قراءات تحتفي بالأوطان ومنابر القصيدة في بيت الشعر بالشارقة
النشرة الدولية –
تواصلاً مع أمسياته في منتدى الثلاثاء، ووفقاً للإجراءات الاحترازية، استضاف بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة مساء، الثلاثاء، ثلاثة شعراء في أمسية شارك فيها كل من الدكتور مجدي الحاج وساجدة الموسوي ومحمد نجيب قدورة، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت وعدد من محبي الشعر والثقافة، وقدمها الأستاذ نصر بدوان، الذي تحدث عن الدور المهم لإمارة الشارقة في إبقاء جذوة الشعر وحضوره.
افتتح القراءات الشاعر الدكتور مجدي الحاج الذي اختار أن يطوف بقصائده بين تساؤلات الوجود والهم الإنساني والحياة والرحيل، بأسلوبٍ استند إلى التراث، واستلهم من الحاضر أحداثه ليوظفها في نصه، ومن قصيدة “عتقاً يغنّي بلال” قرأ:
تَضَمَّخْتَ مِسْكاً وَرَمْضَاءُ عِشْقِكَ
قَدْ عَانَقَتْكَ بِحُزْنِ الْجَفَافِ
فَلَمْ تَتَحَوَّلْ عَنِ الْحُبِّ فِيهَا
وَلَمْ تَتَلَمَّسْ طَرِيقَ النَّدَى…
وَمَا نَقَمُوا مِنْكَ غَيْرَ انْحِيَازِكَ لِلضُّوءِ
لَمْ يَتْرُكُوكَ وَشَأْنَكَ زَادُوكَ شَدًّا فَلَمْ تَتَبَرَّمْ بِشَدِّ الرَّدَى…
ثم ذهب إلى ما بعد الحياة، ليصور مشهد الغياب والفقد وما يعقبه من تساؤلات تلحُّ على الشاعر والمثقف والمبدع ربما أكثر من غيره، أسئلة تدور حول ماذا ومن، وكيف سيكون مآل العطاء الذي كرسه الإنسان واشتغل عليه، ومن قصيدة “قليلون جدّاً”:
قَلِيلُونَ جِدًّا إِذَا غِبْتَ عَنْ وَجْهِ هَذَا الْوُجُودِ سَيَفْتَقِدُونَكْ..
وَلَنْ يَقْتَفِي الدَّرْبَ بَعْدَكَ قَوْمٌ
سَيَبْقُونَ بَعْدَ رَحِيلِكَ دُونَكْ..
فَهَيِّىءْ لِرِحْلَةِ عُمْرِكَ زَادًا فَلَنْ يَغْلِبَ الْحَقُّ يَوْمًا ظُنُونَكْ..
وَكُنْ شَاعِرًا فِي فَمِ الْكِبْرِيَاءِ وَرَاهِنْ بِحُبِّكَ
لَا تَتَأَخَرْ
فَإِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ لَنْ يَخُونَكْ..
وعن معاناة الإنسان، جسد مجدي الحاج “حكاية لاجئ” وهو يستهلها بمقولة لنيلسون مانديلا الذي أضاء على عالم الفقراء وما يقابله من عالم الأغنياء، ومما قرأه مجدي الحاج:
مَعِي لاجِئٌ
بَلْ مَعِي لاجِئَانِ
وَلَمْ أَسْتَطِعْ عَدَّ تِلْكَ الْبَقِيَّة فِي كُلِّ شِبْرٍ
مَعِي يَطْلُعُونَ كَحُزْنٍ نَفِيسٍ وَبُؤْسٍ نَبِيلِ…
مَعِي وَجْهُهُمْ، كَانَ يَحْمِلُ بَعْضَ مَلامِحِ عِشْقِي
سَأَلْتُ بِحُزْنٍ: “لِمَنْ سَوْفَ نَتْرُكُ هَذِي الْبَيَادِرَ؟!”
هُمْ قَدْ أَجَابُوا: “إِلَى جِهَةٍ حَيْثُ نَمْشِي كِرَامًا”
فَسِرْتُ حَثِيثًا إِلَى جِهَةٍ حَيْثُ أَمْشِي كَرِيمًا
تَقَاسَمْتُ حُزْنِي مَعَ السَّائِرِينَ
الشاعرة ساجدة الموسوي تلمست في شعرها قضايا الوطن وما أحاط به من انكسار ووجع، العراق الذي لا يغيب عن شعرها مثلما هو ساكنٌ فيها، تلمست ثقافته وأهميتها عبر ما آل إليه “شارع المتنبي” الذي يحتفي بالوراقين والكتب، ومن قصيدة “المتنبي الحزين” قرأت:
وفي سالف العصرِ عصر الجنون
أنَّ سوقاً ببغدادَ قيل احترق
بضاعتهُ ليس ماساً ولا ذهباً
هي أغلى وإن صُنعت من ورق
تفجّر في لحظةٍ فاستحال َالصباحُ ظلاماً
وصدرُ الأمان اختنق
دخانٌ ونارٌ، وللموتِ أذرعه الخاطفات
أعاصيرُ نارٍ تذيب الحديد
وتحصدُ في جريها كلَّ شيءٍ
ولم تُبقِ حتى الرَّمق
فما ظلَّ في السّوق غيرُالرّماد
ومن وفائها للمكان والوطن الذي تعيشه وتجد فيه ما عوضها عن رحلة طويلة من النأي عن الوطن الأم ومسقط الرأس، حيث النخل والبحر والناس والبيئة والموجودات كلها تغني للإنسان وقيمته على هذا الوجود، وله تقول من قصيدة “رسالة إلى أبي”:
لا تقلقْ يا أبتِ
فأنا في أسعدِ حالاتي
في وطنٍ أجملُ ما فيه مروءته ..
وعيون الناسِ تذوب حياءً من فرط تأدّبهِم
يبنونَ بصمتِ ملائكةٍ للحاضرِ والآتي
لو أحلمُ لن ألقى أبداً في حلمي أجملَ منهُ
ففيه براءات الدنيا وجمالٌ عطّل كلَّ مرايا الدنيا
ليقول هنا مرآتي
لتختتم بنص “طفلةٌ ودمعة” لا تجد إلا كف الأم الحاني الذي يمسح عنها الوجع والهم الإنساني من جائحة ما زالت البشرية تئنُّ من وجودها الطويل، وقرأت:
ـ ما هذي الدمعةُ يا أمّي ؟
*هي قطرةُ ماءٍ من قلبي
يا قرّة عيني وسنيني
ـ هل يبكي قلبك يا أمّي ؟
*ولماذا لا يبكي والدنيا أجمعُها تبكي ؟
ونذير الأخبار يهزُّ عواصم
حين يموت الناسُ بداءٍ ملتبسٍ مجنونٍ
وتصير بيوت الناس سجوناً..
اختتم القراءات الشاعر محمد نجيب قدورة الذي تطرق إلى دور الشارقة وما تقدمه للثقافة عبر الدعم الكبير الذي تحظى به من صاحب السموّ حاكم الشارقة، ومن قصيدة “مولع بالشعر”:
إِيْ وربي مولعاً بالشعر أمضي
حيث أمسى اليوم للأشعار بيت
ها هي الأطيار تشدو نغماتي
شدو شلّال أنا منه ارتويت
سيعود المتنبي ونزار
وابن زيدون قوافيهم عنيت
كيف لا والشيخ سلطان طراهم
مثلما في مجلس الشعر طريت
مجلس يسرح يجتاب بلادي
فتراه في مراياه الكويت
وعلى الطريق نفسه واصل رحلته مع بوحه، وتحدث عن بيت الشعر الذي أصبح مهوى الأفئدة ومنبراً تغرد فيه حناجر الشعراء، عبر نص يستنهض فيه همم الكتاب ليواصلوا طريق الإبداع، ومن قصيدة “إلى معشر الكتاب”:
أجل يا رفاق الدرب في بيت شعرنا
أقول لكم في الجلسة الشاعريةِ
تسائلني الجدران وهي عليلة
متى لا نرى في الورد شوك البليّةِ
متى ومتى كم من سؤال بخاطري
وكم من جواب في ضمير البقيةِ
وكم من تغاريد استظلت بروضة
أثارت بنا أنشودة الحيويّةِ
أجل دار سلطان الثقافة دارنا
وسلطان فيها مبدع الألمعية
في ختام الأمسية كرم محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.