مشاهد أفغانستان أعجزت خيالي
بقلم: هيثم الزبيدي

النشرة الدولية –

الأسبوع الماضي أدركت أنّ خيالي محدود. كنا ننتظر مشهد الهليكوبتر الأميركية الشهير وهي تحط على سطح السفارة الأميركية في سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية، وهو يتكرر في كابول. كانت المروحيات الأميركية تخلي أميركيين وفيتناميين متعاونين وناسا عاديين يهربون من الحكم الشيوعي القادم مع قوات الفيتكونغ. مشهد درامي مؤثر، انضاف إليه مشهد إلقاء المروحيات في البحر لأنها كانت تحط على سطح حاملة طائرات لم يعد فيها مكان للمزيد. مشهد الطيار الفيتنامي الذي قفز من مروحيته إلى البحر وتركها تهوي بعد أن عجز عن العثور على مكان للهبوط فيه في كل الأسطول الأميركي القريب، كان أشبه بلقطة من فيلم هوليوودي.

كل هذه الدراما شحذت خيالي. شاهدنا المروحيات وهي تهبط فعلا في حرم السفارة الأميركية وبدأ الإخلاء. لا نعرف بالضبط أين أخذت الطاقم في السفارة، البعض بالتأكيد لمطار كابول، والبعض الآخر ربما عبروا إلى دول مجاورة “حليفة”. منظر ممل ولا يوجد فيه أية دراما مثل تلك التي شاهدناها في أفلام حرب فيتنام الوثائقية. لكن القادم كان أعظم.

انتقلت الكاميرات إلى مطار كابول “عاصمة” بقايا الاحتلال الغربي لأفغانستان. شاهدنا دراما أين منها مشاهد فيتنام. ألوف مؤلفة من الأفغان ممن اختاروا الهروب من الحكم السلفي القادم مع طالبان. بعضهم شهد حكمها في التسعينات وقسوتها المفرطة وتطبيقها الحرفي للشريعة. الأغلبية كانوا من الشبان الذين سمعوا القصص، الحقيقية منها والمفترضة، عن حكم طالبان. أعمارهم أصغر من أن يكونوا قد عاشوا تجربة طالبان المفزعة.

من أين أتي بخيال يتصور أن مئات الأفغان يركضون بمحاذاة طائرة عسكرية أميركية ويتعلقون بها مثلما يفعل الركاب في دول العالم الثالث مع الحافلات. من أين أتي بخيال يتصور أفغانا يجلسون أعلى سطح طائرة وأجنحتها في مشهد كأنه لقطار في الهند أو مصر. كنت أنتظر مشهدا يشبه رمي الطيار نفسه من الهليكوبتر في فيتنام. أما أن تتساقط أشلاء بشرية من طائرة عسكرية أميركية وهي تقلع من مطار كابول، فهذا يتجاوز حتى الكوابيس.

لسياسي مثل الرئيس الأميركي جو بايدن، هذا تكرار ملون ومكثف ومأساوي لما حدث في فيتنام. هؤلاء السياسيون تحكمهم الذاكرة وعقدها. عقدة فيتنام والآن عقدة أفغانستان. لكنه من جيل منقرض من السياسيين. بالنهاية هو أكبر رؤساء الولايات المتحدة عمرا حين وصل إلى البيت الأبيض. الجيل الجديد من السياسيين الغربيين بلا ذاكرة تقريبا، مثلهم مثلنا ومثل جيل الشباب الذي تشبع بالصورة والفيديو. التفاعل آني، ثم يطوي النسيان المشهدية. من عاد يتذكر مشاهد سقوط بغداد عام 2003، أو حتى مشاهد دخول القوات الأميركية لكابول عام 2001؟ من عاد يتذكر ما قاله توني بلير عن الحربين العراقية والأفغانية، أو ما قاله دونالد ترامب عن.. والله نسيت عن ماذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى