“إرتياب مشروع” بعون: مصير الحكومة في خدمة “أبديته” في بعبدا
النشرة الدولية –
تترسّخ قناعة أكثر من مرجعية سياسية لبنانية بأنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يعمل للبقاء في القصر الجمهوري، لما بعد انتهاء ولايته في ٣١ تشرين الأوّل( اكتوبر) ٢٠٢٢.
وتربط هذه المرجعيات تعقيدات تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بهذا الهدف، لأنّ عون لن يوافق على أيّ تشكيلة حكومية لا توفّر له الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وأبرزها امتلاك القدرة على إدخال البلاد، مجدداً، في الفراغ، قبل حلول الاستحقاق الرئاسي.
وعندما يعترض “الدستوريون” على هذا الكلام “غير المعقول”، “تستعير” هذه المرجعيات السياسية من عالِم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون واحداً من أهم استنتاجاته :” في بعض الحالات، اللامعقول هو أكثر صدقية من المعقول”.
بالنسبة للدستوريين يستحيل أن يبقى رئيس الجمهورية في موقعه، بعد انتهاء ولايته الرئاسية، إذا لم يتم تعديل الدستور، ليعقبه تمديد الولاية أو تجديدها، وهذان الاجراءان يحتاجان الى أغلبية في مجلس النواب غير متوافرة لمصلحة عون، حتى تاريخه.
في المقابل فإنّ المرجعيات السياسية تزعم أنّ المستشار الرئاسي سليم جريصاتي “أفتى” لعون بإمكان بقائه في منصبه، بعد انتهاء ولايته، في حال لم تكن هناك حكومة مكتملة الصلاحيات.
وهذا يعني، وفق الفتوى “المزعومة”، أنّ حكومة تصريف الأعمال هي حكومة “ناقصة دستورياً” لا يمكنها أن تقوم بواجبات السلطة التنفيذية العادية، وتالياً فالحكومة المنتقَصَة صلاحياتها الأساسية لا يجوز لها أن تمارس، عند انتهاء الولاية، صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي هذه الحال يصبح استمرار رئيس الجمهورية في منصبه “ضرورة دستورية وميثاقية ووطنية وأخلاقية”.
ولذلك، وفق المرجعيات السياسية، فإنّ تشكيل حكومة جديدة لا توفّر لرئيس الجمهورية إمكان إقالتها، يواجه، كلّ يوم، تعقيدات جديدة، لا يبدو أنّ خلية الأزمة في قصر الاليزيه التي تتدخّل، بشكل مستمر، للحلحلة، قد ملّت منها، ربّما توهّماً منها بأنّ عون سيرد الجميل للرئيس ماكرون الذي سلّفه “مديحاً نادراً ومبالغَاً فيه، في كلمته الافتتاحية في الطبعة الأخيرة من “المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني”.
ولا يمكن لأيّ طرف، باستثناء رئيس مجلس الوزراء، أن يقيل الحكومة إلّا إذا توافر له ما يُسمّى ب”الثلث المعطّل”.
ومنذ بدء العمل، قبل أكثر من سنة على تشكيل حكومة تخلف حكومة حسّان دياب المستقيلة، لم يختفِ، يوماً الحديث عن مطلب عون بالحصول على الثلث المعطّل.
ولا يقيم العارفون وزناً لنفي عون سعيه للحصول على الثلث المعطّل، إذ إنّه، بالممارسة، بمجرّد أن يرفض أن يسمّي رئيس الحكومة المكلّف أو أيّ مرجع آخر غيره، أيّ وزير مسيحي، فإنّه يهدف الى أن يوفّر لنفسه هذا الثلث، مستخدماً المناورة السياسية-الطائفية.
وبعدما خاض هذه التجربة كلّ من مصطفى أديب وسعد الحريري، ها هو نجيب ميقاتي يعاني منها.
ولكن، ماذا يقول المراقبون المحايدون، عن هذا الإتّجاه الذي تكشفه قوى ناشطة في الكواليس السياسية اللبنانية؟
من حيث المبدأ، إنّ هذه النوعية من “الفتاوى” ليست غريبة عن جريصاتي، إذ إنّ كثيرين يعرفون الدور الريادي الذي لعبه في اصدار قرار المجلس الدستوري “العجيب” لمصلحة المرشح غسان مخيبر، ظاهراً، والسلطة القائمة، ضمناً، اذ جرى إعلان فوز مخيبر، في العام ٢٠٠٢ عن المقعد النيابي في دائرة المتن الشمالي، على الرغم من حصوله على عدد ضئيل من الأصوات، بحجة أنّ “الظروف القاهرة” تمنع إعادة العملية الانتخابية بين الحائز على العدد الأكبر من الاصوات المعلنة ( غبريال المر، مرشّح المعارضة) ضد منافسته التي طعنت بنتيجته( ميرنا المر).
ومن حيث الممارسة، تثير الريبة طريقة تعاطي الرئيس ميشال عون مع تشكيل الحكومة، على الرغم من تناوب ثلاثة رؤساء مكلّفين، على المهمة،من جهة أولى وسقوط البلاد في “جهنّم”، من جهة ثانية، وتصاعد الضغط الدولي، من جهة ثالثة، وتنامي اليأس الوطني، من جهة رابعة.
ومن حيث تقاطع المعلومات، فإنّ هناك تأكيدات كثيرة أنّ معركة تشكيل الحكومة متصلة، بشكل وثيق، بمعركة الاستحقاق الرئاسي التي فُتحت على مصراعيها بين عون الذي يريد البقاء في القصر الجمهوري، إمّا مباشرة وإمّا من خلال “وريثه السياسي” جبران باسيل، من جهة وقوى محلية كثيرة ترفض ذلك بينها رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وآخرون، من جهة أخرى.
وفي السياسة، إنّ “حزب الله”، بحجة دعم عون، من جهة أولى وعدم مصلحته في حسم توجّهاته الرئاسية مبكراً، من جهة ثانية، يستفيد من هذا الواقع المزري، ليكرّس سيطرته الكاملة على القرار اللبناني والمؤسسات الوطنية والقطاعات الحيوية.
ولكن، على الرغم من هذه العوامل التي تصب لمصلحة القائلين بأنّ الفراغ الحكومي هو تكتيك رئاسي لعون، يبرز سؤال محوري حول مصير الانتخابات النيابية التي يحين استحقاقها، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية.
فهل هناك نية لتعطيل هذه الانتخابات؟
إذا كانت هذه النية غير متوافرة، فهذا يعني أنّ الحكومة العتيدة تنتهي ولايتها حكماً مع تشكيل مجلس نيابي جديد، فلماذا، والحالة هذه، تبكير “استحقاق الفراغ”، طالما أنّ توسّله ممكن، لاحقاً؟
ثمّة قوى تظن أنّ الانتخابات النيابية في خطر حقيقي، وتستند في ذلك الى استشرافها أبعاد الهجوم المركّز على قوى المجتمع المدني التي يتّهمها الامين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، علناً ومباشرة، بأنّها “أدوات بيد السفارات المعادية”.
ويأتي هذا الهجوم ليعطي صدقية عالية للمعلومات المتوافرة عن استطلاعات رأي جدية، جرت، في الاسابيع القليلة الماضية، تبيّن أن القوى السياسية سوف تخرج مهشّمة تمثيلياً من الانتخابات المقبلة.
وفي حال استمرّت “عاطفة الرأي العام” على هذه الوتيرة، فحينها تتمّ الإطاحة بالانتخابات النيابية.
وأمام خطر هذه الإطاحة، فإنّ على عون ليضمن بقاءه في القصر الجمهوري،وعملاً بفتوى جريصاتي التي تؤكد وجودها مرجعيات سياسية، إمّا أن يقبض على الثلث المعطّل وإمّا أن يُعطّل تشكيل الحكومة.
وينقل أكثر من مصدر عن زعيم سياسي شمالي قوله في مجالس “ليست خاصة جداً” قوله:”موهوم أيّ شخص يمكن أن يظن أن عون سوف يقبل أن يخرج من بعبدا على قدميه”.
على أيّ حال، في لبنان تتعاظم المآسي إذا تقاطعت مع استحقاقات سياسية كبرى، لأنّ الطبقة السياسية اللبنانية أثبتت أنّها لا تتردد في التضحية بالجميع من أجل مصالحها السلطوية.