سلوى القطريب والصوت الكريستالي
النشرة الدولية –
مجلة برس بار تو – جهاد أيوب –
سلوى القطريب (alto)، صوت التو، وهو من الاصوات المستقلة، محبب ومريح للسمع، كريستالي يتراقص مع نغمات الشرق، حساس، وفيه رنين الأجراس، تغني بلا عضلات و فبركات، تؤدي 12 مقاماً سليماً، ونوع صوتها “التو” يسحر، ويدخل الأذن برناته الجرسية الغنية بالشرقي، ويترك أثراً جميلاً.
الانطلاقة ولكن!
منذ أن انطلقت سلوى مع الغناء دخلت عصر التطريب بجدارة ولكن، وهذه “ولكن” وجب وضع تحتها أكثر من ملاحظة، ولكن لا تعني ضعف بالصوت أبداً، فصوت سلوى مقتدر، ومريح، ومطواع، وثاقب، ولا حدة تزعج فيه، ولكن تكمن بالاختيار، وبعدم السماح له بالمغادرة والمغامرة، ومن سمع سلوى تغني الطرب الصعب، وبعض أعمال أم كلثوم يصاب بالانبهار لتمكينها من الأداء الرائع!
صحيح صوت سلوى من الخامات الجيدة، ولا أحد يدرك سبب هجرانها إلى كثير من أنواع الغناء العربي، وتحديداً هجرانها للتراث اللبناني إلا ما تيسر لها، ورسم لها في هذا اللون إلا القليل، وبالمناسبات، كان باستطاعة صاحبته أن تتقن التجربة اللبنانية التراثية الراقية بنجاح وتنافس، لكنها تكسلنت بذلك، ولم تفعل إلا ما ندر ولم يترك الأثر كحالة عميقة، وكتجربة رائدة، بل كانت تتعامل مع هذا النوع من الغناء ببساطة عابرة، وبنجاح!
وحينما نقول التجربة اللبنانية يعني الأصول في الغناء العربي التراثي الصحيح، والمتطلب للأصوات المتمكنة وليست الأصوات المتواضعة والصغيرة، فالتراث الغنائي اللبناني الفولكلوري من مواويل يحتاج إلى مقدرة وعضلات، ذاك التراث يعتمد على الأداء الصعب، والطبقات العالية، والموال الحقيقي الذي يفرض عضلات الصوت بأبعاده من خلال الميجانا، والعتابا، وأبو الزلف، ومن لا يجيدها ليس مطرباً، بل مجرد مؤدياً في الطرب، والغريب أن سلوى كانت تجيدها لو فعلت، لا بل كانت تجيد كل أنواع الطرب، وصوتها أكثر من متدفق لفنون الغناء اللبناني تحديداً، والعربي خصيصاً، صوت سلوى لا يعرف الخفوت بل الشمس تشرق بين هضاب حنجرته!
مشكلة الانتشار
مشكلة انتشار صوت سلوى كان و للأسف في انفراد روميو لحود بإعطائها الألحان دون أن يسمح لغيرها باقتحام صوتها، وإن تم الاقتحام يوضع في قالب معين كما حال ألحان ملحم بركات لها وغيره، قد لا يعجب الصديق روميو مثل هذا الكلام، ولكن التجربة التي بقيت أكبر برهاناً على صحة كلامنا… نعم هذا المنوال أبعدها عن التلوين، واكتشاف مساحات جديدة موجودة لديها لكنها لم تخوض معها غمار البحث والتجربة مما جعل أغانيها قليلة، لا بل هذا الحال حدد علاقتها مع الجمهور الواسع.
كما ارتباطها بمسرحيات معدودة ومحدودة قلل من انتشارها عربياً، وهذا افقدها أيضاً القيام بجولات غنائية في لبنان وفي بلاد الاغتراب حيث اللبنانيين، وهي لم تصدر خلال مسيرتها ألبوماً غنائياً واحداً خاصاً ومن خارج ألحان المسرحيات، بل كل إنتاجها ارتبط بهمة وأفكار والحان وأشعار وإخراج وأعمال روميو، وهذا خطأ فني ضيق انتشارها، وأضاع اكتشاف مساحة صوتها، خاصة أن المواجهة كانت صعبة بحضور الكبيرتين صباح وفيروز!
كما أن شخصية سلوى القطريب في فهم النجومية التي قدمت لها أضرت بها، هي لم تكن تؤمن بالنجومية، لا تحب السهر، ولا المشاركات، خجولة جداً، ناعمة، هامسة ترفض حصانة الشهرة، هي كانت تفضل الجلوس في المنزل على أن لا تغادره أو تمارس دور النجمة المشهورة!
ذات مرحلة طلبها الأخوين الرحباني للبطولة المطلقة في مسرح الرحابنة بعد هجرة فيروز، لكن سلوى رفضت رفضاً قاطعاً حتى لا تقارن بغيرها، وهذا في رأي النقاد خطأ من سلوى خاصة أنها في تلك المرحلة كانت سلوى أميرة المسرح الاستعراضي اللبناني، ولؤلؤة الغناء اللبناني بجدارة المساحة التي فرضتها محلياً والقليل عربياً، ولو وافقت مع الرحابنة أو مع غيرهم لكانت استمراريتها مغايرة، ولم تقع في قضية كسل الاختيار، وفي حب الجلوس في البيت تراقب نجاحات غيرها، وهي أهم من كل أبناء جيلها!
سلوى تتحمل عدم نشاطها في السنوات الأخيرة، وهي المسؤولة عن عدم استمراريتها مهما انتقدنا كمراقبين القدير روميو لحود وزوجها المخلص ناهي لحود!
نجحت سلوى القطريب رغم القيود، والملاحظات التي أوردناها، ورغم تقوقع واستمرارية الانتشار، وعدم التنوع، وعدم البحث واكتشاف أساليب جديدة، ولو استعانت بملحنين غير روميو لكانت سلوى الأهم في الوطن العربي لكونها تدرك أصول الغناء بكل أنواعه، وتتمكن من الغناء ألطربي المفتوح كما الغناء الاستعراضي، ولهذا السبب جلست في الزاوية حزينة تسمع وتشاهد غيرها، وتواكب نجاحات وحضور الأصوات الجديدة بمختلف مستوياتها، ومنها ما هو دون مستواها الفني والصوتي وهي المحاربة القوية التي تحارب من دون سلاح…ونعاود ونشير إلى أنها هي تتحمل ذلك.
لا يستهان في صوت سلوى القطريب، ولا يسمح بتخطيه، ولكن الزمن كان قاسياً عليها في أخر أيامها فنياً، وها هو يزداد قسوة لتجاهلها من المسؤولين والنقاد والفنانين!
صوت سلوى القطريب خميرة الأصوات الشرقية، وصوت غني بالعرب المشبعة التي كانت تستخدمها ببساطة وذكاء دون تعمد، وهو من الأصوات العميقة في الأداء الصح والصعب دون أن يرتكب النشاذ، والأهم أن صوت سلوى هو حالة مطلوبة ولا شبيه له عربياً ولبنانياً، وخدمه بشكل صحيح الطلة الشامخة، والحضور المسرحي الأنيق شكلاً ومضموناً، وتهذيب صاحبته.