أين الخليج من حكم طالبان؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
مفتي سلطنة عمان مشى بعكس السير في تصريحه المثير والناري عندما زف التهنئة إلى «حكام طالبان الجدد بالنصر على الغزاة المعتدين» معتبراً أن ذلك «عنوانٌ للفتوحات الإسلامية»! في حين الخليج يتكلم بلغة ثانية لم تستقر بعد حتى تهدأ الزوبعة وتحدد الاتجاهات، وإن كانت دول المنطقة معنية مباشرة بشكل أو بآخر بما يحدث هناك.. فالخليج اليوم هو الحديقة الخلفية للمتصارعين في أفغانستان، الأميركيون لديهم قواعد عسكرية ونفوذ ومصالح ذات أهمية استراتيجية كذلك هناك حضور أفغاني بشري ذو مورد مالي مهم.
خريطة الجاليات الأفغانية في دول الخليج العربي تبدأ من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحوي نحو 126 ألف أفغاني منتشرين في دبي وأبوظبي وباقي الإمارات وهي المحطة المفضلة للرئيس الهارب أشرف غني وأسرته وحاشيته، يليها المملكة العربية السعودية وفيها نحو 26 ألف أفغاني، وفي الكويت العدد يتراوح بين 15 و18 ألف أفغاني في حين يوجد في قطر نحو 6 آلاف معظمهم من قياديي الحركة، وأقلهم بكثير في كل من البحرين وسلطنة عمان، أي أن مجموع الأفغان في دول الخليج الست يقترب من نحو ربع مليون أفغاني.
غالبية الجالية الأفغانية تعمل في قطاع الإنشاءات والمقاولات وقسم منهم في تجارة وبيع قطع غيار السيارات والمخابز والمساجد كمؤذنين وهذا ما نلحظه على الأقل في الكويت وهو بخلاف وضعهم في الإمارات حيث الانتشار يتخذ أبعاداً أخرى، فالمعروف عن الأفغان أنهم يتمتعون ببنية جسدية قوية وصلبة وهم صورة عن جغرافية بلدهم المغلقة، فقد عاشوا في الجبال والأودية وتحملوا أهوال الطقس وتقلباته، وفي بيئة فقر استعانوا بالتعويض عنها بالتوجه إلى المدارس الدينية وبعضهم ذهب لزراعة الحشيش والاتجار بالمخدرات.
ارتباط الأفغان بالخليج ليس وليد اليوم، بل هو قائم منذ أواخر الثمانينيات أيام «المجاهدين» الذين زُجّ بهم في الحرب ضد «الاحتلال السوفياتي الكافر» فكانت دول الخليج مصدر دعم مالي قوي وخزان بشري رفد العمليات الجهادية بمجموعات شبابية عاشت هناك في معسكرات تدريب وغسل أدمغة، كان على رأسهم عبدالله عزام الذي أدى دوراً في جلب الشباب الخليجيين والعرب، وكان من أبرز النشطاء بالتنظير والتحريض خاصة كتابه «آيات الرحمن في جهاد الأفغان».
الكويت ودول الخليج ساعدت الأفغان العرب وإخوانهم المجاهدين الأفغان بإنشاء المستشفيات والمدارس والمعاهد الدينية، وهذا الارتباط سار في اتجاهين الأول على مستوى الأنظمة ومنهم من انخرط تماماً بالوقوف مع «المجاهدين الأفغان» ومن بعدهم «طالبان»، والثاني على مستوى الحركات الأصولية والمؤدلجة والتي كانت الذراع الكبرى لهم بحشد الشباب وتأمين المال.
الآن تُطرح التساؤلات: ما مستقبل «الجماعات الإرهابية» في ظل حكم طالبان؟ وهي حقيقة أن طالبان اليوم تغيرت ولبست ثوباً جديداً يناسب المرحلة أم أنها تكتيك للعبور إلى الإمساك بمقاليد السلطة والانفراد بها كما تبدو؟ وماذا بشأن العلاقة بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان وطالبان التي قاتلت إلى جانبها؟
بحسب المراقبين ما زالت طالبان توفر الملاذ الآمن للقاعدة وتعمل تحت حمايتها والارتباط بينهما تعدى الإطار العقائدي ليصل إلى الارتباط العائلي والزيجات المختلطة، وستبقى تشكل المظلة الأوسع «للقاعدة» وغيرها بعد هذا «الانتصار» الذي سيشجع الحركات الإسلامية المتشددة على السير في طريق «الجهاد» !
هل تراجعت طالبان عن اعتبار الحكومات القائمة بأنها غير شرعية؟ وهل أسقطت من حساباتها أن «الجهاد» هو الطريق الشرعي لتغيير الحكام؟ وهل تنازلت عن أحد مبادئها الفكرية برفض التعامل مع مؤسسات الدولة باعتبارها مجتمعات كافرة؟
عقيدة «طالبان» الدينية ومرتكزاتها ببناء «إمارة للمسلمين» لم تتغير، و«الملا» والذي يلقب «بأمير المؤمنين» لا يجوز مخالفة أمره ولا عزله، هي حجر الزاوية في بنيان هذه الحركة، «فالخليفة» القادم لا علاقة له لا بالديموقراطية ولا بالدولة المدنية الحديثة، ولا بحقوق الإنسان أو المرأة، فإلى أين تتجه العلاقة بين دول الخليج وطالبان؟ يبدو أن الانتظار سيد القرار، فلم تتضح بعد صورة «الحكم الإسلامي» والمسار الذي سيتخذه، ولذلك ستكون العلاقة الخليجية بحكم طالبان محكومة بعدة اعتبارات، منها الموقف الأميركي المستجد بعد الهزيمة النكراء والفشل الذريع الذي وجدوه بالانسحاب، ثم الموقف الأوروبي والمتغير وإن كانت فرنسا وضعت خمسة شروط فيها الكثير من العموميات.
تبقى العواصم الخليجية الفاعلة متريثة بتحديد الوجهة السياسية القادمة وإن بدا بعضها أكثر ليونة من بعضها الآخر، فلننتظر لنرى ثم نحكم.