شويكه سيدة الحكايات – الجزء الثاني

النشرة الدولية –

كتب الدكتور سمير محمد ايوب
شويكه سيدة الحكايات – الجزء الثاني

معالمها ،ثوابتها ورواسيها:
لكل مدينة أبجديتها ومفرداتها التي تفكك رموزها، وتكشف أسرارها، وتحكي تاريخها. إلا شويكه، فهي قرية غامضة مفعمة بالألغاز. لا شيء يختصرها. غيومها رمادية، تطرحها عباءة فوق الناس وبيوتهم وطرقاتهم وانجازاتهم المُبَشِّرة. كتومة لا تُبينُ ولا تُفْصِح ولا تَشي. تُطِلُّ كعذراء باستحياء على محيطها. رغم كل ذلك، فإن تقاطيع وجهها الجميل، كتقاطيع رجل عجوز، تشي بالحكمة وخبرات السنين.
لمن لا يعرف شويكه القديمة، المتوارية خلف كم وفير من التعمير والتحديث العمراني والبشري أقول، كراوي كان في بطن الحدث، أخشى من الاستفاضة فى ذكر معالمها الأصيلة، ولكني أحرص على أن لا أبخسها حقها. سأكتفي في هذه التدفقات من الحنين، بذكر بعض ما وشَمَ وجدانيَ وعلِقَ بذهني، من الغابة ومن شجرها في نفس الوقت. وهاجسي، استعادة تاريخ المكان الذي عرفته وأبناء جيلي، وحمولاته من مفارقات اجتماعية وانسانية طريفة.
استبداد الجغرافيا وعبقريتها
ما اجمل ان يهديَك القدر ذاكرة عتيقة مكتظة الصور، تحدق عبرها بذهول، في تبدلات مكانية وسكانية غير قابلة للتنميط، تحار معها من أين تبدأ، وبغتة يكشف عن بصيرتك الحجاب، يهب غامضا يخوض بك دون اذنِ منك، في الشارع الغربي لشويكه وهو شارع معبد يريطها بقرى ومدن الشعراوية في الشمال الشرقي منها وأبرزها دير الغصون، وبمدن وقرى الجنوب الغربي وابرزها طولكرم المركز الاداري والتجاري والثقافي والصحي للقائمقامية. كان الشارع خجولَ الحركة. تحيط به بساتينُ الزيتون وبضع مباني مأهولة، كانت تعد على اصابع اليد الواحدة.
شويكه المحكومة كغيرها من المدن والقرى باستبداد الجغرافيا، ليست مدينة تماما، وليست قرية تماما. هي إحدى قرى الشعراوية ( وهي قرى قاقون، وخربة بير السكه، الجاروشية، دير الغصون، عتيل، زيتا طولكرم، علار، صيدا، نزلة عيسى، باقا الشرقية وباقا الغربية، نزلة ابو نار وقرية قفين ) ، إنها بمحاذاة الشمال الشرقي لمدينة طولكرم، وعلى بعد 2.5 كلم منها، وباتت اليوم ضاحية من ضواحيها. ولا تبعد عن البحر المتوسط سوى 15 كلم تقريبا.
تقع على ارض منبسطة من السهل الساحلي الاوسط. تنحدر اراضيها من الشرق الى الغرب، ويجري الى الشمال منها وادي الشام، ومن الجنوب وادي الزومر.
شويكه غابة كثيفة من الاشجار المثمرة، ولا سيما أشجار الزيتون والتين واللوز والصبار. أن منطقة الراس وقاع وادي الشام، وظهرة الحاج عيسى وأم الشرايط، وظهرة اكبارية وسهل الملساء ووادي الزومر هي من اشهر معالم البلدة وجامعها القديم ومدارسها.
تشير المعلومات المتوفرة واغلبها شفوي، إلى أن عدد سكانها مع بواكير النكبة عام 1948 كان بحدود الثلاث الاف نسمة، موزعين على كوكبة كبيرة من العائلات الكبيرة والحمايل. ويبدو أن القرويين في فلسطين، قد اختاروا تعبير “الحامولة” بدلا من “العشيرة” الذي كان ولا يزال، تستخدمه القبائل العربية في بلاد الشام وغيرها. ومن هذه الحمايل، كانت حامولة آل ايوب، التي أنتمي إليها من جهة الأم ومن جهة الأب . فأمي وأبي أولاد عم. وأخوال أمي آل جعرون.
اقامت تلك العناقيد الطيبة من الحمايل والعائلات، في شبكة من الحارات والأزقة الشعبية العشوائية، المتلاصقة جغرافيا والمتداخلة اجتماعيا، والمتشابكة بالهموم النمطية. شوارعها ترابية ممهدة، من أشهرها حارات: النعالوه، البهتي، الشيخ غانم، الغربية، عبده، الشرفاء، الفقهاء، المساهيل، وحارة المهداوي.
ومن الجدير ذكره، ان الكثير من الأفراد والعائلات، كانت تحمل اسمين، واحدا ورثته ويخاطبهم به الناس اثناء وجودهم معا، وآخر نُحِتَ لهم ولقبوا به، وهو في العادة مستوحى من واقعة او مهنة او تخصص او سمة ما او لطرفة ما، يطلقونه عليهم اثناء غيابهم، ويلتصق بهم اللقب مدى الحياة وبعد الممات. أهل بلدنا ماهرون في اختراع الالقاب، كان منها: البرطيطه، الشيص، أبو التاجر، العمقاوي، جرمش، كرمش، السخل، العاشق، موِنِّس، القص، العجيجي، البحر، العبكيش، إمْحَرَّم، أبو سملق، السكر، القرق، البيب، او زعيتر، أبوعمشه، العريض، الحظ، الصقر، ابو بروق، الداغر، ابو العجايز، ابو السمن، ابو اللوز، الغراب، البلعاوي،الحنطوطه، أبو نيع، قطوم ، القصير، العنطبيل، الدليل ،القديش، البس، العجوز، المسعور، ابو كف خارق، الزيناتي، ابو توما، وابو الشحم، والاطرش، وطقطاق، العجيجي، البحر، العبكيش، وابو حرب.
أبو حرب هو لقب فرعنا في آل ايوب، وللقب حكاية تستحق أن تًروى. اللقب في الاصل أطلق على أبي محمد الذي لقب بحرب، لولادته يوم أطلق شريف مكة رصاصته الاولى باتجاه الخلافة العثمانية. التصق الاسم بفرع العائلة. وسمي جدي عبد الرحيم باسم ابو حرب، وحتى عمتي وأعمامي نسبوا للقب، فصارت عمتي هي فاطمة الحرب، وعمي يوسف الحرب وعمي محمود الحرب وصرت انا سمير الحرب بموازاة الاسم الرسمي سمير محمد عبد الرحيم ايوب.
يتبع …….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى