محمّد السادس يضع النقاط على الحروف
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

في خطاب الذكرى الثامنة والستين لـ”ثورة الملك والشعب” في المغرب، كان خطاب الملك محمّد السادس مناسبة لوضع النقاط على الحروف “في مواجهة الهجمات المدروسة التي تعرّض لها المغرب في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا”.

كان لا بدّ لمحمّد السادس في الخطاب الاستثنائي الذي ألقاه والذي تميّز بالترّفع عن الحملات التي يشنّها النظام الجزائري على المغرب من تذكير من يهمّه الأمر، خصوصاً بين الدول الأوروبيّة، بما هو المغرب. قال في هذا المجال: “المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرناً، فضلاً عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب. والمغرب مستهدف أيضاً، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، بخاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم”.

جاء الخطاب قبل أيّام  من الانتخابات النيابيّة المقبلة التي “تتزامن مع مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات، في إطار تنزيل النموذج التنموي، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية”. بالنسبة الى العاهل المغربي، “إنّ الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات صدقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن، لأننا نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة مكوناتها الوطنية وتلاحمها”.

كان الخطاب صريحاً الى أبعد حدود مع المواطنين في المغرب الذين عليهم معرفة أنّ بلدهم “يتعرض على غرار بعض دول اتحاد المغرب العربي لعملية عدوانية مقصودة”. هذا يعني بكل بساطة أنّ الحملة على المغرب جزء من حملة على دول المنطقة كلّها. لذلك أوضح محمّد السادس أنّ “أعداء الوحدة الترابية للمملكة، ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حراً، قوياً ومؤثراً”.

تطرّق العاهل المغربي الى بعض الأوروبيين الذين شاركوا في الحملة على المغرب، مشيراً الى “عدد قليل من الدول، بخاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية وعلى أسواقها ومراكز نفوذها في المنطقة المغاربية. كما أن بعض قياداتها، لم يستوعب أن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي ولا تستطيع مسايرة التطورات”.

ليس سرّاً أن المغرب تعرض أخيراً لمختلف أنواع الحملات التي شملت التشكيك بأجهزته الأمنيّة من أجل إضعافه. لذلك، كان على محمّد السادس التطرّق الى أن الشهور الأخيرة “كشفت أن هذه الدول (الأوروبيّة) تعرف ضعفاً كبيراً، في احترام مؤسسات الدولة، ومهماتها التقليدية الأساسية. لذلك يريدون أن نصبح مثلهم، من خلال خلق مبررات لا أساس لها من الصحة، واتهام مؤسساتنا الوطنية بعدم احترام الحقوق والحريات لتشويه سمعتها ومحاولة المس بما تتميز به من هيبة ووقار. إنهم لا يريدون أن يفهموا، أن قواعد التعامل تغيرت، وأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبنا. لذا، تم تجنيد كل الوسائل الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، وتوزيع الأدوار، واستعمال وسائل تأثير ضخمة، لتوريط المغرب، في مشاكل وخلافات مع بعض الدول.

بل هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب، في (إقامة) توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالاً بين البلدان المغاربية”. كان ذلك تلميحاً مغربيّاً واضحاً الى مؤسسات أبحاث ألمانية، شبه رسميّة، تشكو من أن التطور في المغرب يتجاوز على كلّ صعيد تطور دول أخرى في المنطقة مثل الجزائر وتونس. ما ذنب المغرب إذا كان اختار طريق التنمية المستدامة وإحداث اختراقات مهمّة في أفريقيا ذات المستقبل الواعد. ما ذنب المغرب اذا كان محمّد السادس يمتلك رؤية واضحة ويعرف تماماً ما يدور في العالم وأين تكمن المصالح المشتركة بينه وبين جيرانه الأفارقة القريبين منه جغرافياً او البعيدين من المغرب؟

كذلك، ما ذنب المغرب، كي يتعرّض لحملة واسعة، لتشويه صورة مؤسساته الأمنية، ومحاولة التأثير في قوتها وفعاليتها في الحفاظ على أمن المغرب واستقراره “إضافة إلى الدعم والتنسيق الذي تقوم به في محيطنا الإقليمي والدولي، باعتراف عدد من الدول نفسها”.

بمنتهى الصراحة، تطرّق ملك المغرب الى العلاقة بإسبانيا. وقال: “صحيح أن هذه العلاقات مرت، في الفترة الأخيرة، بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي، الثقة المتبادلة، وطرحت تساؤلات كثيرة تتعلّق بمصيرها. غير أننا اشتغلنا مع الطرف الإسباني، بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية. فإضافة إلى الثوابت التقليدية، التي ترتكز اليها (العلاقات الثنائيّة)، نحرص اليوم على تعزيزها بالفهم المشترك لمصالح البلدين الجارين. وقد تابعت شخصياً، وبشكل مباشر، سير الحوار، وتطور المفاوضات. ولم يكن هدفنا هو الخروج من هذه الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات”.

 

تطرّق العاهل المغربي الى عودة العلاقات الى طبيعتها مع إسبانيا والى تجاوز الأزمة المفتعلة مع فرنسا، خصوصاً في ضوء العلاقة التي تربط بينه وبين الرئيس إيمانويل ماكرون.

في النهاية، إن المملكة المغربيّة بلد طبيعي ومتصالح مع نفسه. يكمن سرّ قوّة المملكة واستقرارها وقدرتها على مواجهة التحدّيات، بما في ذلك التحدّيات المستقبلية، في وجود ذلك التلاحم بين المؤسسة الملكيّة والشعب، إضافة الى قوّة مؤسسات الدولة.

هذا لا يعنى أن الحملات على المغرب ستتوقف. ستزداد هذه الحملات لأربعة أسباب على الأقل. السبب الأوّل هو الاستقرار الداخلي والثاني تمكّن المغرب من الحصول على اعتراف أميركي بمغربيّة أقاليمه الصحراوية والثالث الاختراقات التي حقّقها في أفريقيا. يضاف الى ذلك كلّه أنّ المغرب استطاع إقامة علاقات متوازنة في المنطقة وخارجها. أمّا السبب الرابع، فيعود الى أن المغرب بات يستطيع التعاطي مع الدول الأوروبيّة تعاطي الندّ للندّ.

نعم، يمكن الكلام عن استثناء مغربي من جهة وعن وجود ملك على علاقة وثيقة مع المواطن المغربي من جهة اخرى. تظلّ هموم المواطن هموم محمّد السادس، الملك الإنسان أوّلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button