حرب “الثّنائي الشّيعي”ضدّ “المجتمع المدني”: الخلفيّة والأهداف
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
انضمّ رئيس مجلس النواب، رئيس “حركة أمل” نبيه برّي إلى الحرب التي بدأها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، على مؤسسات المجتمع المدني في لبنان، متوسّلاً في ذلك الأدبيات نفسها، لجهة ربط هذه المؤسسات “المغضوب عليها” بمخطط خارجي، “وأنتم تعلمون حق العلم من وراءها ومن يدرّبها ومن يموّلها”، كما قال.
وعلى الرغم من أنّ صوت “الثنائي الشيعي” مرتفع جدّاً، في هذه الحرب، إلّا أنّ المعطيات الموضوعية تثبت أنّ له حلفاء كثراً، في الطبقة السياسية اللبنانية، لكنّ وضعيتهم المحلية وعلاقاتهم الدولية، تمنعهم من التعبير، بوضوح، عن “مكنونات صدورهم”.
وثمّة من يعتقد أنّ هذه الحرب سترتفع وتيرتها، كلّما اقترب استحقاق الانتخابات النيابية المفترض، إذا فشلت سيناريوهات الإلغاء أو الإرجاء، في ربيع العام المقبل.
وتشير المعلومات إلى أنّ مرجعيات لبنانية عدّة، تلقت في الآونة الأخيرة، خلاصات دراسات حول اتجاهات الرأي العام في لبنان، بيّنت أنّ الانتخابات النيابية، إذا جرت وفق المعطيات المتوافرة حالياً، فسوف تنتهي الى هزيمة أحزاب وتيارات سياسية تتمتّع بقوة كبيرة، في المجلس النيابي الحالي، وذلك إمّا لمصلحة تحالف قوى المجتمع المدني، وإمّا نتيجة “ضرباته”.
ومنذ “ثورة 17 أكتوبر 2019″، لمع نجم مؤسسات المجتمع المدني في الفضاء السياسي اللبناني، ونظر كثيرون إليها، على أساس أنّها تشكّل بديلاً “محتملاً” للطبقة السياسية اللبنانية التي فقدت ثقة شرائح واسعة في المجتمع اللبناني.
وتعاطت أكثر من عاصمة أوروبية وغربية وعربية مع مؤسسات المجتمع المدني، على هذا الأساس، فبدأ موفدوها الى بيروت يخصصون جزءاً مهماً من برنامج زياراتهم، للاجتماع بممثلين عن هذه المؤسسات، والاستماع الى آرائهم وأفكارهم ومشاريعهم.
وذهب بعض الموفدين الى أبعد من ذلك، إذ إنّهم أعلنوا، بالفم الملآن، كما هي عليه حال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، في أيار (مايو) 2021، أنّ لقاءاته مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين، ليست سوى “اضطرار بروتوكولي”، فيما هدفه هو الاجتماع بمؤسسات المجتمع المدني.
وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متّهم بأنّه مسؤول عن “تعويم” الطبقة السياسية اللبنانية، بفعل النهج الذي اتّبعه لإطلاق مبادرته الشهيرة والمحاولات الفاشلة لإنجاحها، ومن ثم التنازلات التي قدّمها لـ”حفظ ماء الوجه”، إلّا أنّه أبدى حرصاً، في المؤتمرات الثلاثة التي عقدها لدعم الشعب اللبناني، بالاشتراك مع الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، على إشراك ممثلين عن المجتمع المدني، وسط تغييب مدوٍّ لممثلين عن الحكومة والوزارات والإدارات الرسمية، ولو أنّه سجّل حضوراً “بروتوكولياً بحتاً” لرئيس الجمهورية ميشال عون، على قاعدة “حفظ سيادة الدولة”.
وفي هذا التوجّه لا يختلف ماكرون وإدارته عن التوجه الرسمي الأميركي، سواء في عهد دونالد ترامب أو في عهد جو بايدن.
ويعرف المسؤولون اللبنانيون المنبثقون من الطبقة السياسية، أنّ المجتمع الدولي، وبعدما أصابته الصدمة منهم ومن أدائهم ومن أفعالهم، يتطلّع الى إيجاد بديل منهم، يظن أنّه قد يكون متوافراً في المجتمع المدني اللبناني، إذا ما نجح في توحيد قواه.
وترفض عواصم عربية وأوروبية ودولية، ومن بينها الدول التي تلتئم لمساعدة الشعب اللبناني، أن تضع هباتها في يد الحكومة اللبنانية ومؤسساتها، بل هي تعتمد، في خططها، اعتماداً كبيراً، على مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي يثير سخط “المجتمع السياسي”، ويعتبره دعماً مباشراً لـ”البدائل”.
وقد أعطى هذا النهج الدولي الذي بنى نفسه على حالة شعبية معادية للطبقة السياسية، زخماً لمؤسسات المجتمع المدني، ومنحها صدقية طالما افتقدتها في التجارب السابقة.
وبدأت هذا الصدقية تعكس نفسها في الدراسات التي تجري حول اتجاهات الرأي العام اللبناني التي، وإن كانت لا تنبئ بانتصار أكيد لممثلي المجتمع المدني على امتداد البلاد، إلّا أنّها، بالتأكيد، تلحق خسائر كبيرة بشرعية قوى وتيارات سياسية مهمة.
وتراقب الطبقة السياسية اللبنانية، بقلق، الجهود التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني، لتوحيد قواها.
وهي تعتقد أنّه إذا استمرّ الزخم الحالي، فإنّ المستقبل القريب سيكون مليئاً بالمفاجآت غير السارة.
وعليه، فإنّ الحرب التي أعلنها “الثنائي الشيعي”، على إيقاع “صلوات” قوى سياسية كثيرة، هي حرب وقائية، تستهدف احتواء الفئات اللبنانية عموماً، والبيئة الشعبية الشيعية خصوصاً، حيث تُسجّل “حالات التمرّد” نمواً مطّرداً.
وفي اعتقاد “الثنائي الشيعي” أنّ أسهل الأساليب لقطع الطريق أمام دينامية المجتمع المدني، يكون بربطه بالدول الخارجية وبسفاراتها العاملة في لبنان، وإلقاء لبوس المؤامرة عليه.
ومن الملاحظ أن أدبيات هذا الثنائي المستعملة ضد المجتمع المدني هي نفسها التي يستعملها عموم اللبنانيين ضدّه، فعلى سبيل المثال، فإنّ الجميع، تتقدمهم البيئة الشعبية الشيعية، يملكون ما يكفي من أدلّة موثّقة بـ”اعترافات” المعنيين على أنّ ما ينسبه برّي عن “تدريب وتمويل” المجتمع المدني ليس سوى جزئية بسيطة جداً، من مروحة واسعة وخطرة تنطبق على “حزب الله” في علاقته الوجودية والتبعية بالجمهورية الإسلامية في إيران.
ومهما تضمّنت أدبيات “الثنائي الشيعي” في حربه المعلنة على مؤسسات المجتمع المدني، فإنّ اللبنانيين قبل مراكز القرار العربية والدولية، “يعرفون حقّ المعرفة” أنّ الطبقة السياسية عموماً و”الثنائي الشيعي” خصوصاً، لا تقتات وتشرب، على حساب “المشاريع الخارجية” فحسب، بل تتوسّل، أيضاً، خزينة الدولة “حتى آخر قرش فيها”، في نهج زبائني يبدأ بالتوظيف ويمر بالمدرسة والمستشفى والدواء والوقود والآبار الارتوازية، ويصل الى الحصص “المنهوبة”، بسلوك “الخوّة”، في الشركات الخاصة.
وإذا كان “الطاهرون” المؤيّدون لـ”الثنائي الشيعي” يلقون الحرم على كل “تواصل مع الخارج” باستثناء “محور الممانعة”، فإنّ أحداً في لبنان لن يُفتي بحلال النهج الزبائني القائم على امتصاص عافيته المالية والاقتصادية والمعيشية، وهو نهج يتورّط فيه الثنائي الشيعي وغالبية مكوّنات الطبقة السياسية، فيما المجتمع المدني بريء منه بالتأكيد.