الأفغان وزراعة الشعير
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

«.. عندما تقرر زراعة الشعير في حديقة بيتك الخلفية، وتحرص على استخدام أفضل أنواع البذور وتقوم بتخصيب التربة، وترويها بماء عذب رقراق، فلن تحصد في النهاية كرزاً أو فستقاً، بل شعيراً!».

(أ‌. الصراف)

***

نبارك للشعب الأفغاني عودة «طالبان» لحكمهم، تحت مسمى الإمارة الإسلامية، وبعد عشرين عاماً من الغياب القسري، بعد فشل التدخل الأميركي في نقلهم للقرن الحادي والعشرين، أو حتى ما دون ذلك، كما سبق أن فشلت في تحقيق الهدف ذاته في الصومال وسوريا والعراق ولبنان وليبيا وسوريا وغيرها، وبعد أن ولى عهد التدخلات العسكرية الناجحة، التي سبق أن لمسنا عظيم نتائجها في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، التي ارتفعت، بفضل المال والتقنية الأميركية، إلى مصاف الدول المتقدمة.

يعتقد الزميل سامي البحيري أن محاولة فرض التقدم على شعوب متخلفة عملية فاشلة، خاصة إذا كان تخلفها نابعاً من تشددها الديني. فهذه الدول، وغيرها، ترى أن وجودها في هذه الدنيا انتقالي، وبالتالي ليس من مسؤوليات الحكم تعمير الأرض وبناء الإنسان والاهتمام برفاهيته، بل فرض الهداية قسراً على الجميع، وحسب مفهوم الحاكم!

بعيداً عن نظريات المؤامرة، وعن كم التناقضات التي أوردها المحللون السياسيون، وكيف أن سقوط كابول السريع بيد «طالبان» كان مخططاً له، وإن ترك الأميركيين لكميات هائلة من العتاد العسكري وراءهم كان مقصوداً، والهدف منه جعل «طالبان» قوة يمكن أن تعرقل المد الصيني وتقلل من الطموح الروسي وتقضي على التغلغل الإيراني.. وغير ذلك.

لا يختلف اثنان على أن أميركا ارتكبت أخطاء مميتة في أفغانستان، وتخلت عن أصدقائها وعن الذين تعاونوا معها وخدموها لعقدين من الزمن، وتركتهم لمصيرهم المرعب وهذه خيانة لا تغتفر، ولكن في جانب آخر هكذا عادة ما تتصرف الدول التي تصبح كبيرة، بحيث يصبح من الصعب إدارتها، خارجياً على الأقل، بكفاءة عالية! وأعتقد، أو أتمنى، أن تكون أميركا قد تعلمت من «الدرس الأفغاني» شيئاً، ولا يعني ذلك أنها ستتوقف مستقبلاً عن التدخل في شأن الدول الأخرى، بل غالباً ستكتفي بتغيير استراتيجياتها. فوضعها كقوة عالمية عظمى يحتم عليها التدخل، متى ما تطلّب الأمر ذلك. ولنا أن نتخيل ما كان سيكون عليه وضعنا هنا في 2/8/1990 لو لم تتدخل وتنقذ خمسة ملايين إنسان من جحيم صدام وعصابته.

كما أن كل هذه السخرية من تدخل أميركا في أفغانستان غير عادل بالمطلق، ويجب أن يوضع في إطاره الزمني الصحيح. ففي سبتمبر 2001 كان العالم المتقدم، والحضارة الغربية برمتها، مهددين بفوضى عارمة تسببت بها قوى مؤمنة بالغيب متخلفة تعيش في الكهوف وتتحصن بأيديولوجيات تعود إلى القرون الوسطى، فكان لا بد من عمل شيء والقضاء عليها «بأي شكل وبأي ثمن»! وتبيّن لاحقاً أن الأمر استحق بالفعل تلك التضحيات. ولكن المشكلة أن ذاكرة البعض قصيرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button