عذراً أبنائي فقد أخطأت بحقكم
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
للمرة الأولى أعتذر عن فعل قمت به وقد ظننته صوابا، فقد غُم على بصري ولم أشاهد الحقيقة الكاملة ولم أدركها، بل عُميتُ عنها وتاهت بصيرتي، عذراً أبنائي وأعتذر لكم بشدة فأنا المخطيء وليس أحدٌ غيري، أعترف بكامل قواي العقلية وأعتذر حين قررت أن اقوم بتدريسكم في الجامعات مهندسين وأطباء، وحين أصررت أن أنقل لكم ميراث والدي رحمه الله في العمل بشرف وعفة .. سامحك الله يا والدي لماذا علمتني الأمانة ولماذا لم تصنع مني فاسداً متسلطاً على البلاد والعباد؟، سامحك الله إذ كنت أصبحت فارساً مغواراً في جيوش الفاسدين الفاتحين للمصانع والشركات الحقيقية والوهمية، ولفُتحت جميع أبواب الوظائف والمناصب أمام أبنائي، وهي أبواب يا والدي لها مفتاح سري أخطر وأكثر سرية من الماسونية والصهيونية، هو مفتاح لا يملكه إلا عدد محدود ممن رضعوا الفساد والسفاهة.
أعتذر لكم أيها المهندسون الثلاث والطبيب ، فالعمل والمناصب ليست لكم، ولا واسطة لكم عندي تسهل الطريق أمامكم وتجعلكم تسرقون حقوق الآخرين، كما يفعل الكثير من القافزين على الفرص والمتنقلين من منصب لمنصب، لكننا يا أبنائي بألف خير وحالتنا أفضل من نصف الشعب، فأنا طوال عمري أمقت الفاسدين وأحتقرهم وأنتقدهم، لذا لم يكن لي مكان بينهم كما لن يكون لكم في محيط سرقاتهم ونهبهم مكان، وربما أقول ربما لو أدركت أن الوضع سيكون صعباً وأن الأبواب لا تُفتح إلا من خلالهم لنافقتهم بل لأكثرت من النفاق كما فعل الكثير من زملاء المهنة التي تحولت عن طريقها ونهجها، لكنكم تعرفون بأنني لن أفعلها.. نعم يا أبنائي فالطريق إلى القمة يبدأ من الحضيض، والحضيض هنا أن ترتضي أن تكون ذليلاً لمن يملكون المال والسلطة، فتفتح لهم الأبواب وتشعل لهم السجائر وربما تُجهز لهم العاهرات، فالحال قد تغير وزمن الأشراف قد ولى وأصبحنا في زمن الرويبضة، ودخلنا التيه مع بني إسرائيل بل تهنا أكثر منهم وأصبح فسادنا يفوق فسادهم.
سأبقى أعتذر لكم لأنني أخلصت ووالدتكم في رسالتنا معكم، فكان قرارنا منذ اليوم الأول لميلادكم في هذه الحياة المُتعبة المشؤومة أن تتعلموا وتتعلموا حتى تنالوا أعلى الشهادات العلمية، ولم نكن نعلم أنها ستقودكم إلى البطالة المفروضة على أبناء العامة.. حقاً على أبناء العامة فقط، وقد تتسائلون يا ابنائي لماذا نحن من عامة الشعب؟، ألم يكن من الأفضل أن أعلمكم النهب والسرقة، وكيف تقفزون مع القافزين صوب المناصب والمال العام والخاص ؟!!، أنا المخطيء لا أحد غيري وأعترف بكامل قواي العقلية أنني كنت مخطئا، فطريق الجامعات طويل مضني يحتاج للجلد والصبر ونتائجه بعد التخرج غير مضمونة، فأنتم لستم من ابناء الذوات الذين تأتيهم المناصب زاحفة راكعه إحتراماً لواسطاتهم، فيما طريق النهب قصيرة ومليئة بالغنائم، فلماذا إخترت لكم طريق الأنبياء والرسل والعلم والمعرفة ولم أستدل على طرق الجهل والفساد، كم كنت أحمق في حياتي وأشعر أنني ما زلت ذلك الأحمق كوني أكتب وأبحث عن معلومة في بواطن الكتب لعلي أجد جذوة أو قبساً أضيءُ به شعلةً في ليل الجهل والفساد والظلم، وفي ذات اللحظات يسرق الفاسدون الجاهلون الذهب والفضة من مؤسسات الدولة، فيما أبنائهم يكبرون مع فسادهم ليصبحوا أفسد، ومن غبائي أنني لا زلت أحضكم على فعل الخير والإبتعاد عن الرذيلة التي وضعت عدد من أصحابها على رقابنا وأصبحوا منارة البحث عن الأفضل.. تخيلوا يا أبنائي .. فاسد يدعوا للعفة ومصاب بالتخمة ينادي بالآخرين للجوع لأجل الوطن ومدمن يصرخ تنبهوا من خطورة عدوكم.
لم يعد بيدي حيلة بل لم يكن منذ اليوم الأول بيدي أي حيلة لأجعلكم في صفوف العاملين كحال العديد من أبناء الوطن، لذا غادر الأول خارج البلاد وعليكم أن تلحقوا به، وعلى غريب الدار العائد بشهادة الطب الإسراع في المُغادرة، فهذا الوطن ليس لنا ونحن لسنا شركاء فيه، فلهذا الوطن أصحاب يقودونه كما شاءوا ويتقاسمون خيراته حسب أهوائهم لنجد أن الكثير من أبناء الشعب عبيد في مزارعهم، وأنا لم أربيكم وأعلمكم يا أبنائي لتكونوا عبيداً إلا لله، لذا ابحثوا عن حياة تليق بكم خارج حدود الوطن، وابحثوا عن من يُقدر علمكم ومعرفتكم ليحتضنكم بعد أن غابت فرص الحياة الكريمة في الوطن، وأعتذر لكم ومنكم بأنني لا زلت أتمسك بالمُثل التي أصبحت أشعر بثقلها، ورغم ذلك لا أستطيع إلا أن أكون كما رباني أبي رحمه الله، فأعذروني يا ابنائي واغفروا لي زلتي، فأنا كما عهدتموني غير قابل للتغيير.
آخر الكلام
أبنائي ليس عمر ومحمد وداود وعبدالله فقط، فأبنائي هم جميع من اجتهدوا وحلموا بالأمل قبل أن يحجبه عنهم صُناع الظلام، أبنائي هم كل شاب حَمّلّناه وزر جهل جيل الكبار وإضاعتهم لمقدرات الوطن، أبنائي كل باحث عن عمل شريف يساعده على بناء الحُلم وليسوا أولائك الذين خطفوا كل شيء حتى الوطن.
أما أنا فلست كاتب هذا المقال بل كل أب وأم سهروا على أبنائهم وعلموهم الأخلاق لبناء المدينة الفاضلة التي لا مكان لها إلا في عقول الشرفاء.