سنوات من الحكم والإستبداد تعني المزيد من الفساد
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

يتمسكون بالمناصب ويلتصقون بها معتقدين أنهم مخلدون، ويرفضون التنازل عنها بالخديعة تارة وبالقتل تارات أخرى، فكرسي المنصب عند هؤلاء عديل الروح ومهجة القلب فيستمرون في مناصبهم حتى يصابون بالزهايمر ولا يدركون ماذا يفعلون، ليتحول مرض المناصب من مرض إلتصاق إلى مرض نفسي يجعلهم يشعرون بالنقص والحاجة وان المنصب حياتهم وحياة من يُحيطون بهم، وهذا المرض ليس حكراً على السياسيين حيث غزا جميع المناصب دون استثناء من الرياضة للثقافة فالإعلام ثم مجلس النواب والبلديات والنقابات، فيما يتم تدوير البعض من منصب لآخر حتى يظلوا في الصورة المجتمعية دون أن يرجى من وجودهم فائدة وظيفية كون الفشل رفيق دربهم المعبدة بأحلام المبدعين التي يتم دوسها لأجل أبناء الصفوة.

ويستمر البعض في منصبة حتى يمله المنصب ويصبح مادة غير مرغوبة عن متابعي الإعلام، وبالذات في المجال الرياضي والنيابي والقفز السياسي حيث يتحنط الكثيرون لسنوات طول حتى يقودهم مرضهم النفسي للإعتقاد  أنهم قد تحولوا لألهة إغريقية، ويجب أن تنصب لهم التماثيل في كل مكان ويصبحوا محجاً الشعب، فهم يتوهمون ان غيابهم يعني أفول نجم المؤسسات  التي يديرونها بطريق جاهلة منذ سنوات.

ولا يدرك هؤلاء الملتصقون بمناصبهم الجاثمون على رقاب الشعب بأنه وبعد ثمان سنوات يفقد الإنسان القدرة على الإضافة ويبدأ بتكرار نفسه، لذا فإن العديد من الدول التي تفهم معاني الديموقراطية والنهضة والتنمية الدؤوبة حددت مدة حكم الرئيس باربع سنوات وبحد أعلى ثمان سنوات، وفي عالم الرياضية تقام البطولات كل أربع سنوات اعتماداً على الجيل الأولمبي، لكن في عالمنا لا يتغير الحال إلا بقرار إلاهي بقبض روح من يجلس على الكرسي أو إصابته بأمراض تمنعهم من العمل، فيغادرون كأجسام بلا أرواح كونها تبقى تطوف حول المنصب بسبب طول المُكث والعلاقة الحميمة مع الكرسي، لتبقى الهتافات العربية الغبية البعيد عن المنطق ” إلى الأبد إلى الأبد” تعبث بفكرهم وتُناجي أرواحهم حتى أصابونا بالفشل المرحلي والخوف أن يكون “إلى الأبد”، بعد أن تجمدت العقول المتكلسة بسبب قلة الإستخدام لتنتج الفكر  الرافض للنهضة.

الغريب ان هؤلاء اقتربوا من حافة القبر ويعتقدون أنهم شعلة الأمل للوطن، وهو أمر لم يفعلوه وهم في قمة نشاطهم وقدرتهم على استخدام العقل، فالفاشل فاشل ولا يمكن أن يتحول للإبداع خلال يوم وليلة كون مستوى الذكاء منخفض لذا فلن يُصلح المعلم من نقص فكره، وينقل هؤلاءفسادهم واستبدادهم وجهلهم بالوراثة لمن يخلفهم في المناصب سواء حملوا الجينات الوراثية أو الوظيفية، وبالتالي يجب التركيز على المبدعين في مرحلة الثانوية العامة والعمل على تطوير الأفضل منهم، وليس بتحويل الدولة كمدرسة ومراكز للتعليم لمن يحصلون على مقبول حتى تستمر الجينات في المناصب، لذا فإن تداول السلطة يعتبر هو الحل الأمثل للنهضة بالأوطان، والمصيبة ان الحياة الحزبية والتي يجب ان تمثل المحرك الرئيسي للديموقراطية قائمة على الأساس العربي “إلى الأبد إلى الأبد”، فلا يزول الأمين العام إلا إذا انتهى الحزب، عدا ذلك باق على الرقاب وهو ما يحصل في النقابات والأندية والبلديات ومجلس النواب، لذا نجد أننا نعاني من تطبيق مصطلح “مكانك سر” على غالبية مؤسسات الوطن.

والأغرب أنه وحتى يتم إزالة سياسي عربي من منصبه تُراق الدماء في الشوارع وتتحول الدول إلى الحروب المفتوحة، فيما يحتاج إقتلاع مسؤول رياضي من موقعه إلى خروج المئات وربما الآلاف من المتضررين لإقناعه بأنه شخص غير مرغوب فيه، وهذا ما يحصل في شتى المراكز الرياضية والثقافية والحكومية، فالانتقال السلس للسلطات مجرد كلمات يتبجح بها الكثيرون وهم بعيدون عن المناصب، وحين يتولون السلطة يعتبرون ان تبادل السلطة مصطلح غير قانوني غايته هدم الدولة التي يقزمها المسؤول بشخصه فقط، وهنا تصاب الشعوب بالإحباط لتصبح مثل بعض الحكام والمسؤولين يرفضون التغيير، ومن لا يتسطيع التغيير فلا حاجة الأمة إليه.

وللتذكير لا تزال قصة الرئيس العربي في ألمانيا ماثلة للعيان، ” فقد كان يتم معالجة أحد رؤساء الأمة العربية في أحدى مستشفيات ألمانيا، وتسبب هذا الأمر بازدحام في المستشفى بسبب الحراسات وكثرة الزوار، وهذا أمر لم يعجب طبيب ألماني فسأل بكل براءة عما يحدث وعن الحراسات التي تُعيق الحركة، فجاء الرد صاعقاً بأن هناك رئيس يحكم بلاده منذ عشرين عاماً يخضع للعلاج في المستشفى، فقال الطبيب بكل هدوء وثقة فاجأت كل من حوله : “هذا رئيس فاسد لأنه جلس في الحكم طوال هذه المدة ولم يبني مستشفى يثق أن يتعالج بها”، وأدار ظهره وغادر الطابق الذي يتعالج به الرئيس، وهذا ما يحصل في العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية حيث يجلس البعض منذ عشرين عاماً ولم يساهموا في صناعة فكر لتبادل الإدارة ولم ينتجوا فكر نهضوي، فهل يستمر الوضع على ما هو عليه من تراجع أم يتم دراسة هذه المعضلة في الثقافة والرياضة والنيابية كخطوة أولى ثم الإنتقال لإيجاد حلول في بقية الإتجاهات؟، هو سؤال برسم التنفيذ لكني اعتقد انه الإجابة ستكون:” اسكت يا مواطن”.

 

آخر الكلام

وهنا طلع الصباح وصمت الراشد من جديد وكالعادة وجبراً وكُرهاً عن الكلام غير المُباح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button