الانقلاب على الطائف.. من خارج النصوص
النشرة الدولية –
لبنان 24 – هتاف دهام –
بالأقوال، تبدي القوى السياسية التزامها اتفاق الطائف نصا وروحا، وتتبارى بين بعضها البعض في الدفاع عنه وأهمية تطبيقه بعيداً عن الانتقائية والاستنسابية، لكن الخطاب السياسي لبعض المكوّنات الأساسية، يحمل في طياته نيات حقيقية في الذهاب نحو تكريس تعديلات جوهرية على الاتفاق، من خلال ابتداع اجتهادات جديدة واحتمال النجاح في تمريرها تمهيدا لتكيف الآخرين معها وضرب الشراكة في السلطة عبر المس بصلاحيات رئيس الحكومة.
فرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لا يكف عن القول إن هناك أزمة حكم ونظام يجب العمل على معالجتها بأسرع وقت ممكن ويطالب بعقد حوار وطني، ينتج عنه تصور مشترك لنظام سياسي جديد يضمن الاستقرار بالبلد .
ثمة من يقول إن الأوان قد آن لإعادة النظر بالنظام السياسي للبلد، وإن الطائف لا يمكن أن يبقى الناظم للعلاقات اللبنانية والحياة الدستورية والسياسية، ولا بد من اقتناص الفرص من أجل الانكباب على العمل من أجل تغيير الصيغة السياسية وفق أسس ومعطيات جديدة، بيد أن الأكيد للمعنيين أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أسوة بسواه يدرك جيداً أن الطريق سيبقى مقفلا أمام أي محاولة لطرح تعديل الطائف بالنصوص من دون رعاية دولية او حصول تطورات في المنطقة قد تنعكس على لبنان ولذلك، بالنسبة إليه لا مفر من العمل بطريقة مبطنة لاتمام العملية بالممارسة.
لا شك أن المشهد اليوم يتركز على تأليف حكومة في أسرع وقت ممكن، وبالتالي فكفكة العقد الوزارية والاسمية التي حولت مشاورات بعبدا إلى أشبه باللقاءات البروتوكولية الشكلية خصوصا وأن محصلة اتصالات هذا الأسبوع عكست اقتناعا عند المعنيين أن الأمور في خواتيمها التعيسة وأن لا حكومة في المدى المنظور في حال استمرت عقدة الوزراء المسيحيين الثلاثة خارج إطار الحل.
لم يعد سراً القول إن الازمة المستعصية لا تكمن في طرح الرئيس المكلف اسماء وزراء مسيحيين أو غير مسيحيين ، إنما في ما بات يعرف بالثلث الضامن أو المعطل، فرئيس الجمهورية لن يتراجع عن موقفه مهما اشتدت الضغوطات الخارجية عليه، ومهما حاول حليفه حزب الله اقناعه بالتنازل عن هذا “الشرط المبطن”. فهو باق على موقفه حتى لو لم تتشكل الحكومة العتيدة أو أي حكومة أخرى في ما تبقى من عهده.
منذ كانون الثاني الماضي، والمقربون من بعبدا يحاولون بين الفينة والأخرى وعند كل محطة سياسية كانت أو أمنية الإشارة إلى أن الرئيس عون لن يسلم السلطة لرئيس الحكومة إذا لم تجر الانتخابات الرئاسية، وهذا يعني، وفق المتابعين، أن العهد يتعمد عن سابق إصرار وتصميم أخذ البلد نحو المجهول إذا لم تسلم القوى الأساسية بشروطه لتأليف الحكومة، مع الإشارة إلى أن موقف الرئيس عون من الطائف يتضارب كليا مع موقف حزب الله كما تقول مصادر الأخير.
وفي وقت يتصلب الرئيس عون في مواقفه المتصلة بالتأليف وبعمل الحكومة ودورها في محاولة إلى إلغاء الآخر، كما يقول مصدر سياسي بارز، وهذا من شأنه أن يفاقم من التوتر السني – المسيحي، لا سيما أن ما يحضر للمرحلة المقبلة لا يبشر بالخير ويمثل قفزا فوق الدستور ، في ظل تلميحات المعنيين إلى أن عدم إجراء الانتخابات النيابية يمكن أن يكون مقدمة لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية وبقاء الرئيس في القصر الجمهوري،
في هذا الجو يتوقف المراقبون عند إصدار المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، على اعتبار أنها تشكل إساءة إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة، والتي توقف عندها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله واعتبرها استضعافا للرئيس دياب، ليخلص هؤلاء الى القول أن هناك من يريد افتعال توترات أو معارك سياسية لغايات مشبوهة قد تترك تبعات وتداعيات لن ينجو منها أحد.
لأول مرة تتظهر علنا هواجس أحزاب الطوائف من بعضها البعض. فبين من يتمسك بالطائف ومن يسعى للانقلاب عليه، يبقى القلق من خطر الفوضى في حال استمر العمل على شل المؤسسات والإدارات والمقار الرسمية، لكن الثابت للمعنيين أن أي اتفاق جديد بين اللبنانيين لن يبصر النور إلا إذا تقاطعت الظروف الداخلية والخارجية، كما حصل قبيل توقيع اتفاق الطائف.