شفيق وحياة غير آمنة
بقلم: أ.د. غانم النجار
النشرة الدولية –
لم يكن رحيل الصديق شفيق الغبرا مفاجئاً، فقد ظل مقاوِماً للمرض مدة طويلة، حتى عودته إلى الكويت من رحلة علاجه في أميركا مع رفيقة دربه د. تغريد القدسي. عاد إلى بلاده التي أحب؛ ليغلق عينيه على أرضها.
ورغم أن الصراع لم يكن متكافئاً مع ذلك المرض اللعين، فإن شفيق كان دائماً متفائلاً كعادته، ويقول إن الأمور تتحسن، ومع أن رحيله لم يكن مفاجئاً، إلا أن فقده سيكون كبيراً، وفراغه لن يملأه أحد.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، انضم شفيق إلينا بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، فاتفقنا على نشر مقال له بجريدة الوطن، التي كنت فيها حينئذ مستشاراً وكاتباً، إلا أن المقال خرج مقطع الأوصال، فظن شفيق أنه قد أتى أمراً خطيراً، وسألني التفسير، فأوضحت له أن حال الحريات في البلد انتكست منذ صيف 1986، إذ فرضت الحكومة الرقابة المسبقة على الصحافة، وصار الحذف والرقابة هواية حكومية. كان شفيق دائماً يذكرني بتلك الحادثة لتبيان التحولات التي مر بها.
وعندما داهمنا الغزو العراقي، التقينا عدة مرات، إلى أن غادر لأميركا، وانخرط هناك في الدفاع عن الحق الكويتي في الإعلام الأميركي، وكان متمكناً، ومؤثراً، وعارفاً بطبيعة الخطاب في الساحة الأميركية، ليتولى لاحقاً المكتب الإعلامي بأميركا، وكان له فيه أداء مؤثر خصوصاً بعد الغزو وآثاره.
وعندما عاد إلى الكويت ترك الجامعة ليؤسس الجامعة الأميركية، ثم أسس مؤسسة «جسور عربية»، ثم ما لبث أن عاد إلى جامعة الكويت، ليتولى مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية بها، والذي قمت بتأسيسه، ليتولاه بالتعاقب الصديقان شملان العيسى وشفيق الغبرا ـــــ رحمهما الله ــــ ويبدو أن الجامعة تورطت في المركز، فأغلقته، أما لماذا تغلق جامعة مراكز بحث؟ ففي ذلك إجابة جزئية على التصنيف.
عاد بعدها شفيق للجامعة، بكل نشاطه، رافداً المجتمع بإنتاج علمي رشيق وثري، وحضور اجتماعي كبير مع تغير ملحوظ، حتى أصبح محطة لا تُجارى في الدفاع عن الحريات، والمهمشين، دون مواربة، وبدون انتماء لأحد.
ساعدت خلفية شفيق النضالية، وانخراطه في القضية الفلسطينية بكل جوانبها، على أن يصبح داعية للتغيير على قاعدة الديموقراطية وكرامة الإنسان، وعندما جاء الحراك الشعبي العربي كان مدافعاً ومنافحاً، ومؤلفاً للكثير عما يحاك ضد الربيع العربي، ولم يتردد في التنبيه إلى ما هو قادم.
سنفتقدك يا صديقي وليس لنا عزاء إلا في الإرث العلمي الذي خلفته لنا، وليرحمك الله رحمة واسعة يا أبا يزن، ويلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان، و”إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”.