مجلس النواب اللبناني يحرر السوق للنفط الإيراني.. ولتكاثر المحتكرين!
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
يتباهى نواب الشعب باتخاذ مجلس النواب أمس الجمعة 20 آب قرارات مجدية، “تشكل حلاً جوهرياً ونهائياً للأزمة الاقتصادية الحالية”، على حد تعبير أحدهم. و “أحد أهم القرارات”، يتشدّق نائب آخر باعتباره القرار يلجم المهربين والمحتكرين وكفيل بـ”تحرير السوق”.
قرار أعزل
نعم، لطالما كان قرار تحرير السوق من الاحتكارات مطلباً أساسياً لخبراء الاقتصاد وقلة من المهتمين الحريصين على اقتصاد لبنان. فتحرير السوق من شأنه أولاً حماية المواطنين من تسلط المحتكرين، جشعهم وسيطرتهم، كما يضع حداً لكارتيلات النفط والدواء والقمح والحليب وغيرها من المستوردات التي تستنزف مال الدولة والمواطن وتتحكّم بالسوق. ويستهدف القرار فتح باب المنافسة لما فيه مصلحة المستهلكين…
لكن عملية تحرير السوق من الاحتكارات بشكل فعلي وفاعل، لا تقتصر على اتخاذ قرار أعزل، كما هي الحال اليوم في مجلس النواب، بل تستلزم مواكبة القرار بآليات وضوابط تعزز الشفافية وترسي منافسة شريفة متكافئة، وغيرها من المعايير التي من شأنها حماية المستهلك وتطوير الاقتصاد. ومن دون ذلك فمن شأن قرار تحرير السوق زيادة عدد المحتكرين وتوسيع الكارتيلات لتضم مستوردين جدد. وهذا ما يُرجّح حصوله في المرحلة المقبلة.
مستوردون جدد
وكل كلام في الاقتصاد لا يعني مجلس النواب من قريب أو بعيد. فقرار تحرير السوق كان ليتخذه مجلس النواب منذ سنوات فيما لو كان يرى فيه حاجة. أما أنه أقر أمس تحرير السوق فلقراره مآرب أخرى لا تتجاوز تسهيل عملية مرور النفط من إيران إلى لبنان وإدخال تجار جدد على خط المستوردين.
وبحسب مصدر مطلع فإن عملية استيراد البنزين والمازوت من إيران لن تكون عملية وحيدة أو موقتة، بل يسعى منظّموها إلى استمرارها. وفي شتى الأحوال هي عملية استيراد من تجار إيرانيين إلى تجار لبنانيين، بصرف النظر عن دقة وحساسية مسألة استيراد النفط من بلد خاضع لعقوبات أميركية. وكي تأخذ عمليات الاستيراد تلك شكلها الرسمي، يرى المصدر في حديثه إلى “المدن” أنه لا بد لها من العبور في القنوات الرسمية، أقله في لبنان منعاً، لإحراج حزب الله. والمقصود هنا الحصول على تراخيص من وزارة الطاقة والمياه. ولأن مستوردي شحنات النفط الإيراني لم يحصلوا ولن يستحصلوا على تراخيص وزارة الطاقة والجهات المعنية الأخرى لإدخال المواد المستوردة، استبق مجلس النواب وصول الشحنة الأولى ومهّد لها الطريق قانونياً ورسمياً، فقرر تحرير السوق من الاحتكارات.
هدفان مزدوجان
وبإقراره تحرير السوق من الاحتكارات في هذا التوقيت بالذات، يكون مجلس النواب قد أصاب هدفين معاً: الأول يتمثل بتسهيل دخول شحنة المحروقات من إيران وما يستتبعها من شحنات لاحقة. والثاني يتمثل بفتح المجال أمام المصانع اللبنانية لاستيراد المازوت اللازم لتشغيلها على عاتقها، ومن خلال شراء الدولارات من مصرف لبنان عبر المنصة الإلكترونية.
وكان حاكم مصرف لبنان قد صارح الصناعيين في وقت سابق، حين أكد لهم عدم قدرة مصرف لبنان على استمراره بدعم المواد الأولية اللازمة لإنتاج المصانع اللبنانية، ولا لدعم المحروقات أيضاً، داعياً إياهم وبكل وضوح إلى استيراد المحروقات على عاتقهم بدلاً من تعطيل مصالحهم في انتظار الشركات المستوردة للنفط وتصاريح مصرف لبنان لفتح الاعتمادات.
باختصار قرار تحرير السوق من دون كسر الوكالات الحصرية القائمة حالياً في لبنان والتأسيس لتفكيكها لا يعول عليه. ويبقى الخوف من أن تصدق التحليلات ويتحول قرار تحرير السوق تدريجياً إلى ما يشبه الشعار من دون أن ينعكس واقعاً اقتصادياً في ظل غياب أي آلية فعلية لإرسائه، باستثناء تمهيده لاستيراد النفط وغيره من المنتجات من قبل من يشاء. وعلى رأس تلك العمليات “عملية استيراد المحروقات من إيران”، وأولى شحناتها تطل بعد قرابة 14 يوماً.