درس الاحتلال والحرية الزائفة
بقلم: فاروق يوسف

النشرة الدولية –

أعادت الولايات المتحدة عقارب الساعة عشرين سنة إلى الوراء. هذا هو المعنى المباشر لما فعلته في أفغانستان.

يُقال إنها أنفقت أكثر من ترليوني دولار على مغامرتها الفاشلة هناك وليس من المستبعد أن يكون الجزء الأعظم من ذلك المبلغ قد خُصص لعمليات إفساد الشعب الافغاني وبث روح الفتنة بين مكوناته.

كابول التي عادت إليها طالبان منتصرة هي غير تلك الـ”كابول” التي طُردت منها عام 2001.

مضت كابول القديمة ولا يمكن استعادتها. كما أن كابول الجديدة لن تكون مدينة قابلة للترويض إلا بصعوبة. لا لأنها تمدنت وهو ما حاوله الأفغان بحسن نية، بل لأنها أُفسدت وهو ما فرضه الأميركان.

لن ننتظر من كابول أن تدجن وحش طالبان ولكن قدرة طالبان على فهم ما طرأ من تحولات على البشر ستكون محدودة وهو ما يمكن أن يسبب صداما قاسيا من جهة تداعياته.

ما يهم الغرب كله وهو الذي ساهم في تلك المغامرة هو كيف ستتعامل حركة طالبان مع الارهاب؟ في أي جهة من جهات سياساتها الخارجية ستضعه؟ هل ستنبذه أم تعود إلى احتضانه؟ أيمكن اعتبارها طرفا متعاونا في الحرب ضد الارهاب؟ لا شيء أكثر. لا شيء أبعد. عقل تبسيطي ومصالح ضيقة هما ما تبقى من المعادلة الافغانية لدى الغرب.

هل يخشى الغرب الشعور بعقدة ذنب؟

يبدو أن سياسته الذرائعية قد بدأت بتحريك ماكنتها الاعلامية الجبارة. لم يفشل المشروع الاميركي لأنه قام على الغزو ومن ثم الاحتلال واحلال قيم مستوردة محل قيم ذات جذور متأصلة بل لأن الشعب لم يكن مؤهلا للدفاع عن التجربة الديمقراطية التي حملها معهم الأميركان. لقد هرب الرئيس الافغاني ورفض الجيش الدخول في حرب أهلية تعيد الأفغان إلى مآسي الحروب الاهلية السابقة. سيزعم الأميركان أن الشعب الأفغاني خذلهم وخان نفسه حين استسلم بيسر لطالبان وفي وقت قياسي.

سواء ما يتعلق بطالبان أو ما يفسر موقف الجيش الأفغاني فإن هناك قدرا هائلا من التلفيق هربا من الحقيقة.

الأميركان هم الذين أعادوا طالبان إلى الحكم في كابول. ليس مطلوبا من أشرف غني وهو رئيس أُنتخب في ظل الاحتلال أن يبقى في قصر الرئاسة في انتظار تنفيذ حكم الاعدام به. اما الجيش الأفغاني فهو مثل الجيش العراقي عبارة عن مزيج غير منسجم من المتطوعين الباحثين عن العمل بمعنى أنهم مجرد مرتزقة وذوي المنسوبية من الذين أخرجتهم رتبهم العسكرية العالية التي حصلوا عليها بطريقة عشوائية من العالم السفلي.

لا يمكن أن يكون هناك جيش حقيقي في دولة افتراضية.

وكما يبدو فإن الأميركان قد حرصوا في حالتي العراق وأفغانستان على اقامة دولتين افتراضيتين. ولكن هل نظروا إلى الشعب باعتباره شعبا افتراضيا؟ اعتقد أن تخليهم عن أفغانستان وتسليمها لحركة لا تزال تحتل مكانا مرموقا على لائحة التنظيمات الارهابية ينطوي على شيء من ذلك القبيل.

أبدو كمَن يرغب في استمرار الاحتلال. هل فتح الانسحاب الأميركي وانهاء الاحتلال الأبواب امام أفغانستان وشعبها على الحرية والسلام؟ ولكن التوقيت الأميركي لا علاقة له بما تريده الشعوب. كان الأميركان يتفاوضون مع حركة طالبان في الدوحة من غير أن يكون هناك ممثل للشعب الافغاني. كان الاميركان يتفاوضون على صيغة غير مهينة لخروجهم. لم يكن للشعب الأفغاني محل على طاولة المفاوضات التي هي أشبه بطاولة قمار، يرغب الجالسون من حولها أن تنتهي اللعبة من غير خسائر.

أما الأفغان فقد خسروا عشرين سنة. “يكفي أننا وهبناهم عشرين سنة حرية” تلك واحدة من أكاذيب الاعلام الذرائعي. كانت عشرين سنة من الحرب. غير أن الأفغان صدقوا أن في إمكانهم أن ينجوا من الظلامية الدينية ويخرجوا إلى العالم الحديث. كان في إمكان الأميركان أن يحققوا جزءا من ذلك الحلم لو أنهم رأوا الشعب. غير أنهم لم يروا سوى عملائهم الذين حرصوا على سلامتهم حين وقعوا اتفاق الدوحة وحين أجلوا رعاياهم من مطار كابول.

ليس هناك هامش للشعب الأفغاني في الفكر السياسي الغربي بشكل عام والأميركي بشكل خاص. بضربة أصبع أقفلت أبواب الحياة الحديثة في كابول وبدأ عصر البرقع مرة أخرى. كل ما يُقال عن حقوق الإنسان وعمل المرأة وتعليمتها وقيمتها الاجتماعية والحريات العامة هو محاولة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية. سيكون واضحا أن طالبان هي الحل. وهو ما يعني أن موجات المهاجرين الأفغان ستزداد تدفقا.

مَن يتساءل عن مستقبل العلاقة بطالبان لا يخذل شعب أفغانستان حسب بل ويخون الحقيقة أيضا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى