أميركا من الشاه الى طالبان
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
استغرب من الذين ينظرون للولايات المتحدة بمنظار مثالي أو أخلاقي ويحكمون على سلوكها وكأنها جمعية خيرية تقوم «بالواجب من اجل الواجب» ويعتقدون أن لديها منظومة اخلاقية أو قيمية، فأميركا دولة عظمى يحكم سلوكها البراغماتي المصالح أولا وأخيرا، وما أشرت إليها هي مسائل بديهية، فأميركا ومنذ أن دخلت الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا لم تغير سلوكها ولم تخدع احدا بل أن معظم الذين تعاملوا معها كانوا يدركون أنهم إن لم يساوموا على مصالحهم مقابل ما يقدمونه لواشنطن من خدمات فلن يتمكنوا من تحقيق اهدافهم، فالتعامل مع واشنطن كدولة أعظم في هذا العالم يعد ضرورة قصوى ولكن من المهم التفكير في كيفية التعامل معها وعلى أي أرضية، والذين اندفعوا نحوها مبهورين بقوتها أو بقدرتها على حمايتهم خُذلوا في نهاية المطاف، وأما من تعامل معها على أرضية حتى وإن كانت نسبية من الندية وتبادل المصالح كسب مصالحه وكسب أميركا أيضا.
أشرت لكل ذلك كتوطئة للحديث عن الجدل الدائر هذه الأيام عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتسليم البلاد لحركة طالبان..
أكثر ما أثار فضولي من التحليلات التي قرأتها للبعض والتي استمعت إليها من البعض الآخر هو وصف ما جرى على أنه «هزيمة لأميركا»، وهو وصف أتفهم تماما دوافعه النفسية والعقائدية ولكن هو نوع من أنواع «خداع الذات»، فأميركا خططت وبدقة وفي منتصف التسعينيات وتحديدا من قبل استخبارات وزارة الدفاع الأميركية إلى صناعة «حربين جديتين» بسبب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، الأولى مع طالبان وابن لادن والثانية مع صدام حسين وربطه بتلك التفجيرات، وفي التاريخ لم يكن ابن لادن إلا اداة من أدوات أميركا في ظل الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أما صدام حسين فلم يكن هو الآخر بعيدا عن واشنطن وتم استدراجه للحرب مع الخميني الذي صعد للسلطة في إيران بدعم أميركي–فرنسي ليكون رافعة للإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في الشرق الأوسط بعد انتكاسة الإخوان المسلمين في مصر على يد نظام عبد الناصر بعد ثورة 1952 على الملك فاروق، فواشنطن في حقبة الثمانينات نفذت ثلاثة مشاريع استراتيجية جعلت الشرق الأوسط عجينة طيعة في يدها وأغلقت من خلال تلك المشاريع منافذ التمدد السوفييتي للخليج العربي، أما أول هذه المشاريع وأخطرها فكانت «الحرب العراقية الإيرانية» التي انهكت قوتين إقليميتين وأنهكت معها الموارد المالية لدول الخليج العربي وكل من سوريا وليبيا.
وثانيا كان القضاء على قوات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان واحتلال بيروت وإضعاف المشروع الوطني الفلسطيني تمهيدا لمشروع اوسلو وتداعياته التي أوصلت المشروع الوطني الفلسطيني لما هو عليه اليوم.
وثالثا كان احتلال الكويت وما تبعه من تداعيات كارثية، صحيح أنه لم يحدث في الثمانينات لكنه حصل في ذيلها والكل يعلم المآسي التي جلبها على الأمة وتحديدا على الأردن والفلسطينيين.
المشهد تواصل وسقط صدام حسين ونظامه وظهرت (القاعدة) وبعدها (داعش) وانتقلت الحرب لتدمير سوريا، واليوم تموت دولة بسكانها اسمها لبنان بسبب «الخمينية السياسية» وحزب الله ومعها اليمن، وما زال العراق يعاني من ذات الأسباب
ولم ينجُ من هذا المخطط الكارثي إلا الأردن بقيادة جلالة الملك وحكمته، والشقيقة الكبرى مصر بفضل حزم الرئيس عبد الفتاح السيسي.