بعد الإنسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان… هل تفتح تركيا أبواب مطار كابول أمام الجهاديين كما فعلت بسوريا؟
بقلم: د. دانيلا القرعان

النشرة الدولية –

عشرون عاما من العمليات العسكرية خاضتها أمريكا في أفغانستان، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في تشكيل حكومة مؤقتة واحدة في الأراضي الأفغانية، وبعد هذا الفشل قررت القوات الأمريكية بقرار من الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب الكامل من أفغانستان، لكن الانسحاب الأمريكي ليس هو انسحاب لنهاية الدور العسكري فحسب وإنما هو نهاية لمهمات عسكرية كبيرة امتدت لعشرون عاما. وفي عام 2001 في الحادي عشر من أيلول كان بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان وكان الهدف منه آنذاك بذريعة القضاء على الجماعات المسلحة الإرهابية التي نفذت هجمات سبتمبر، وخلال عشرين عاما من العمليات العسكرية في أفغانستان قتل الكثير من الجنود الأمريكيين وجرح الكثير، لكن لم تكن المهمة سهلة والدليل فشل القوات الامريكية في القضاء على طالبان وتشكيل حكومات مؤقتة والانسحاب بالكامل من الأراضي الأفغانية. العشرين عاما التي أمضتها الولايات المتحدة في السيطرة على أفغانستان والقضاء على طالبان تعطينا دروسا كثيرة تتطلب آلية التطبيق الصحيح لهذه الدروس والاختيار الصحيح لأماكن تطبيقها لأي دولة أخرى غير أمريكيا لها الهدف ذاته للدخول الى الأراضي الأفغانية.

” انسحاب أمريكا يقوض مصداقيتها مع شراكاتها وتحديدا شراكاتها بالشرق الأوسط” نعم الانسحاب العسكري والدبلوماسي الذي اتخذته أمريكا في هذا الوقت تحديدا يقوض مصداقيتها مع دول الحلفاء معها وشركاؤها وشراكاتها سواء كانت الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والقومية، وأخص بالذكر حلفاؤها وشركاؤها مع دول الشرق الأوسط ودول أسيا القريبة من الحدود الأفغانية. وطبيعة هذا الانسحاب الأمري يركز على جسامة التكاليف التي ترتبت عن إنهاء الالتزامات الجارية مع الكثير من الدول.

“أوقات الأزمة تشكل فرصة لتعزيز المصالح المتبادلة” في ضوء هذا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يجب على الإدارة الأمريكية ” إدارة بايدن” التركيز بشكل مكثف على الخطط المستقبلية والداعمة بشكل أساسي لشركائها في العالم وتحديدا الشرق الأوسط وأخص بالذكر العراق وسوريا، حيث أكدت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفاؤها الشرق الأوسطيين أو الأوربيين على تحقيق مصالح مشتركة تتمثل بالأمن والاستقرار المتمثل بوجود قوات الناتو “مهام التدريب” وبذات الوقت التفكير العميق لكي تدعم حلفاؤها وشركاؤها في سوريا. ولكي تستمر الولايات المتحدة بدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، عليها أن تستثمر الكثير من العلاقات مع شركاؤها الإقليميين من خلال تقسيم وقتها وطاقاتها التي بدأت تستنزف بطرق وأساليب تعكس مدى تحقيق الأهداف الاستراتيجية الراهنة بشكل يجعلها تحقق ما تصبو إليه.

يبدو أن السحر أنقلب على الساحر، أمريكا من أجل أن تسهل نقل مواردها لتلبية جميع احتياجاتها وأولوياتها على كافة الصعد في منطقة الشرق الأوسط كلفها ذلك الانسحاب من أفغانستان تزامنا مع ما تقوم به طالبان بالاستيلاء على السلطة الحاكمة والمتحكمة ومشكلة اللاجئين. لذلك كان لا بد من عدم تجاهل القيود المفروضة على الموارد الى ما لا نهاية حتمية.

” الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ومدى تأثيره على الوجود الأمريكي بالشرق الأوسط تحديدا العراق وسوريا” بعد الهزيمة والفشل الذريع بانسحاب القوة العظمى أمريكا من أفغانستان سوف نتوقع زيادة جديدة وكبيرة في التجنيد بالعمل الجهادي في العالم وتحديدا منطقة الشرق الأوسط، هذه الهزيمة أجبرت القوات الامريكية على الانسحاب بشكل ذليل، وهذا يؤكد نصر طالبان وانتصار القاعدة الجهادية الكبيرة، وسيكون هذا النصر بمثابة مقدمة مهمة لسلسة تجنيدات متتالية للحركات والعمليات الجهادية لأعوام قادمة، وهذا يشكل خطر كبير جدا على الإدارة الامريكية والمصالح والعلاقات والأراضي الامريكية مستقبلا. لذلك يتعين على أمريكا تكثيف التعاون وتمديد المصالح مع حلفاؤها وشركاؤها للحفاظ على المصالح والأراضي الامريكية من خطر التمدد الجهادي. وللأسف ما حدث لأمريكا والإدارة الامريكية من انتصار طالبان وهزيمة وانسحاب القوات الامريكية أصبحت دولة غير موثوق بها من قبل حلفاؤها، بمعنى أن أمريكا دولة أنانية التزاماتها محدودة فقط بفترة المواسم السياسية في العاصمة الامريكية واشنطن، وهذا الانسحاب أظهر لشركائها مدى عدم الوثوق بأمريكا في كل الأوقات ويمكن التخلي عن أي دولة حليفة لها بالعقود القادمة. وهذا يقودنا الى طرح السؤال الآتي: إذا كان بايدن قد انسحب من أفغانستان بالرغم من معرفته المسبقة للعواقب الوخيمة لهذا الانسحاب على مدى مصداقية الولايات المتحدة وتجديد الفكر الإرهابي، ما مدى درجة التزامه بالبقاء “الوجود الأمريكي” في الشرق الأوسط تحديدا العراق وسوريا؟ هذا السؤال يقودنا الى تصاعد الطموحات الإيرانية وتفاقم عدم الاستقرار في تلك المساحات الشرق الأوسطية المتنازع عليها بين أمريكا وإيران، إذ أن انتصار طالبان يزيد من الضغوطات والطموحات الإيرانية بمساعدة حلفاؤها ووكلاؤها بتمديد الضغط والسيطرة في العراق وسوريا واليمن ولبنان. لذلك يجب على أمريكا الإسراع فورا وتعزيز علاقاتها مع حلفاؤها مجددا والتركيز على أولوياتها والتزاماتها في منطقة الشرق الأوسط وإلا ستخسر خسارة ذريعة، وسنقول كعرب عندئذ هذا هو وقت انهيار القوة العظمى أمريكا. لكن هذا كله يعتمد بالدرجة الأولى فيما إذا كانت طالبان ستكون قادرة على الإمساك بزمام السلطة والسعي لتحقيق الامن والاستقرار بأفغانستان أو أنها ستدخل البلاد مجددا في دوامة الحروب الاهلية والتفكك وجعلها مرة أخرى مطمع لأي دولة تريد الدخول اليها أو أنها ستسمح لداعش والقاعدة بالعودة مجددا الى أفغانستان أو ستكفي بنفسها في حكم البلاد، وهذا يقودنا في ظل انسحاب أمريكا من أفغانستان لطرح السؤال الاتي: هل أمريكا ستفكر مجددا بالعودة الى العراق بمساعدة حلفاؤها العرب بعد انسحابها من العراق عام 2011؟ أعتقد بل أجزم بشكل قاطع أن هذا الوقت هو وقت انسحاب أمريكا من دول كثيرة لتعيد حساباتها مرة أخرى بعد فشلها، انسحابها من أفغانستان والعراق مجددا هذا الشهر من خلال سحب بطاريات لصواريخ باتريوت من السعودية، وانسحابها من الكويت والأردن وقطر وهو ما سأطلق عليه هروبا أمريكا جماعيا. وهو سلوك ونهج مكرر سابقا بدأ بالصومال والعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا وغيرها.

منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن لدارته يعد قرار الانسحاب من أخطر القرارات الى الآن؛ لأن بايدن يؤسس لمرحلة جديدة من الهروب والانسحاب من النزاعات الناشئة في الشرق الأوسط التي لعبت أمريكا الدور الأكبر في تنشئتها، وترك الحكومة الأفغانية تواجه مصيرها وحيدة امام طالبان لكنه تعهد بالهروب والانسحاب من الأراضي الأفغانية. لكن هذا يقودنا الى الرجوع الى سنوات مضت في عهد أوباما الرئيس الأمريكي السابق عندما قرر الانسحاب المفاجئ من العراق ليحل محل القوات الامريكية تنظيم داعش الذي عاث فسادا في العراق. إذن استراتيجية أمريكا الان هي الانسحاب من تفكك الشرق الأوسط مهما كانت خسائرها برية بحرية جوية، وهذا يؤكد لنا تفرغ امريكا لقوتين عظيمتين تتمثل في الصين وروسيا وترك الشرق الأوسط لغيرها وعلى حاله، فأصبحت عجوز عاجز لا يستطيع الدفاع عن ارضه.

“هل سيكون هنالك أي وجود تركي في أفغانستان؟” بعد الانسحاب الأمريكي تراقب جميع الدول وخصوصا إيران إذا سيكون هنالك اهداف تركية على الحدود الشرقية لأفغانستان، ويأتي هذا التخوف بعد إعلان تركيا ” أنقرة” كامل مسؤوليتها عن أمن وحماية مطار كابول وإدارة الطيران الدولي، ومسؤوليتها عن تمين المسؤولين في زياراتهم لأفغانستان، ومن المعروف أن هنالك اتفاقا يسمى اتفاق الدوحة بين أمريكا وطالبان الذي يقر بانسحاب جميع القوات الامريكية بما فيها قوات الناتو، ومن المعروف أيضا ان الاتفاق بيت تركيا وامريكا يأتي متعارضا مع اتفاق الدوحة؛ والسبب يعود ان القوات التركية هي أيضا جزء من حلف الناتو، ولهذا السبب أعلنت في وقت مسبق طالبان امنها ستعتبر القوات التركية قوات محتلة داخل الأراضي الأفغانية. تركيا تهدف في وقت انسحاب أمريكا الى توسيع قواعدها في اسيا والقوقاز، وتريد الإدارة التركية جعل تركيا قوة إقليمية وأهدافها دولية.

المخاوف الان بعد إدارة تركيا لمطار كابول ان يكون ذلك بوابة لدخول المتشددين والمجاهدين والجماعات الإرهابية الى الأراضي الافغانية؛ لأن تركيا تحولت في فترة سابقة الى معبر مهم لدخول الإرهابيين الى سوريا والعراق منطقة جنوب غربي اسيا، ودورها في تعزيز داعش ونفوذه، ولكي تعزز تركيا أوضاع المتطرفين دخلت مباشرة في الازمة والقضية الأفغانية لكي تعزز قاعدة لها في افغانستان، ولكي تبعد المتطرفين عن حدودها مع سوريا وتبقى في مأمن دائم، وبذات الوقت داعم للجماعات الإرهابية.

أصبحت أفغانستان بعد انسحاب القوات الامريكية منها حي فارغ وصراع بين دول الجوار ومنها تركيا وروسيا والصين وإيران والهند وعدد من الدول المحاذية لها، وهذا الصراع بين هذه الدول وتركيا يهدد أمنها ومصدر توتر لها بسبب دعم تركيا للجماعات الإرهابية والمتطرفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button