوان فيخترعون منها أجمله، ويرسمون على الصحاف البيضاء ما تعشق العين وتدمع، فهؤلاء سلاطين الإبداع والجمال فيقودون المجتمعات صوب الإنسانية والرقي، ويُخلد التاريخ أعمالهم حتى بتنا مسحورين بجمال الماضي وبروعة لوحة “الموناليزا” لدافينشي ولوحة “الجيرينكا” لبيكاسو، لنتغنى بلوحة  “ليلة النجوم” لفان جوخ فيما مونية يسحر البشرية بلوحاته “زنابق المياة”، وزين مايكا انجلو بلوحته “خلق آدم” كنيسة سيستينا في الفاتيكان.

 

واعتقدنا ان الفن سيسود العالم ويُخلد للبشرية الجمال والعدل وقد يُخلد القهر والتعذيب والظلم والقتل، لتسيطر هذه الموبيقات على صورة العالم الأحمق فتزايدت وانتشرت بقوة لم يتوقعها أحد حتى غدت الحالة الطبيعية في عالم اللامعقول، فهذا العالم المحكوم بقوة خفية نشعر بها ولا نعرف كنهها ومصدرها يقودنا صوب الجنون، فالألوان التي كانت تمتزج وتصنع جمال الطبيعة أصبحت لا تعطينا إلا لونين فقط، هما الأحمر القاني والاسود الداكن وعليك أن تختار ما بين ظلام دامس أو موت زؤام، ففي عالم لا يعترف بالإنسان وحقوقه ويؤمن إيماناً مطلقاً بالقوة والجبروت والقهر وذل الشعوب واستعمارهم لن نجد العدل ولا الجمال بل هما اللونين اللذين يستبيحان كل المحرمات.

 

لقد انقسم حال الدول بين التبعية المُطلقة لدول الغرب وللقوى العظمي، حتى تحولت إلى مجرد إقطاعيات غربية تُدار بأيدي عربية لا يملك سيدها المُعيين القرار، بل يعيش كما يُريد سيد البحار لتتحول البلاد إلى ظلام الفكر والرأي والسياسة، فعندما تكون الدولة تابعة تفقد أهم مميزات البقاء والخلود وهي حرية رأيها ومعتقدها، وتصبح غير قادرة على فعل شيء، فمن يعتاد على نير العبودية يصعب عليه خلعه، لذا قالها الفيلسوف اليوناني دون أن يُشاهد عصر الخنوع الحديث :”لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات”، وما أكثر من يحملون هذه المظلات في عالم البحث عن الذات والملذات والبقاء في المناصب لنتراجع بكل قوة للوراء كون محرك القوة الذي يدفعنا صوب الأمام لا يقوده العبيد.

 

ومن يرفض التبعية السوداء والعبودية المُطلقة، يصبح في المنطقة الحمراء الخطرة حيث تسيل الدماء كالأنهار وتُساق الشعوب للموت زمرا، تحت شعارات كاذبة خادعة اخترعها الغرب بذكاء ومررها إلى أمة تسير صوب نهايتها بغباء، واستخدم المجرمون الإعلام الضلالي باحترافية لتقتدي الشعوب بلوحة “أعمي يقود أعمى” للفنان الهولندي بيتر بروغل قبل خمسة قرون من الزمن، ليغطي اللون الأحمر مناطق عديدة في الوطن العربي حيث فُرض عليها الموت بطرق متعددة أما بيد أبنائها أو أعدائها، فعند الغرب لا يهم من القاتل فالمهم أن يموت رافض السواد والعبودية حتى يكون عبرة لغيرة من العبيد الذين سكنوا قصورهم سعداء بحريتهم داخل أروقته، فيما يصنع لهم الإعلام صورة الابطال القاهرين خارجه.

 

لقد انتهى عصر الألوان الجميلة الناتجة من مزج الألوان، فالأصفر والأزرق لا يعطيان اللون الأخضر بل الأحمر القاني، ومزج اللونين الأحمر والأصفر لا يعطينا اللون البرتقالي بل نحصل على اللون الاسود شديد الظُلمة، فالعالم حين يمتزج لا يجتمع إلا لشر يُراد بنا، فقد جمعوا أسلحتهم وجنودهم في العراق وليبيا وأفغانستان معتقدين أنهم سينتجون الحرية للشعوب من مزج هذه القوات، لنجد أنها خلفت الدمار والموت والقهر وعودة البلاد والعباد لعصور ما قبل التاريخ، لقد اصبحت الصورة واضحة ولا تحتاج لبيكاسو ليرسم معالمها، فالأمم المتحدة وأذرعها لا يبحثون عن الخير للعرب بل المزيد من القهر والعبودية حتى يبقى الابن المدلل في أمان، ويلعب باللون الأزرق من نهر الأردن الخالد حتى البحر المتوسط، لتترك هيئة اللؤم اللونين الأحمر والأسود للعرب يختارون منها ما يشاءوا، فاما عبيد بإمتياز أو الموت الزؤام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى