آه منه…. هو آتٍ لا محالة!
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

ذاكرتي لا تعود بي طويلاً إلى الخلف، فهناك فترات مسحها الزمن بممسحة لا يستطيع أعظم علماء النفس استعادتها، حتى لو كان سليمان الحكيم، دع عنك صاحبنا «سليمان الآخر»، غير الحكيم.

ولكن باستعراض ما علق بالذاكرة، فيمكنني تصور أن عمري بمجمله كان، حتى الآن، كرحلة في يخت فخم مرّة، وفي جالبوت مثقوب الأطراف مرات! وكتناول كافيار في مقام، وأكل خبزة يابسة في مقامات أخرى. وكمثل النوم على فراش وثير في فندق فخم، أو على رمال الشاطئ في ليلة صيف رطبة!

كبرنا وشخنا وكبر وشاخ معنا كل شيء حولنا من بشر وحجر وصنم وغنم وشجر. كما كبرت معنا فتاة الحي الجميلة، التي كنا نصفها أيامها بـ«البارع»!

كبرنا وكبر معنا كل شيء، وزادت تجاربنا وتراكمت خبراتنا، وبقيت عواطفنا عواطف مراهقين صغار، نبحث عن اللذة والحب أينما كان.

زادت معارفنا من التهام آلاف الكتب وهضم ملايين الأخبار، ومعرفة مئات القواعد والنصائح، ولكن عقولنا بدأت تعجز عن الاستعانة بما نعرف.

كبرنا، ولم نعد نقوى على البحث عن أصدقاء جدد أو حتى على أشخاص يحبوننا ونحبهم، بعد أن اكتفينا بما لدينا وحولنا.

كبرنا وأصبحنا لا نكترث بحلاقة الذقن يومياً، كما اعتدنا لستة أو سبعة عقود، وأصبحنا نرتدي ما تطوله أيدينا في الصباح من ملابس دون اكتراث كبير بتناسق ألوان القميص مع البنطلون، والجوارب مع الأحذية. أما ما تبقى من شعيرات على الرأس فقد نسيت اسم وشكل المشط، وفائدته.

كبرنا وأصبحنا لا نكترث بتعليقات الغير ونظراتهم، فما أن تداهمنا الرغبة في إطلاق ريح أو التخلص من سائل فإننا نجد دائماً طريقة لذلك.

كبرنا وأصبحنا لا نكترث لغباء الآخرين، وتوقفنا عن بذل أي جهد للفت نظر البعض لتصرف خاطئ أو قول سقيم، بل نكتفي غالباً بالنظر لهم، والتزام الصمت، وكأننا نقول «عساكم بهذه الحالة… وأردى»!

نعرف أن الذي «ما يتسماش» قادم لا محالة، ولكننا نتجاهله، فليس أمامنا إلا الاستمرار في اللهث وراء متاع الدينا ومتعها، وبغير ذلك يعني الاستسلام لليأس، ليتملكنا الخوف من الموت، وتبديد ما تبقى لنا من وقت على هذا الكوكب بقلق مستمر.

تقول الزميلة سعاد المعجل:

جميعنا نخاف من الموت وإن بدرجات متباينة.

المؤمن يخاف والملحد يخاف، وخوف المتعلم لا يختلف عن خوف الجاهل، ولكن مع إدراك الإنسان بحتمية الموت أصبح «البعض» يرفض ويسعى، عبر الحضارات البشرية، إلى محاولة المزاوجة بين حتمية الفناء، واحتمالية الاستمرار في عالم آخر، بجسد مختلف! ومن هنا جاءت فكرة التناسخ والخلود، وأن الروح تُبعَث من جديد وأنها لا تفنى بموت الجسد بيولوجياً.

كبرنا بصخب كبير حينا، وبهدوء عجيب غالباً، ولا مناص من الاعتراف وإقناع النفس بأن الموت قادم، ولكن في جانب آخر فإن أفضل طريقة لتأجيل قدومه هو نسيانه وكأننا نعيش أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى